مقالات
الاستقرار غير ممكن لليمن!
عندما نضع اليمن في مقارنة تاريخية مع دول الإقليم والعالم، نكتشف حقيقة واحدة: أن هذه البلاد التي كان يُقال عنها إنها السعيدة، أو "اليمن السعيد"، وارتبط هذا الاسم بهذا الركن من جزيرة العرب، إنما كان حلمًا من أحلام التاريخ، وأحلام اليمنيين، وأشبه ما تكون بأحلام اليقظة التي ظلت تسافر لزمن طويل في كتب المؤرخين والرحالة وكتب الجغرافيا والتاريخ.
اليمن لم يكن سعيدًا يومًا، والدليل على ذلك تتابع الدول التي قامت على أرضه منذ فجر التاريخ، حتى إنه استوعب أكثر من دولة ومملكة قامت على أرضه في زمن واحد، ولم تستطع أن تقوم دولة واحدة على كافة الجغرافيا اليمنية إلا في عهد الملك شمر يهرعش، كصدفة تاريخية لم تتكرر.
وكانت اليمن محطة استعمارية لكل قوة جديدة نشأت، منذ احتلال الأحباش ثم الفرس، بل كانت اليمن بمثابة التجربة الأولى التي يتعلم من خلالها المستعمرون الناشئون والجدد "ألف باء" الاستعمار والاستغلال، وتقسيم اليمن إلى دويلات ضعيفة لا حول لها ولا قوة.
وهنا نود أن نقفز إلى بداية القرن الواحد والعشرين للحظة واحدة، حيث أصبحت اليمن مطمعًا وجاذبًا للمستعمرين الجدد، والعجيب أنهم من الأعراب الذين قامت دويلاتهم في السنوات الأخيرة بسبب طفرة النفط التي طرأت عليهم، فبدأوا يتعلمون أبجديات الاستعمار على الأرض اليمنية.
هاتان الدولتان الطارئتان على التاريخ هما الإمارات والسعودية، مع الوصاية والاستعمار الفارسي القديم الجديد والمتجدد بأبشع الصور، وتحويل اليمن إلى ساحة لتصفية حسابات الصفويين مع العالم الغربي والعربي. حيث تحولتا إلى وحوش استعمارية بفضل أموال النفط ومباركة الدول الغربية الاستعمارية الكبرى لهما...
فخلال العشر السنوات، قامتا بأكبر دور قذر لا يمكن أن يتخيله أبشع المستعمرين القدماء، من خلال تفكيك وتفتيت اليمن، بفضل عملاء الداخل من اليمنيين الذين لا ينفكون من التناسل والتتابع، وكل مرتزقة يتفوقون على من سبقهم.
بعد الإسلام، لم تستقر اليمن أبدًا، فما أسرع ما تحولت إلى دويلات تتناحر وتتقاتل من أجل الضم والإلحاق والسيطرة وقتل اليمنيين، وليس من أجل وحدة الأرض والإنسان. حتى الأمجاد التي تحققت لبعض الدويلات ما زالت تُنسب إلى تلك الشخصيات التي قادت تلك الدويلات، قبل أن يعتورها الضعف والاندثار.
ففي بطون كتب التاريخ، هناك إنجازات للدولة الرسولية، وإنجازات للدولة الصليحية، وإنجازات للدولة الطاهرية. وكانت تقوم دولتان وثلاث في فترات تاريخية واحدة أو متقاربة، بشكل يثير الكثير من التساؤلات الفلسفية حول هذا التاريخ اللعين في اليمن.
ولذلك يصعب على كثير من المؤرخين الإلمام بتاريخ مستقر في اليمن، وأقصد الجغرافيا اليمنية كاملة، قبل أن يتم قضمها وسرقتها وبيعها في عقود متتابعة من السنوات المظلمة من التاريخ اليمني. وما زالت الجغرافيا اليمنية عرضة للضم والإلحاق والقضم من كثير من دول الجوار، والحبل على الجرار، في ظل انقسامات وكانتونات تظهر على المسرح السياسي تباعًا بشكل مستفز.
وخلال مئات السنوات، ظلت اليمن متشظية في ظل غزوات عثمانية لا أول لها ولا آخر، حتى جاء النظام الإمامي اللعين، فجثم على صدر الجغرافيا اليمنية، ومنح الاستعمار البريطاني ما يقارب مئتي عام من الاستعمار للجنوب اليمني من أجل المحافظة على حكمهم للشمال إلى الأبد. ولكن هيهات، هيهات، مع تحولات التاريخ وقيام الثورات في أكثر البلاد العربية التي ظلت تحت نير المستعمرين لمئات السنوات.
وها هي اليمن ما زالت أسيرة الماضي المتشظي والمستعمرين الجدد، ويُعاد تفتيتها وكنتنتها، وتحويلها إلى مدن ودويلات وأقاليم وأجزاء من الأقاليم، وصناعة تجار حروب من المليشيات والمرتزقة، بصرف النظر عن الدول التي صنعتهم.
وكما بدأنا بالقول، بغياب أي قوة وطنية لتوحيد اليمن، ها نحن نشاهد التفتيت والتقسيم لا يتوقف، وكل فترة نكتشف الجديد والجديد من الانقسامات، والجيوش المحلية والمناطقية والفئوية، بسبب دويلات قامت على روائح النفط والمؤامرات والعبودية للمستعمرين الأوائل.
ولذلك نخلص إلى أن اليمن لن يستقر إلا تحت ظل الجغرافيا اليمنية كلها والتاريخ اليمني كله، وهذا ضرب من ضروب الأحلام اليمنية الطيبة، والتي على نياتها...
وما يحدث اليوم في المخا وصنعاء وتعز وشبوة وعدن والضالع وحضرموت، وقريبًا أبين ويافع، ويومًا في تهامة، ما هو إلا مرآة تاريخية للماضي والحاضر والمستقبل اليمني البائس.
فماذا يسعنا أن نقول؟
كان الله في العون.