مقالات

غزة واستمرار الإبادة

01/11/2025, 06:23:13

لأكثر من عامين كاملين دفع الكيان الصهيوني بمكنته العسكرية مسنودةً وممدَّة بأقوى قوة أمريكية، وبالطيران الأوروبي، والسلاح، في مواجهة غزة ذات الكثافة السكانية، والرقعة الضيقة، والمحاصرة برًّا وبحرًا وجوًّا، على مدى سبعة عشر عامًا.

تشن إسرائيل حرب إبادة، وقتلت ما يمكن أن يصل إلى ثلاثمئة ألف؛ هذا إذا أخذنا بالاعتبار المدفونين تحت الأنقاض. وغالبية القتلى من الأطفال والنساء.

دمّر القصف البري والبحري والجوي ما يزيد على 80% من المدن والقرى، ودمّرت الأحياء السكنية، والمدارس، ودور العبادة: المساجد، والكنائس، والمستشفيات، ومحطات الكهرباء وآبار المياه؛ أي كل معالم الحياة ومظاهر التمدن.

وفرضت إسرائيل حصارًا، ومنعت دخول المواد الغذائية والدواء ومياه الشرب، وأرغمت الغزيين على مغادرة منازلهم إلى اللامكان أكثر من مرة، بما يشبه أهوال يوم القيامة. وعجز جحيم ترامب ونتنياهو عن إجبار الغزيين على مغادرة منازلهم المهدمة إلى خارج وطنهم.

حرب الإبادة والتجويع المفروضة، وتقتيل الجوعى، وتشارك ترامب ونتنياهو في تشكيل «لجنة أمنية» للمساعدة الغذائية تقوم بتقتيل الجوعى في جرائم متكررة وغير مسبوقة، عجزت كلها عن إرغام الغزيين على الفرار من حرب الإبادة. فهؤلاء الغزيون هم أبناء نكبة 1948 وما بعدها، والمهجّرون من مدنهم الفلسطينية المحتلة.

جرائم إسرائيل وأمريكا تفوق الوصف وما تتحدث عنه الأساطير والملاحم الكبرى، ومآسي حروب القرون القديمة، والحربين الكونيتين، وأفران الهولوكوست التي أعادها ترامب ونتنياهو جَذَعَة.

الهولوكوست أدى إلى بناء الكيان الصهيوني، أمّا الهولوكوستات ضد غزة فهدفها التطهير العرقي، وتشريد الغزيين، وإبادتهم.

الجيش الإسرائيلي النازي مكوَّن من المنظمات الإرهابية: الهجاناه، وشيترن، وهتحيا، وكاخ.

يقوم الجيش الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية بما قام به النازيون في ألمانيا. فترامب ونتنياهو صُنّاع جحيم غزة يتباهون بصناعة المحرقة. وبفضل المقاومة الباسلة، والصمود الأسطوري لأبناء غزة وعنادهم الذي يفوق التصور والوصف، والاحتجاجات العالمية، وبالأخص في المدن والجامعات الأوروبية والأمريكية، وتراجع تأييد حرب الإبادة من القيادات الأوروبية، وعزلة الكيان الإسرائيلي، والموقف الدولي، فُرض على موجه الحرب ترامب تقديم خطته اللغم التي ظاهرها السلام، وجوهرها استمرار الإصرار على التطهير العرقي، والتهجير، والإبادة.

يردّد ترامب ونتنياهو انتهاء الحرب، ويعيق نتنياهو تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة، ويستمر في القصف، وفرض الحصار، ومنع دخول المساعدات، واحتلال أكثر من 50% من أراضي غزة؛ ومع تواصل القصف يتوافق ترامب ونتنياهو على توسيع الاحتلال، و«لبننة» الحرب، وإعاقة البناء.

منذ البدء كان الاحتلال الاستيطاني والتهجير هدفًا رائسًا لكل الحروب، والإيهام بانتهاء الحرب كذبٌ محض. وهدف الخطة اللغم فكّ العزلة عن إسرائيل، وتخفيف ضغط الاحتجاجات، ومطالبة القوى الدولية والبلدان العربية والإسلامية بحل الدولتين.

من الجلي أن طمع دونالد ترامب في تملك «ريفيرا غزة» أكبر من همه في الحصول على جائزة نوبل، كما أن هوسه بالحرب أكبر كثيرًا من دعاوى السلام. فالحرب على غزة مستمرة، ومقاومة الغزيين والفلسطينيين لم تهمد؛ وستستمر الحرب والمقاومة، طالما أن زبانية حرب الإبادة مصرّون على تحقيق غاياتهم الاستعمارية: إغراء «الريفيرا»، وحلم «إسرائيل الكبرى»، وإعادة صياغة «الشرق الأوسط الجديد»، و«صفقة القرن»، وتسيّد العالم الذي لا يفارق خيال ترامب.

قد يختلف الاثنان في وسائل تحقيق ذلك. ففي حين يراها نتنياهو عبر استمرار حرب الإبادة، فإن ترامب يرى أن احتلال أكثر من 50% من رقعة غزة الضيقة، واستمرار التهديد بالحرب، واستمرار الحصار، والبدء في البناء، كافٍ لإرغام الغزيين على القبول بوجود ترامب بديلاً عن نتنياهو، أو المغادرة طوعًا، وستتكفل دول الخليج ببناء «الريفيرا» التي تحقق حلم «إسرائيل الكبرى» و«صفقة القرن».

ترامب ليس رجل سلام، ولا رجل دين. أستغفر الله. ودعوته إلى الإبراهيمية التي يفرضها على أصدقائه الحكام العرب هي ما يسميه ماركس في المسألة اليهودية: «المال إله إسرائيل».

يعتقد بعض الحكام العرب أن تقديم العطايا قد يشبع نهم ترامب ويرضي غروره؛ وقد يدفعه لعدم الانحياز المطلق لإسرائيل. والواقع أن تشابك المصالح بين الصهيونية وأمريكا متين، والتحالف بينهما عضوي. وأيًّا يكن الرئيس الأمريكي جمهوريًا أو ديمقراطيًا، فإنه محتاج إلى نفوذ اللوبيات، والدعم، وأصوات الإنجيليين؛ وهم ملايين.

ينظر ترامب إلى الحكام العرب كمحتاجي عون أو طالبي حماية. ومن يحمي يملك. وهو -كسمسار عالمي- يزيده إغراء المال شراهة. (هل امتلأتِ؟ فتقول: هل من مزيد). الآية.

الجحيم الذي توعّد به وأشعله في غزة يعبر عن نفسية الرجل. واستمرار احتلال أجزاء من غزة يفتح الباب أمام استمرار التطهير العرقي، والتهجير، ومدّ الهيمنة والسيطرة الإسرائيلية إلى المنطقة كلها.

زار المفكر وعالم الألسنية الأمريكي نعوم تشومسكي غزة في 30 أكتوبر 2012م، وكتب انطباعات عن غزة حينها، وترجمتها غادة الحلواني، ونُشر في مجلة «الدوحة»، عدد (62)، ديسمبر 2012. وقد اتخذ المقال الضافي صيغة بيان عن أوضاع غزة بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وقد وقع إلى جانبه عدد آخر من المفكرين ودعاة حقوق الإنسان.

قراءة المقال البيان تمثل استشرافًا ونبوءة لما حدث في السابع من أكتوبر 2023. يقول المفكر العالمي: «تكفي ليلة واحدة في السجن؛ لكي يتذوق المرء مرارة أن يعيش في ظل سيطرة كاملة لقوةٍ ما خارجية.

وفي غزة لن يحتاج المرء أكثر من يوم؛ ليدرك معنى أن يحاول العيش في أكبر سجن مفتوح في العالم؛ حيث يخضع مليون ونصف فرد، في أكثر مناطق العالم تكدسًا بالسكان، إلى إرهاب عشوائي ووحشي، وعقوبة اعتباطية واستبدادية لا هدف لها غير إذلالهم، والحط من قدرهم، بل وسحق آمالهم في بناء مستقبل كريم، ونقص الدعم العالمي الغامر الذي يساند التوصل إلى تسوية دبلوماسية تضمن للفلسطينيين حقوقهم».

البيان كبير، وقد تناول تهديد إسرائيل للأمم المتحدة بفقدان صوابها لو اعترفت بالحقوق الفلسطينية. ويشبه التهديد بـ«التهديد الشيروني» بهدم المعبد. ويرى أن القمع الإسرائيلي متجدد، ويمتد لثلاثين عامًا، ويتضمن تمييزًا وعنصرية.

ويعتبر تحمّل تلك العقوبات معجزة. ويشير إلى «اتفاقات أوسلو» التي احتُفِلَ بها بكثير من البذخ.

وقد بدأت أمريكا وإسرائيل فصل الضفة عن غزة. ومنذ فوز حماس في انتخابات حرة في العالم العربي، بدأ حصار وحشي مع هجمات عسكرية.

ويتناول «حرب الرصاص المسكوب» عام 2008-2009، وشهادة الطبيبين النرويجيين مادس جيلبرت، وأريك فوس، عن قتل الأطفال. ويرى راجي الصوراني الناشط الحقوقي أن هدف قصف الرصاص المسكوب دفع الغزيين إلى مصر؛ غير أنهم ظلوا في منازلهم.

يشير إلى ملاحظة الصوراني، ومصادر موثوقة أخرى، أن ضبط النفس الذي يمارسه الصامدون يخفي برميل بارود يمكن أن يتفجر فجأة في أي وقت؛ كما حدث في الانتفاضة الأولى في غزة. تلكم نبوءة الـ7 من أكتوبر 2023.

مقالات

إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية الاستخباراتية: بين الدمج والتحديث في مواجهة الحوثيين

أفادت مصادر مطلعة أن القيادة اليمنية بصدد إصدار حزمة من القرارات الهامة خلال الأيام القادمة، تهدف إلى إعادة تشكيل عدد من المواقع القيادية في مؤسسات الدولة، في إطار توجهات إصلاحية ترمي إلى تعزيز الأداء المؤسسي وتحديث البنية الإدارية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.