مقالات
اعتقال المحامي عبد المجيد صبرة وتداعيات الحرب
قبل يومٍ من احتفال شعبنا بالعيد الوطني الثالث والستين لثورة سبتمبر المجيدة، أقدمت السلطة في صنعاء على موجة اعتقالات طالت الكثيرين، ومنهم المحامي عبد المجيد صبرة؛ حيث هجم رجال الأمن على مكتبه، وصادروا بعض المقتنيات الخاصة به، واقتيد إلى جهة مجهولة.
المحامي القدير والذائع الصيت عبد المجيد صبرة من أبرز وأهم المدافعين والمحامين عن المعتقلين السياسيين، والكوادر المدنية السياسية والنقابية، ودافع عن الصحفيين، وتعرّض للمضايقات، وحتى المنع من المرافعات.
كما تعرّض للتهديد والابتزاز أكثر من مرة، ودافع متطوعًا عن العشرات من معتقلي الأحزاب السياسية؛ خصوصًا بعد اعتقالات انقلاب علي عبد الله صالح السابق وأنصار الله في 21 سبتمبر 2014، وكان الذين حُكم عليهم بالإعدام من الصحفيين بالعشرات، وظل المحامي عبد المجيد يدافع عن كل المعتقلين من ضحايا القمع والاضطهاد، من الناشطين والناشطات، والعاملين والعاملات في منظمات المجتمع المدني، وهم بالعشرات أيضًا، وعلى مدى سنوات.
ظل عبد المجيد المفرد العَلَم في الدفاع عن هؤلاء، وما أكثرهم! وأتذكر موقفه، حيث كنت أنا والزميل أحمد الحاج، مراسل (الأسوشيتد برس)، حاضرين، عندما صاح قاضي المحكمة في جموع المعتقلين: "اسكتوا يا خونة!".
فقال له عبد المجيد: "إذا كان هذا رأيك فيهم؛ فلا يجوز أن تنظر في قضيتهم؛ لأن لك رأيًا مسبقًا عنهم"، فأمر القاضي بإخراجه، ومنع لفترة من الترافع.
نذر المحامي صبرة نفسه للدفاع عن المظلومين، وضحايا الاستبداد والقمع، ومنافحًا عن الحريات وحقوق الإنسان. ومحامٍ كهذا يجب أن يكون جزاؤه التكريم، وأن يتبوأ مكانة رفيعة؛ تقديرًا لائقًا لجهوده في دفاعه عن العدالة والحرية واحترام حقوق الإنسان، ولكن الفساد المستشري، والاستبداد الطاغي لا يحترمان الحرية، ولا يقدسان العدالة.
تتعرض اليمن لعدوان غاشم، وحرب ضروس من قبل «الرباعية الدولية». ومنذ حرب الإبادة الإسرائيلية ضد غزة، وانكفاء محور المقاومة، يتفرد أنصار الله الحوثيون بالوقوف إلى جانب إخوانهم الفلسطينيين، ويقاومون مرور السفن الذاهبة إلى إسرائيل، ويرسلون المسيرات والصواريخ إلى دولة العدو، وتقوم الدولة الصهيونية بالقصف على الأحياء المدنية والبنية التحتية، وتقتيل الصحفيين في مقر عملهم، وتدمير الآثار، وتقتيل العشرات والمئات من المواطنين اليمنيين، وإصابة المتحف الوطني بصنعاء، وقصف ميناء الحديدة أكثر من مرة.
وبدلًا من تمتين الوحدة الوطنية، وتعافي الجسم اليمني، وتضميد الجراح والتصالح مع الشعب، والتخلي عن نهج القمع والمصادرة، والكف عن خطاب التمييز والاستعلاء والكراهية، تعمد ميليشيات أنصار الله وأمنهم إلى اعتقال العشرات، والمزيد من توتير الأجواء، ومضاعفة الاضطهاد والترويع.
منذ بضعة أيام، تجري اعتقالات كيفية، ويطال الاختطاف والاعتقال أدباء ومحامين: أوراس الإرياني، عبد المجيد صبرة، وسياسيين: الدكتور عايض الصايدي، وناشطين: ماجد زايد، ومحمد محمد صالح اليناعي، والمحامية أنيسة عبد الله الطويل، وعبد الحكيم صالح حرمل، والأستاذ نجيب النصيف، وعشرات آخرين.
نكبة 1948 كان من أسبابها أن الدول العربية السبع التي تصدت للحرب ضد إسرائيل كانت مستعمرة بريطانية وفرنسية؛ وبريطانيا هي من مكّنت إسرائيل من احتلال فلسطين.
وكانت هزيمة 1967 أبشع وأشنع؛ لأن الحكام الثوريين لم يكونوا في وادي الحرب ضد إسرائيل، ولم تكن علاقتهم بأمتهم وشعوبهم كما يُرام، خصوصًا أن مراكز القوى في مصر، وقادة البعث في سوريا، والعراق، ومملكة الأردن، لم يكن همهم إلا إحكام قبضتهم على الداخل. أما اليوم، فالغزيون وحدهم يتعرضون لحرب الإبادة والتهجير والتطهير العرقي، وتُدمّر غزة حجرًا وبشرًا.
لن تستطيع أمتنا، ولا شعوب أمتنا، الانتصار على إسرائيل والصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية، وهي في مواجهات مع بعضها، ولن يستطيع الحكام العرب الموالون لأمريكا أو حتى المتصادمون معها أن ينتصروا وشعوبهم في وادٍ، وهم في وادٍ آخر.
كان سبب انتصار القادة الصهاينة أنهم كانوا يخوضون المعارك وهم موحدون، وعلاقاتهم بشعبهم قائمة، ويواجهون أمة مفككة، وحكومات لا تحترم إرادة شعوبها.
إن بشائر انتصار أمتنا اليوم حاضرة وقوية؛ فلأول مرة في التاريخ، يقود اليمين التوراتي الصهيوني الحرب ضد فلسطين، وتحديدًا في غزة، وهم في مواجهة حقيقية ضد شعبهم، وضد العالم، ولأول مرة في التاريخ، يعبّر حلفاء الدولة الصهيونية عن إدانة حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.
الشعوب الأوروبية تعاطفت مع ضحايا النازية، وتضامنت ضد الهولوكوست، وهم اليوم يشاهدون الدولة الصهيونية تصنع، وبشكل يومي، ما هو أشنع وأفضع من الهولوكوست، لكن الهولوكوست الذي صنع دولة الصهاينة سيكون أيضًا القاضي بهلاكها.
المؤشر الإيجابي هو تململ حلفاء إسرائيل في أوروبا وأمريكا من سلوكها، والأمر الأهم هو بداية استشعار أصدقاء أمريكا من الحكام العرب والمسلمين أن إسرائيل هي الحليف الأوحد لأمريكا، وأن يدها مطلقة في التطاول حتى على الحليف الاستراتيجي (قطر) التي تستضيف أكبر قاعدة أمريكية في العالم.
يبقى الانتصار الحقيقي هو أن تتصالح الشعوب العربية مع بعضها ومع نفسها، وأن يتخلى الحكام عن حكم الغلبة والقوة والقمع لشعوبهم؛ فالانتصار على الصهيونية العالمية، والإمبريالية الأمريكية وأداتها الحربية إسرائيل، لن يكون إلا بالوحدة الوطنية، والاحتكام إلى الإرادة الشعبية، والتخلي عن أوهام حياد أمريكا وأوروبا الاستعمارية، وترسيخ قيم الحرية والعدالة والديمقراطية في بلدانهم.