مقالات

المجلس الرئاسي اليمني: مسار بلا أفق، وثلاث سنوات من التعثر والانقسام

07/04/2025, 12:34:37

قراءة تحليلية في الذكرى الثالثة للقرار الذي غيّر معادلة السلطة في اليمن، وتداعياته على بنية الدولة، ومسار الصراع مع الحوثيين، ومستقبل السيادة الوطنية.

في السابع من أبريل 2022، أعلنت رئاسة الجمهورية اليمنية، من العاصمة السعودية الرياض، قرارًا بنقل السلطة من الرئيس عبدربه منصور هادي إلى مجلس قيادة رئاسي يتكوّن من ثمانية أعضاء، في خطوة وُصفت حينها بأنها بداية لمرحلة جديدة نحو استعادة الدولة وتحقيق السلام. إلا أن مجريات الأحداث اللاحقة، خلال السنوات الثلاث التي تلت ذلك الإعلان، أظهرت أن القرار لم يكن كافيًا لتوحيد الصف الوطني، أو تحسين الوضع السياسي والعسكري، بل أفرز تعقيدات جديدة، وأسهم في إعادة إنتاج الأزمة بصيغة مختلفة.

- تحوّل في الشكل.. استمرار في الأزمة

لم يأتِ تشكيل المجلس الرئاسي عبر مسار سياسي داخلي توافقي أو عبر إجراءات دستورية، بل تم الترتيب له ضمن إطار إقليمي رعتْه المملكة العربية السعودية، في لحظة سياسية حساسة كانت تتطلب مراجعة حقيقية لمسار الحرب وتحديات المرحلة. غير أن هيكل المجلس، المكوَّن من شخصيات تمثل توجهات متباينة، بعضها متصارع على الأرض، أفرز حالة من التباين في القرار السيادي، وشكّل عائقًا أمام بلورة رؤية وطنية موحّدة لإدارة المرحلة الانتقالية.

وفي ظل غياب الانسجام بين مكونات المجلس، واستمرار النفوذ الإقليمي الفاعل في توجيه القرار، برزت حالة من العجز المؤسساتي، تجلت في تعثر ملفات الإصلاح الاقتصادي، وتآكل مؤسسات الدولة، وغياب إستراتيجية واضحة لاستعادة العاصمة صنعاء أو توحيد الجهود ضد المليشيات الحوثية.

- الانقلاب الحوثي: الجذر الأساسي للصراع

رغم أن كثيرًا من التحليلات انشغلت بنتائج قرار نقل السلطة، إلا أن الأصل في الأزمة اليمنية يظل مرتبطًا بالانقلاب الذي نفذته جماعة الحوثي على الدولة ومؤسساتها في سبتمبر 2014. ذلك الانقلاب أدخل اليمن في نفق صراع طويل، وأسّس لمرحلة من الانقسام الجغرافي والمؤسسي، وسحب البلاد إلى ساحة تنازع إقليمي ودولي.

وقد أدّى هذا الانقلاب إلى انهيار المنظومة السياسية، وتعطيل الحياة النيابية، وسقوط العاصمة في قبضة جماعة مسلحة تابعة لمشروع خارجي، ما مهّد لتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، وساهم في تعقيد المشهد الداخلي، بعد أن باتت القوى المحلية موزّعة الولاءات بين أطراف إقليمية متباينة الرؤية والأهداف.

 - انعكاسات القرار على الواقع اليمني

لم ينعكس قرار تنحية الرئيس هادي وتشكيل المجلس الرئاسي إيجابيًا على مسار المعركة ضد الحوثيين، بل أسهم في خلق مشهد سياسي مشوش، تُدار فيه المعركة دون مركزية قيادية فاعلة. وتزامن ذلك مع تراجع في الأداء الاقتصادي، وتوسع لنفوذ القوى المحلية المدعومة إقليميًا، بما عزّز الانقسام الجغرافي، ورسّخ حالة من التبعية، وأضعف قدرة الدولة على حماية مصالحها الوطنية.

كما أوجد هذا الواقع بيئة خصبة لتدخل أطراف دولية وإقليمية جديدة في الملف اليمني، بوصفه ساحة مفتوحة للصراع الجيوسياسي، لا كدولة ذات سيادة تسعى لإعادة بناء مؤسساتها على أساس مشروع وطني جامع.

 - ضرورة المراجعة وإعادة التوازن

بعد مرور ثلاث سنوات على هذا التحوّل السياسي، تبرز الحاجة إلى مراجعة شاملة للمسار القائم، وإعادة الاعتبار لمبدأ الشراكة الوطنية، بعيدًا عن الاصطفافات الإقليمية التي أضعفت القرار اليمني. إن أي مشروع وطني حقيقي يجب أن يُبنى على أسس سيادية مستقلة، تعيد توحيد الصف، وتؤسس لمرحلة انتقالية أكثر رسوخًا، تنطلق من مواجهة الجذر الحقيقي للأزمة المتمثل في الانقلاب الحوثي، لا من إدارة نتائج الصراع فقط.

وفي ضوء هذا الواقع، فإن مستقبل اليمن سيظل مرهونًا بمدى قدرة اليمنيين على استعادة قرارهم الوطني، وبناء قيادة شرعية تستند إلى التوافق الداخلي، وتتجاوز مرحلة التبعية والإقصاء، نحو مشروع جامع يتسع للجميع، ويعبّر عن مصالح اليمنيين لا حسابات الخارج.

إلا أن استمرار غياب التوافق الوطني الحقيقي، وعدم الالتفاف حول مشروع جامع يستعيد الدولة ويعزز السيادة الوطنية، قد يؤدي إلى ترسيخ وتفاقم الانقسام الجيوسياسي القائم، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات غير محمودة. فقد نجد في المستقبل أن هذا الانقسام قد يتطور إلى تشظي اليمن بشكل أكبر، مما يعرض بعض مناطقه لفقدان السيادة والإستقلالية.

 في ظل هذا الواقع، قد تشهد بعض الأجزاء انضمامًا طوعيًا أو قسرًا إلى دول الجوار الإقليمي، بينما قد يخضع البعض الآخر لتبعية طويلة الأمد لقوى إقليمية ودولية عبر اتفاقات قد تُفقد هذه الأجزاء سيادتها واستقلالها لعقود قادمة، في مشهد يهدد بتغييرات عميقة في هوية البلاد ومستقبلها.

مقالات

الاستقرار غير ممكن لليمن!

عندما نضع اليمن في مقارنة تاريخية مع دول الإقليم والعالم، نكتشف حقيقة واحدة: أن هذه البلاد التي كان يُقال عنها إنها السعيدة، أو "اليمن السعيد"، وارتبط هذا الاسم بهذا الركن من جزيرة العرب، إنما كان حلمًا من أحلام التاريخ، وأحلام اليمنيين، وأشبه ما تكون بأحلام اليقظة التي ظلت تسافر لزمن طويل في كتب المؤرخين والرحالة وكتب الجغرافيا والتاريخ.

مقالات

التحالف القبلي–السلالي: البنية التاريخية لدوام الاستبداد

يُشكّل التاريخ السياسي لليمن مثالاً فريداً على تفاعل الدين بالقبيلة في بناء السلطة وتوارثها. فمنذ أن دخل الإمام الهادي يحيى بن الحسين إلى صعدة أواخر القرن الثالث الهجري، نشأت نواة نظام سياسي ديني استند إلى نظرية “البطنين” التي حصرت الحق في الحكم في سلالة بعينها من نسل الحسن والحسين، واعتبرت الإمامة وظيفة إلهية لا يحق لغيرهم تولّيها.

مقالات

إيران وغزة.. نهاية أم بداية نهاية

سواءْ اتفقنا أو اختلفنا مع ما جرى طوال ساعات يوم أمس الأثنين الـ 13 من شهر أكتوبر/ تشرين أول الجاري، من تبادلٍ للأسرى والمحتجزين بين إسرائيل وحركة حماس، وسط مشاهد مؤلمة ومؤثرة، فإن ما حدث يعني نقطة تحولٍ بالغة الأهمية، رغم كل الصعوبات التي اعترضت سبيل الوصول ألىهذه النتيجة، بل والثمن الباهظ الذي دفعه سكان قطاع غزة وشعوب المنطقة كافة.

مقالات

الانتقالي والتطبيع.. مسار يعيد إنتاج الارتهان وينسف شرعية 14 أكتوبر

منذ انطلاقتها في 14 أكتوبر 1963، رفعت الثورة اليمنية في الجنوب هدفا استراتيجيا واضحا تمثل في انتهاج سياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، انسجاما مع روح حركات التحرر الوطني التي سعت إلى بناء دول مستقلة القرار، بعيدة عن الاستقطابات الحادة بين المعسكرين الرأسمالي الغربي والشيوعي الشرقي.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.