مقالات

الاقتصاد اليمني بين وهم الانتعاش وحقيقة الانهيار

07/08/2025, 06:31:59

في الأسبوع الأخير من يوليو 2025، شهدت أسواق الصرف في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا حدثًا لافتًا. 

تراجع سعر الدولار الأمريكي بشكل مفاجئ بنسبة تزيد عن 30%، حيث هبط من حوالي 2900 ريال إلى ما يقارب 1600 ريال في بعض التعاملات. 

هذا الانخفاض أثار موجة من التفاؤل الحذر، لكن سرعان ما بدأت التساؤلات حول حقيقة هذا التحسن ومدى استدامته. 

فهل يعكس هذا التراجع بوادر انتعاش اقتصادي حقيقي، أم أنه مجرد ومضة عابرة في مسار أزمة أعمق؟

لم يكن هذا التحسن نتيجة وديعة مالية خارجية كما روّجت بعض المنصات، إذ لم يصدر أي إعلان رسمي يؤكد دخول أموال جديدة إلى البنك المركزي في عدن. 

بدلاً من ذلك، جاء هذا التغيير مدفوعًا بتدخلات نقدية داخلية وحملات صارمة استهدفت شركات الصرافة والتجار.

تم تشديد الرقابة على الأسواق، وأُجبرت بعض الجهات على خفض الأسعار بشكل مباشر. 

لكن التاريخ الاقتصادي اليمني يحمل في طياته دروسًا كافية للحذر من الاحتفاء المبكر بهذا النوع من التحسن.

فمنذ عام 2012، اعتمدت الحكومة مرارًا على حلول مماثلة: ضخ عملات أجنبية في السوق عند توفرها، أو فرض إجراءات أمنية لضبط الأسعار، أو مكافحة المضاربة بالعملة. 

وفي كل مرة، كانت النتيجة واحدة: تحسن سريع يتلاشى خلال أسابيع أو أشهر، تاركًا الريال اليمني عرضة لتقلبات جديدة.

المشكلة ليست في سعر الصرف بحد ذاته، بل في البنية الهشة للاقتصاد اليمني. 

يعتمد اليمن بشكل شبه كامل على استيراد الغذاء والوقود، مما يجعله رهينة لتقلبات الأسواق العالمية. 

القطاعات الإنتاجية، سواء الزراعية أو الصناعية، تعاني من ضعف مزمن، ولا تشكل قاعدة صلبة للنمو. 

النظام الضريبي، الذي يفترض أن يوفر موارد داخلية مستدامة، يعجز عن تحقيق ذلك بسبب الفساد وسوء الإدارة. 

وفوق كل ذلك، يعاني الاقتصاد من انقسام مرير بين سلطتين نقديتين في عدن وصنعاء، مما يجعل أي سياسة نقدية موحدة أمرًا شبه مستحيل.

الريال اليمني، في حقيقته، ليس مجرد عملة، بل أداة سياسية. 

قرارات البنك المركزي غالبًا ما تُتخذ تحت ضغوط سياسية، مع تغييرات متكررة في قيادته وقرارات ارتجالية تفتقر إلى رؤية طويلة الأمد. 

هذا التسييس يجعل أي محاولة لتثبيت العملة هشة، كما لو كانت بناءً على رمال متحركة.

وفي خضم هذا الواقع، تعاني البيئة الاستثمارية من تحديات هائلة. 

غياب الضمانات القانونية، تعدد مراكز النفوذ، والجبايات غير النظامية، إلى جانب تدهور البنية التحتية والخدمات الأساسية، كلها عوامل تجعل الاستثمار في الداخل مغامرة محفوفة بالمخاطر. 

في ظل هذه الأوضاع، لم يعد رأس المال الوطني يجد ملاذًا آمنًا داخل البلاد. 

المخاطر السياسية، وغياب القضاء المستقل، وانعدام الثقة بالمؤسسات الرسمية، دفع كثيرًا من رجال الأعمال والمستثمرين اليمنيين إلى تحويل أموالهم إلى الخارج أو استثمارها في اقتصادات أكثر استقرارًا في الإقليم. 

هذا النزيف المستمر لا يقتصر ضرره على تقليص فرص النمو والتوظيف، بل يُفرغ أي دعم خارجي من جدواه، إذ يظل الاقتصاد معتمدًا على تدفقات مؤقتة لا يمكن ضمان استمراريتها.

لكي يتحقق انتعاش اقتصادي حقيقي، يحتاج اليمن إلى أكثر من مجرد تدخلات ظرفية.

إعادة هيكلة البنك المركزي بإدارة مستقلة وشفافة، وتطوير نظام ضريبي عادل، وإحياء القطاعات الإنتاجية لتقليل الاعتماد على الاستيراد، كلها خطوات ضرورية. 

لكن قبل كل ذلك، يبقى الاستقرار السياسي الشرط الأساسي لأي إصلاح. 

بدون هذه الخطوات، سيظل الاقتصاد اليمني عالقًا في دوامة من التحسن الزائف والانهيار المتكرر.

التحسن الأخير في سعر الريال، مهما بدا واعدًا، ليس إلا هدنة قصيرة في مسار أزمة طويلة. 

الاقتصاد لا ينتعش بحملات قسرية أو ضخ مؤقت للدولار، بل ببناء قاعدة إنتاجية صلبة ومؤسسات قادرة على الصمود. 

وما لم يتحقق ذلك، سيبقى الأمل بانتعاش حقيقي مجرد وهم يتلاشى مع كل موجة جديدة من التقلبات.

مقالات

إيران وإعادة هندسة العقل الأمني

تُشير تطورات داخلية متسارعة في طهران إلى تحرك محتمل لإحداث تغيير نوعي في أحد المفاصل الحساسة للدولة الإيرانية، عبر الإعلان من وكالات إيرانية عن تعيين علي لاريجاني أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للأمن القومي، خلفًا للجنرال علي أكبر أحمديان المحسوب على الحرس الثوري. هذا التوجّه لا يعكس مجرد تعديل إداري، بل يدل على محاولة إعادة هندسة التفكير الأمني في النظام الإيراني، في ضوء تصاعد الضربات الخارجية وتزايد التحديات الداخلية والإقليمية.

مقالات

تأملاتٌ في تبلُّد العين وخيانة الذاكرة

عجيبةٌ هي أطوار الحياة، وغريبْ ما يعانيه الإنسان فيها من حروبٍ وأزماتٍ من كل نوع، لها نتائجها الخطيرة وأثارها السلبية عليه، الظاهر منها والخفيُّ على حدٍ سواء، أغلبها من صنع الإنسان نفسه، وهناك ما هو تحديات جديدة في العالم يفرضها التقدم العلمي والتكنولوجي الجامح الذي يكاد يلغي العقل البشري ويتحكم في مصير الإنسان ومستقبل الإنسانية.

مقالات

أزمة الصرف أم أزمة السلطة؟

ليست أزمة العملة في اليمن مجرد نتيجة لتدهور اقتصادي محض، إنّها انعكاس لأزمة مجلس القيادة وتفكك النظام المالي والإداري، وتحوّل السياسة إلى سلسلة من المناورات التي تعالج الانهيار كأنه مسألة علاقات عامة، لا معركة سيادية على موارد الدولة. وقبل ذلك كله، نتيجة لغياب أولوية إزالة التهديد الحوثي.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.