مقالات

هل هُزِمَ المشروع الصهيوني؟

26/10/2025, 13:40:42

أوَّلاً لا بُدَّ مِنْ التأكيد أنَّ السردية الكُبرَى للمشروع الصهيوني هي "الاحتلال الاستيطاني". فقد قامت هذه السردية على أساس التهجير القسري، والتطهير العرقي، وَخُرَافة «الوعد الإلهي»، وأكذوبة «أرض بلا شعب، لِشَعبٍ بلا أرض».

فالحروب المتواصلة المتناسلة لِمَا يقرب من قرن هدفها الأساس الذي تتغيَّاه: التهجير، وطرد الشعب الفلسطيني من أرضه. و«مؤتمر بازل 1897»، و«وعد بلفور 1917»، كانا مكرِّسين لهذه الغاية.

فهل نَجحَ المشروع الصهيوني الذي تبنّته أوروبا الاستعمارية، وتدعمه أمريكا؟

لم ينجح المشروع، غَيرَ أنَّ مِن الخطأ الجزم أنَّ المشروع قد فشل أيضًا. فالمشروع مرتبطٌ بالاحتلال الاستيطاني لفلسطين، مَدعومًا من أمريكا والصهيونية العالمية، والاستعمار الأوروبي، والخذلان العربي حَدَّ التَّواطُؤ.

لا يزال الاحتلال جَاثِمًا، ويمارس القمع، والفصل العنصري، لكنَّ الأهم انكسار حرب الإبادة. فقد كان الهدف الأساس من حرب الإبادة هو التهجير القسري، وفرض عودة الاحتلال كَامِلاً على غزة، وَضمَّ الضَّفة الغَربيِّة.

توقف الحرب الشاملة مؤشرٌ على فشل مخطط التهجير، والتطهير العرقي؛ وَمردّ هذا صمود المقاومة الباسلة، وصبر وعناد الغزيين، والاحتجاجات داخل الكيان الإسرائيلي، والاحتجاجات العالمية؛ وبالأخص في المدن والجامعات الأوروبية والأمريكية؛ الأمر الذي أدَّى إلى الضغط على الأنظمة الاستعمارية؛ حتى صارت تتململ من إسرائيل، وكبح جماحها، وَفَرضَ عليها التراجع عن تأييدها المطلق لها، أو على الأقل فِي حرب الإبادة التي شنتها على غزة.

انتقاد ترامب لنتنياهو تَعبيرٌ عن هذا الفشل المحدود، ويترافق هذا مع الإصرار على استمرار محاولة الاستيلاء على العقار (الريفيرا)، ولكن عبر الخُطَّة اللغم.

فهل ينجح اللغم باستئناف الحرب بوسائل أخرى، واستمرار احتلال غزة؟

التصالح الفلسطيني أساسٌ ومهم، و«اتفاق القاهرة» بين الفصائل الفلسطينية، وعدم الرهان على أمريكا أو أوروبا مُهِمًّ أيضًا.

الاتفاق على تشكيل قيادة تكنوقراط غزيين مستقلين خُطوَة أولى وأساس؛ لإفشال المخطط، كما أنَّ تفعيل «منظمة التحرير الفلسطينية»، كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وإعادة صياغة «المجلس الوطني الفلسطيني»، خُطوة أساس تقطع الطريق على تشكيل قيادة يختارها ترامب؛ الأمر الذي يعني استمرار الحرب، وتسليم العقار لترامب، وبقاء الاحتلال الإسرائيلي لغزة بغطاء أمريكي، كما أنَّ الحوار الوطني الشامل الذي دعا إليه «لِقَاء القاهرة» مُهمٌّ لإفشال ما وراء المخطط.

صمود المقاومة، وصبر وعناد الغزيين، ورفض التطهير العِرقي والتهجير الجماعي حجر الزاوية في إفشال مخطط «يهودية الدولة الكبرى»، ومشروع «الشرق الأوسط الجديد»، و«صفقة القرن».

مَا عَجِزتْ عن تحقيقه حرب الإبادة يُرَاد له أن يحقق بِتسيُّد دونالد ترامب - آمر حرب الإبادة؛ عن طريق تشكيله فريق تابع يضمن تنفيذ مخطط الإبادة والتهجير، وهيمنة أمريكا، وسيطرة إسرائيل على فلسطين والمنطقة.

على الشعب الفلسطيني توحيد إرادته، والتوافق على إعادة إصلاح أوضاع «منظمة التحرير»، والإقلاع عن أوهام «التنسيق الأمني»، وخدعة أوسلو التي نَفضَ الكيان الصهيوني يَدهُ مِنهَا.

فأمريكا الامبريالية، وحليفتها الصهيونية هما حماة إسرائيل الحقيقيِّان، ولولا الدعم الأمريكي الشامل، والغطاء السياسي، لما استطاعت إسرائيل البقاء.

إنَّ أكبر جريمة اقترفها السادات في حق شعبه والعرب وفلسطين هو التخلي عن «الرُّبَاعية الدولية»، ووضع الأوراق كلها بيد أمريكا. وكان التيار القومي واليسار العربي أول مَنْ تنبه لخطورة هذا الاتجاه الذي اتبعته قيادة «منظمة التحرير»، ولا تزال.

وكان المفكر إدوارد سعيد، والصحفي الكبير محمد حسنين هيكل في صدارة ناقدي أوسلو. وَقد كَرَّسَ المفكر إدوارد سعيد كتابيه المهمين: «أوسلو سلام بلا أرض»، و«غزة وأريحا»، لهذه القضية.

وَسَخِرَ من الاتفاقية أيضًا الفنان الكبير والرسام الكاريكاتوري ناجي العلي في كاريكاتور «غُزُّهْ وأريحه». وغُزُّهْ -بضم العين- أي اخنقه. وهو ما كان للأسف الشديد، وكان الضحية الشهيد «أبو عَمَّار».

أن تكون أمريكا هي الخصم والحكم فمصيبة، أمَّا أن يكون ترامب - الداعم الأول للحرب صَانعَ السلام، وَمَلِك أمريكا، وَمَاِلك «الريفيرا» (غزة)، فمأساة تراجيدية.

إنَّ أول حرف في أبجدية إفشال مخطط التطهير العِرقي والتهجير هو كسر الحصار، وإيصال المواد الغذائية والضرورية، وتضميد جراح الغزيين الذين دافعوا عن أرضهم، وأحبطوا مخطط «صفقة القرن»، و«الشرق الأوسط الجديد»، نِيابةً عن الأمة العربية والعالم.

كَمَا أنَّ تراجع ترامب عن تأييد الاستيطان، وبروز خلافات في رؤية الثنائي: ترامب، ونتنياهو مُفِيد، وَيَظلّ التوحّد الفلسطيني أساسًا لإفشال كسر صمود غزة، وإحباط مخطط التطهير العِرقي والتهجير الجماعي بالوسائل الخادعة المتجسّدة في التدويل الزائف عبر هيئة يشكّلها ترامب، ويرأسها شاهد الزّور، ومجرم الحرب على العراق: بلير.

إنَّ استمرار احتلال أكثر من 50% مِنْ أرض غزة - المدينة الأكثر كثافة سكانية، لا يعني سِوَى أنَّ مشاريع الاحتلال، والفصل العنصري والتهجير والإبادة لاتزال قائمةً، وقد يستطيع مالك العقار ترامب، بـ«إقناع» أصدقائه العرب مُلَّاك النفط، بتمويل مشروعه السياحي، وتقسيم المقسم.

تماسك الفصائل الفلسطينية وتوحّد موقفها كَفيلان بإفشال الخطة التي لا هدف لها غير تحقيق ما فشلت حرب الإبادة في تحقيقه. أمَّا الخلاف بين ترامب ونتنياهو، فتكتيكي، لا إستراتيجي؛ وهو اختلاف في الوسائل مع الاتفاق في الغايات.

فأمريكا وأوروبا الاستعمارية يريان في وجود الكيان الصهيوني، وبقائه كقوة أولى في المنطقة العربية والمحيط الإقليمي، رُكنًا أساسًا، وخط دفاع أول لحماية مصالحهم، واستمرار هيمنتهم السياسية على المنطقة العربية، ومناطق الثروة النفطية.

إنَّ موقف «أبو مازن» وفريقه «كعب أخيل». والمحنة الممحونة أنَّ رئيس السلطة الفلسطينية غير مقبول من نتنياهو، وغير مرحب به في خطة ترامب.

فَعَلامَ الرهان إذن، وأوسلو لم تَعُدْ قَائِمَة، وغير معترف بها مِنْ قِبَل نتنياهو؛ ومن أجلها قُتِلَ رابين، وَتَسيَّدَ اليمين الصهيوني؟!

استمرار وقف الحرب، وتشكيل قيادة فلسطينية مستقلة لغزة، ودخول الأمم المتحدة على الخط بتشكيل فريق مراقبة من دول لا تخضع للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية، خطوة أساس لإفشال خطة حرب الإبادة، وما يُراد لها ومنها.

النكتة السَّمِجَة إصرار الإسرائيليين والأمريكان والأوروبيين والحُكَّام العرب على إعطاء الأولوية والأهمية لنزع سلاح حماس. والجميع يعرف أنه سلاح بدائي في مواجهة أقوى مكنة حربية عصرية.

إنَّ سِلاح حماس، وأدوات وأساليب النضال تَخصُّ الشعب والفصائل الفلسطينية؛ وهي من يحق لها تحديدها وامتلاك الحق في اختيارها.

يعرف كُلٌّ مِنْ نتنياهو وترامب أكثر مِنْ «أبو مازن» والحُكَّام العرب أنَّ انكسار الحرب راجع إلى صبر وعناد ومقاومة الغزيين أكثر من السلاح، وهذا دون التقليل أو الاستهانة بالسلاح؛ فالانتفاضة الأولى هي مَنْ فَرضَ عودة السلطة الفلسطينية إلى الداخل.

 

مقالات

جرّاح الأمل

مدهش ما يصنعه العقل اليمني الفذ، البروفيسور أبو ذر الجندي. في المدينة التي صارت عاصمة للضجيج، ثمة حلم ينمو وأمل يفرد جناحيه ليغمر تعز واليمن عموماً بأنّ تغيير المستقبل ممكن، لكنه يبدأ من الذات.

مقالات

موت من كان يرى في السياسة حياة

توفي الدكتور محمد الظاهري. سمعتُ الخبر، وشعرتُ كأن جزءاً من ذاكرة الجامعة وروح السياسة انطفأ. اعتدنا في قاعات الدراسة معه على التوسع من شرح نظريات السياسة وقواعد المنهج إلى إجراء نقاشات حول السياسة نفسها.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.