مقالات

اليمن وفلسطين والنكبات

07/04/2024, 21:40:48

شهدت فلسطين النكبة الأولى في الـ 15 من آيار مايو 1948، واعتبُرت بحق نكبة الأمة العربية كلها.. أما النكبة الأولى في اليمن فكانت في الـ 13 من مارس 1948.

كانت النكبات الفلسطينية والعربية التي تواصلت في 1967، وما يجري حاليًا- من صنع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني المدعوم بالغرب الاستعماري، أما النكبات اليمنية في الحروب المتناسلة والمتواصلة منذ 1948 فمن صنع اليمنيين وجوارهم.

اعتبرت حركة 1948 أم الثورات اليمنية، ولكن ما أعقبها من طغيان وصراع وقمع ظل متواصلاً عقب كل حركة أو ثورة. تعيش فلسطين نكبة حرب إبادة تستهدف استئصال شعب فلسطين وإبادته بالتقتيل بأقوى قوة عسكرية حديثة، وبالتجويع والحصار، وإفناء كل مقومات الحياة والعيش؛ لإجباره على النجاة بحياته، وترك وطنه للمرة الثالثة، أما اليمانيون الأشاوس فهم صناع كوارث وطنهم بأيدي قادتهم، ويستنجدون بالقوى الأجنبية.

نكبة 1948 يمنية، ودخلت السعودية على الخط. حروب السنوات السبع، وحصار السبعين يومًا في صنعاء، وإن كانت في اليمن وعليها، إلا أن الحضور الرجعي العربي الاستعماري كان فاعلاً وقويًا، ولكن الأداة اليمنية أساس.

تواصلت الصراعات الكالحة في الشمال والجنوب بين الشطرين، وداخل كل شطر. قبل أحداث أغسطس 1968 في الشمال كان التنافس الحربي بين حركة القوميين العرب، ومنظمة البعث في المثلث: صنعاء، تعز، الحديدة، وتحديدًا في الشوارع الرئيسية في هذه المدن ومقاهيها ومنتدياتها وأماكن العمل ومقايل القات- بارزًا، ولكن المتنافسين السياسيين (القوى الجديدة) ذات الامتداد في الجيش والأمن والوظيفة العامة والمدارس لم يكونوا يدركون أن حضور وفاعلية وتأثير القوى التقليدية هو الأقوى والمؤثر.

أما كارثة الـ 13 من يناير 1986 في عدن فكانت نتيجة صراع مدمر داخل حزب واحد. اليمن المعاصر يبدأ الخلاف سياسيًا وحول وطنية وقومية وأممية أيضًا، وسرعان ما يتحول إلى العنف بسبب غياب الأفق السياسي الديمقراطي، والانتماءات المتخلفة، وحضور الثوري القومي.

أيام الكارثة في فلسطين استيطانية وعنصرية ممتدة من 1948 وحتى اليوم، أما الكوارث في اليمن فمد وجزر.  فحركة 1948 الدستورية سرعان ما تعقبها كارثة اجتياح القبائل لصنعاء وإسقاطها. في اليمن الثورة والثورة المضادة توأم يخرج من رحم واحدة، وفي اللحظة يتداخلان حد الامتزاج، ويتبادلان الأخطاء، وقد يصعب التفريق بينهما في لحظة ما. 

في فلسطين الكارثة آتية من مخطط دولي ضاغط وقوي ينخر في جسم هش وضعيف، وفي محيط عربي منقسم ومتصارع. أما في اليمن فإن عوامل الكارثة (الاحتراب) تصغها أيدٍ يمنية، وتسير فيها غالبًا بوعي وبدون وعي أيضًا، ولا تفيق ولا تدرك إلا بعد فوات الأوان. 

سردية الكارثة في فلسطين ومنذ 75 عامًا صناعة استعمارية أوربية وأمريكية، وما يجري الآن من حرب إبادة وتدمير وطن مفروض على مواطني فلسطين: مسلمين، أو يهود أو مسيحيين- يقوم بها صهاينة وافدون من أقطار وأمم وشعوب شتى، والمواطن الفلسطيني ضحية كارثة صنعها الصهاينة والاستعمار الأوروبي والبريطاني، وحاليًا الأمريكي. 

يقاوم الشعب الفلسطيني الكارثة الممتدة والمتطاولة لـ 75 عامًا بينما الكارثة اليمنية هي الحرب التي فرضتها قوى الطغيان، والحروب الأهلية المتناسلة والمستدامة. يتمتع الشعبان: اليمني، والفلسطيني بالصبر والجلد، والاستجابة للجديد، والقدرة على المقاومة، وربما كانت الانقسامات والخلافات الداخلية داءً وبيلاً. 

لمدة ستة أشهر يتواصل القصف الإسرائيلي الجوي والبحري والبري ومن جيش هو أقوى جيش في المنطقة مسنودًا من أمريكا وبريطانيا، ويدمر المدن والقرى والأحياء، ويقتل أكثر من ثلاثة وثلاثين ألفًا، مع آلاف الجرحى، ويفرض التجويع حد التمويت، ومع ذلك يعجز الكيان الصهيوني عن إنجاز الأهداف المعلنة: تدمير قوة حماس، واستعادة الأسرى بالحرب، واحتلال غزة. التبدل داخل إسرائيل، والضغط المتصاعد، وتراجع التأييد المطلق في البلدان الأوروبية، والتغير النسبي في خطاب الإدارة الأمريكية- مرده إلى الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني، ومقاومته. 

لا شك أن للمظاهرات المتزايدة في الدول المساندة للعدوان دخلاً  في التبدل الحاصل، وإن كانت لا تزال في حدود معينة، ولكنها احتجاجات يُراهن عليها، ومرشحة للتوسع. حققت اليمن إنجازات وطنية وقومية عظيمة في الثورتين: سبتمبر 1962، وأكتوبر 1963، وفي تحقيق الوحدة اليمنية في الـ 22 من مايو 1990، ولكن كارثة 1994 قضت على منجز الثورة اليمنية والاستقلال، وفتحت الباب واسعًا أمام الثورات المضادة، والارتداد للماضي. 

ثورة الربيع في اليمن كانت ردًا على حرب 1994، وحروب صعدة الستة. هذه الحروب التي جرى واديها بالكوارث التي لم تتوقف منذ حرب 1994 ضدًا على الجنوب، واتسعت إلى مناطق عديدة، وتوجت بانقلاب الـ 21 من سبتمبر 2014، وبعدوان التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات. الحرب في اليمن وعليها هي الكارثة الحقيقية المتواصلة في العصر الحديث، وتمتد جذورها إلى تاريخ اليمن الضارب في القدم. 

حرب السنوات التسع وما قبلها دمرت إمكانات اليمن وقدراتها، وفرضت عليها الحصار البري، والبحري، والجوي، وفرض المتقاتلون على بلدهم الحصار الداخلي، وحولت الحرب اليمن إلى كيانات متصارعة، ووضعتها تحت الفصل السابع. لم يكن وضع اليمن بأحسن حالاً من وضع شقيقاتها في محور المقاومة: العراق، وسوريا، ولبنان. 

تتصدى دول المقاومة للعدوان على غزة متضامنةً مع شقيقتها فلسطين، ولكنها مخذولة بأوضاعها الداخلية، وصراعاتها المختلفة. تبنت الثورات القومية في مصر وسوريا والعراق قضية الدفاع عن فلسطين، وبالغت في إعطاء الأولوية للقومي على حساب الأوضاع الداخلية: السياسية، الاقتصادية، والعسكرية، والثقافية.

هزيمة 1967 كشفت خلل الموقف، ومدى خطورة الاستهانة بالحرية والديمقراطية، وانتقاص الإرادة الشعبية أو تغييبها. في الراهن يقف محور المقاومة إلى جانب شعب فلسطين، والحرب الاستعمارية ضد غزة كمساندة، وليس كمحور شأن إيران. 

ربما كان الموقف اليمني -لارتباطه بباب المندب- شديد الأهمية، ولكن الخلل الأكبر في اليمن الانقسامات الداخلية المرتبطة بالجهوية القبلية، ودعاوى ما قبل الوطنية والدولة. نصرة شعب فلسطين واجب وطني وقومي وإسلامي وإنساني، ولكن واجب نصرة فلسطين هي نفسها التي تحتم عليك نصرة شعبك. 

لا تزال الأيدي اليمنية على الزناد، ولا تزال القرية تحاصر القرية، والمدينة تحاصر المدينة، إلى جانب الحصار الخارجي المفروض. اليمنيون وسط المجاعة يعانون غياب التطبيب والتعليم والأمن والسلام. 

الموقف القومي عظيم، ومناصرة فلسطين، وفك الحصار عن غزة يقتضى ويوجب السعي لفك تلك الحصارات الداخلية بين مختلف مليشيات أطراف الصراع في اليمن، وتبادل الأسرى (الكل مقابل الكل)، وإطلاق سراح المعتقلين والمختفين قسريًا، وتحقيق المصالحة الوطنية والمجتمعية، والقبول بيمن ديمقراطي موحد يتشارك في بنائه كل أبنائه متمتعين بالحرية والاختيار، وبالأخص الأخوة في الجنوب الذين تعرضوا لحرب إجرامية هي أم الحروب اليمنية كلها، وجذر وأساس لكل ما وصلنا إليه اليوم. 

مؤشرات وبشائر انكسار العدوان الصهيوني الأمريكي البريطاني على غزة ظاهرة، ولن يكون انتصارًا لغزة وفلسطين فحسب، وإنما انتصار للإرادة العربية كلها؛ وهو ما يوجب تحقيق مصالحة عربية عربية، وداخل كل قطر على حدة. فالتدمير الذي طال الأمة منذ 1948، و1967، وحتى حرب الـ 7 من أكتوبر 2023، وتدمير العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، والسودان كلها ليست بعيدة عن المكائد الصهيونية والأمريكية، والرهان الخائب على حمايتها أو ديمقراطيتها واحترامها لحرية وحقوق الإنسان أكبر كذبة تدحضها الحرب على غزة وتفضحها.

مقالات

السعودية حين تريد خلع عباءتها

مهما بلغت السعودية من شأن وتطور وحداثة، ومهما حاولت أن تنسلخ عن ثوبها القديم، ستظل النظرة الغربية تلاحقها كظل لعنة أبدية: ابتزاز بالمال والمواقف.

مقالات

الحوثيون بين تهديد السعودية والإمارات واستهداف الكابلات البحرية

تلوّح مليشيا الحوثي مجددًا باستئناف الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة ضد السعودية، متهمةً الولايات المتحدة وإسرائيل بالتحضير لمرحلة تصعيد جديدة تستهدف التحالف العربي، وهو خطاب يعيد إنتاج سردية المظلومية التي توظفها المليشيا لتبرير تحركاتها العسكرية وللتغطية على التحول النوعي في أدواتها، إذ باتت تمثل امتدادًا مباشرًا للاستراتيجية الإيرانية في استهداف المصالح الخليجية والدولية عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب وبحر العرب والخليج العربي.

مقالات

قراءة في ضباب المشهد العالمي

لم يكن العالم في أي يوم أسوأ مما يبدو عليه اليوم من فوضى وارتباك وتضارب مصالح وضبابية رؤيا، فمن الحرب في أوكرانيا المزدوجة والمعقدة بين روسيا، من جهة، والغرب الأوروبي الأمريكي من جهةٍ أخرى، التي لا تبدو لها في الأفق نهاية، إلى نزاعات الشرق الأوسط بين إيران المصممة كما يبدو على امتلاك سلاحٍ نووي وإسرائيل المهووسة بحلم الدولة |(اليهودية) في واقعٍ لا يحتمل ذلك والطموحات الجامحة لتركيا، وإلى اليمن المنكوب والسودان المتشرذم وليبيا الغارقة في فوضى الميليشات والسلاح المنفلت، وحتى المغرب المضطرب، نرى مشهداً غير مسبوقٍ في التاريخ الإنساني وخارطةً عريضةً من المشكلات المركبة، المتداخلة، المزمنة والعصية على الحل في المدى المنظور.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.