مقالات

عام كامل من حرب الإبادة على غزة!

06/10/2024, 20:26:09

منذ السابع من أكتوبر 2023 يقوم الجيش الإسرائيلي مسنودًا بالقوة الأمريكية والبريطانية والتأييد الأوروبي بحرب إبادة شاملة على غزة. 

غزة التي لا تتجاوز مساحتها أكثر من 139 ميلاً مربعًا، وسكانها البالغون مليونين ونصف محاصرون لأكثر من سبعة عشر عامًا! تقوم الطائرات الإسرائيلية من الـ F16 والـ F35 بقصف جوي على مدار الساعة يوميًّا؛ فتهدم الأحياء والمساكن على رؤوس الساكنين، وتدمر المستشفيات والمدارس، وتردم آبار الشرب، وتقصف الكهرباء، وشبكة المياه، والصرف الصحي، ولا يستثني القصف الشامل والمتواصل سيارات الإسعاف، ولا مقرات المنظمات الدولية ومنها (الأنروا)، وتُطْبِق إسرائيل عليها الحصار برًّا وبحرًا وجوًّا، وتمنع دخول المواد الغذائية والأدوية ومياه الشرب والغاز. 

يتجاوز عدد القتلى واحدًا وأربعين ألف شهيد؛ غالبيتهم من النساء، والأطفال، أما الجرحى فأكثر من مئة ألف، والمدفونون تحت الأنقاض بالألوف!  

تجوس المدرعات والدبابات مدن وقرى غزة المدمرة، وتواصل قصفها، ويُرغَم السكان المهجرون -وهم زهاء المليون وسبعمئة ألف- على الانحشار في رقعة ضيقة في الموانئ الساحلية التي لا تتوافر فيها الخيام، ولا أي وسيلة من وسائل الحياة. 

يتكرر بشكل دوري، وعلى مدى العام، إجبار سكان المدن والقرى على ترك منازلهم؛ فيقصفون في الطرقات وأماكن النزوح؛ فلا منطقة آمنة في غزة؛ هذه هي الجملة الفاجعة التي ترددها كل وسائل الإعلام. الاحتلال الصهيوني الاستيطاني لفلسطين، وحروبه المستدامة، وعمليات التمييز العنصري والتطهير العرقي والإبادة التي يقوم بها، وإصراره على طرد الفلسطينيين من وطنهم؛ لإقامة دولة إسرائيل الكبرى من البحر إلى النهر- هو نهج دولة إسرائيل الصهيونية منذ مطلع القرن الماضي. 

عجز اليسار الصهيوني مؤسس الكيان عن تحقيق ذلك؛ وكان هذا من أسباب سقوطه، وبدأ صعود اليمين الصهيوني الديني والقومي منذ ثمانينات القرن الماضي، وكان نصيب فلسطين: الضفة الغربية، والقطاع وافرًا من هذه الحروب بعد أن أقلعت الأنظمة العربية القومية عن اللازمة التي ما فتأت ترددها (تحرير فلسطين). 

انحرفت القيادة الفلسطينية برئاسة الشهيد ياسر عرفات -تحت إغراءات وإغواءات أمريكا وبعض الدول الصديقة لأمريكا- بتوقيع «اتفاقيات مدريد وأوسلو»، وكانت البداية؛ لتصفية القضية الفلسطينية عن طريق شق الصف الفلسطيني بين منظمة التحرير الفلسطينية، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس). 

اجتاحت إسرائيل لبنان ثلاث مرات؛ وفي كل اجتياح مُنيَتْ بالفشل، وشنت الحرب على قطاع غزة، وضربت الحصار عليه منذ العام 2006؛ ومع ذلك عجز جيش الدفاع الإسرائيلي عن كسر إرادة المقاومة الفسلطينية، ولا تزال الحرب مسعرة ضد كل الفلسطينيين؛ ففلسطينيو الداخل مهمشون، ومنتقصو المواطنة، ويتعرضون للتمييز العرقي، أما فلسطينيو الضفة فأرضهم نهب للاستيطان ولقطعان المستوطنين، وللاجتياحات المتكررة.  

ظنت إدارة الحرب الإسرائيلية أنْ ليس أمامها سوى أسابيع للقضاء على حماس، واستعادة الأسرى؛ وقد انقضى العام، ولم يعد من الأسرى إلا بضعة أفراد؛ ولا تزال المقاومة مستمرة وثابتة على أرضها؛ رغم كل الخراب الذي طال مدن وقرى ومزارع غزة، وحرب الإبادة التي يقوم بها، ويشهدها العالم كل يوم، ووثقتها المحاكم الدولية.

عجز أطغى جيش نازي بما يمتلكه من مكنة عسكرية هي الأقوى في بلدان العالم الثالثة؛ مسنودًا بالقوة الأمريكية والبريطانية والفرنسية وأقمارهم الصناعية- عجز عن القضاء على بضعة آلاف من المقاومة الفلسطينية محاصرين ومجوعين مع شعبهم المحروب والمدمر والمهجر. تصاعدت الاحتجاجات داخل الكيان الإسرائيلي مطالبين بإعادة الأسرى؛ فهرب نتنياهو وقادة حربه إلى توسيع دائرة الحرب إلى لبنان، وضرب سوريا، واليمن، والتهديد بضرب إيران.

نتنياهو هو هترل إسرائيل، وما يقوم به في شعبين أعزلين في فلسطين، ولبنان أسوأ مما قام به هتلر وموسوليني. يهرب نتنياهو من الجريمة إلى الجريمة، ويقوم بتوسيع دائرة الحرب؛ لحشد التأييد الشعبي الداخلي، وتوحيد الجبهة الداخلية، وفرض المزيد من الدعم الأمريكي والأوروبي؛ إنه مجرم حرب مبتز بامتياز!

الاختراقات في لبنان، وقصة تفجير البيجرات، واغتيال هنية في إيران، واغتيال بعض القياديين في حزب الله وأمينه العام- أغرت نتنياهو وقادة الحرب باجتياح لبنان، ولكن المحاولات فاشلة حتى الآن. الفشل في اجتياح جنوب لبنان، واستمرار القصف المتبادل رغم عدم التكافؤ في القصف مؤشر الفشل في غزة ولبنان. 

يراهن اليمين الصهيوني على تفجير الأوضاع الداخلية ضد حزب الله، كما يراهن على الضغط الأمريكي والأوروبي والعربي على بعض زعماء الطوائف بأن يحققوا بالسياسة ما عجز هو عن تحقيقه بالحرب والإبادة والتدمير الشامل. نتنياهو مغامر إرهابي خطير، وهو بهذه الحروب المسعورة يدمر المنطقة، وقد يدمر الكيان الصهيوني القائم على الاحتلال الاستيطاني والتمييز العنصري والتطهير العرقي، ويفضح الإدارة الأمريكية- آلهة الحروب في العالم، وحلفاءها الأوربيين وأتباعهم حكام العرب. 

استطاعت إسرائيلي تدمير غزة بحرب إبادة؛ وهو ما تقوم به الآن في لبنان، وإذا فشلت في احتلال جنوب لبنان كما فشلت في الحروب السابقة، وكما فشلت في القضاء على حماس، وتهجير شعب فلسطين- فإن مصيرها الزوال، ولن يختلف عن مآل حُماتها الاستعماريين في القارات الثلاث. 

الكيان الصهيوني الاستيطاني آخر مستعمرة استيطانية على وجه الأرض، ولا يستطيع البقاء بدون تسعير الحروب، والدعم الأمريكي، أما مد الحرب إلى إيران فغير مضمون العواقب؛ وقد تكون حروب إسرائيل المتواصلة والممتدة مؤشر نهايتها. 

وهناك أسئلة: - هل تستطيع إسرائيل صياغة شرق أوسط جديد، وتحقيق الوهم التوراتي (إسرائيل الكبرى) المُتَبنَى من قبل الصهاينة والأمريكان؟ - وهل تبقى الأمة المنكوبة بحكامها في حالة الاستكانة؛ وهي تشاهد استباحة وتدمير شعبين شقيقين؟ - وفي حال ضرب إيران؛ ما موقف دول حليفة كروسيا والصين؟ - وهل لما تقوم به إسرائيل علاقة بصراع ما بعد القطب الواحد؟

مقالات

السعودية حين تريد خلع عباءتها

مهما بلغت السعودية من شأن وتطور وحداثة، ومهما حاولت أن تنسلخ عن ثوبها القديم، ستظل النظرة الغربية تلاحقها كظل لعنة أبدية: ابتزاز بالمال والمواقف.

مقالات

الحوثيون بين تهديد السعودية والإمارات واستهداف الكابلات البحرية

تلوّح مليشيا الحوثي مجددًا باستئناف الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة ضد السعودية، متهمةً الولايات المتحدة وإسرائيل بالتحضير لمرحلة تصعيد جديدة تستهدف التحالف العربي، وهو خطاب يعيد إنتاج سردية المظلومية التي توظفها المليشيا لتبرير تحركاتها العسكرية وللتغطية على التحول النوعي في أدواتها، إذ باتت تمثل امتدادًا مباشرًا للاستراتيجية الإيرانية في استهداف المصالح الخليجية والدولية عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب وبحر العرب والخليج العربي.

مقالات

قراءة في ضباب المشهد العالمي

لم يكن العالم في أي يوم أسوأ مما يبدو عليه اليوم من فوضى وارتباك وتضارب مصالح وضبابية رؤيا، فمن الحرب في أوكرانيا المزدوجة والمعقدة بين روسيا، من جهة، والغرب الأوروبي الأمريكي من جهةٍ أخرى، التي لا تبدو لها في الأفق نهاية، إلى نزاعات الشرق الأوسط بين إيران المصممة كما يبدو على امتلاك سلاحٍ نووي وإسرائيل المهووسة بحلم الدولة |(اليهودية) في واقعٍ لا يحتمل ذلك والطموحات الجامحة لتركيا، وإلى اليمن المنكوب والسودان المتشرذم وليبيا الغارقة في فوضى الميليشات والسلاح المنفلت، وحتى المغرب المضطرب، نرى مشهداً غير مسبوقٍ في التاريخ الإنساني وخارطةً عريضةً من المشكلات المركبة، المتداخلة، المزمنة والعصية على الحل في المدى المنظور.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.