تقارير
في مدينة تعز المنهكة بالحرب والحصار والحرمان من الخدمات.. إحباط مخطط نهب 16 مليون دولار
بعد أن كانت الدولة قاب قوسين من خسارة مبلغ يصل إلى 16 مليون دولار، تدفعه بدون وجه حق، في قضية عليها شبهة فساد، أصدرت الشعبة التجارية في محكمة الاستئناف بمحافظه تعز، حكما قضائيا ببطلان قرار تحكيمي قضى بتعويض شركة مقاولات، بمبلغ يفوق 16 مليون دولار، في خطوة جنبت المحافظة المنهكة من الحرب والحصار استنزافا جديدا، للأموال العامة.
القضية مرتبطة ببناء كليه الطب، في جامعة تعز، من قبل شركه مقاولات تدعى الرحاب، حيث لم يتم إكمال المشروع الذي وصل إلى 70%، مما حرم الطلاب والجامعة الاستفادة منه.
الشركة تعذرت بالظروف القاهرة، في عدم إكمال المشروع، وطالبت بتعويض بملايين الدولارات، وكانت على وشك الحصول على هذا التعويض، لولا تدخلات برلمانية وحقوقية لوقفها، متهمين الشركة بالتأخير في تسليم المشروع قبل وصول الحرب إلى تعز.
قضية النزاع
يقول الصحفي عبد العزيز المجيدي، إن جذور القضية تعود إلى بداية 2023، عندما بدأ التحرك من أجل الذهاب باتجاه التحكيم في قضية النزاع، بين شركة الرحاب للمقاولات، وجامعه تعز، باعتبارها هي الطرف المسؤول في هذا الموضوع، جاء على خلفية مساعي برنامج الإعمار السعودي، الذي يبدأ استعداده لاستئناف استكمال المشروع، والبدء في تجهيزه وإنهائه بالطريقة التي يفترض أن يكون عليها، بعد أن توقفت الشركة بصورة كاملة عن العمل.
وأضاف: الشركة استخدمت هذا الأمر سببا، وهي من قبل ذلك تحاول أن تحصل على تسويه بصورة ما، استغلالا لعجلة البرنامج السعودي، من أجل استئناف العمل، وهذا الأمر استخدم بطريقة سيئة من قبل المسؤولين والسلطات، وكان الكل يتوقع بأن هذا الأمر ممكن أن يتم بشكل سريع، بعد ذلك يحمّل على البرنامج السعودي إعادة الإعمار، بحيث أنه هو الذي سيقوم بإعادة دفع هذه التعويضات.
وتابع: كل ما حصل هو أن برنامج الإعمار السعودي، قال لهم بصريح العبارة، نحن لن نعوض وسنتحمل الأعباء والتكاليف الأخرى المتبقية لإكمال المشروع، وعليكم تسوية الأمر مع الشركة، وهنا بدأت قصة الذهاب للتحكيم.
وأردف: هناك من حاول أن يعمل على الأمر حرصا وطنيا، باعتبار أن هذا المشروع سينتهي، وأن هناك مبادرة سعودية يجب أن نستغلها من أجل أن نذهب باتجاه استكمال المشروع، وبالتالي يجب أن نذهب باتجاه تسوية سريعة والتحكيم.
وأشار إلى أن التحكيم خطواته كانت خاطئة، منذ البداية، باعتبار أن القضية هي من قضايا الدولة، وبالتالي قضايا الدولة دائما الطرف المخول فيها للتقاضي، فيها هي وزاره الشؤون القانونية، كما يقول المحامون، وبنفس الوقت أعتقد بأنه عندما تم إصدار الحكم، كان هو الفضيحة الكبرى، عندما صدر الحكم التحكيمي في يوليو 2024، كانت هناك معلومات نشرها النائب في البرلمان علي المعمري.
ولفت إلى أن النائب المعمري نشر وثائق بشأن قضية الفساد هذه، لم تشكل اللجنة برلمانية من أجل الموضوع، فقط كانت هناك لجنة برلمانية اجتمعت عبر واتساب، وبدأت النقاش حول وثائق المشروع، وثم بعد ذلك شكلت ضغط من أجل أن تتحرك وزارة الشؤون القانونية، والتي بدورها قامت بالضغط على إدارة الشؤون القانونية بجامعة تعز من أجل الذهاب باتجاه الطعن في الحكم لدى شعبة الاستئناف في المحكمة التجارية.
العودة إلى نقطة الصفر
يقول المحامي والباحث في القانون العام، عمر الحميري، نحن في هذه المرحلة الحاسمة والحساسة، والقاتمة، في تاريخ اليمن، هناك أضواء نعول عليها، وهناك أمل.
وأضاف: نحن نمتن لوجود كوادر قضائية محترمة، استطاعت أن تحقق العدالة، وأن تقول كلمتها، في واحد من الملفات التي توجد فيها الكثير من التساؤلات، التي تستحق التحري والبحث والتحقيق، والتي يجب أن يتم مناقشتها بشكل مفصل.
وتابع: نحن نراقب هذا الملف باعتباره يتعلق بالمال العام، ويتعلق بإنشاء كلية الطب، التي يرنو إليها أبناء هذه المحافظة، الذين يضطرون للتعلم والدراسة في كليات خاصة، وجامعات خاصة، بكلفة باهظة، والقدرة الاستيعابية لكلية الطب في جامعه تعز حاليا لا تتجاوز 60 طالبا، وبالتالي فإن هذا المشروع يعتبر حيوي ومهم.
وأردف: محافظة تعز، من أكبر المحافظات، من حيث التعداد السكاني، وتحتاج إلى كوادر طبية.
وزاد: أثيرت كثير من التساؤلات والملاحظات، حول ملف الفساد، وموضوع التحكيم فيما يتعلق بتعويضات شركة الرحاب، المتعلقة بعقد توريد ومقاولة، كان بسبب وجود ارتباطات شخصية، وإجراءات غير مفهومة، وغير مبررة.
وقال: هذا التساؤل ترجم اليوم، من خلال الحكم القضائي الصادر، من محكمة استئناف محافظة تعز - الشعبة التجارية، والتي بالمناسبة أحد أعضائها من الكوادر النسائية، وهي هيئة قضائية محترمة.
وأضاف: هذا الحكم، يأتي نتيجة لجهود هيئة الدفاع القانونية في جامعه تعز، الذين نحييهم على هذا المجهود، ونتمنى أن تتجه هذه القضية باتجاه سليم، وأن تتجه إلى القضاء العادي، الوطني، اليمني.
وتابع: المحكمة التجارية، هي المختصة بالفصل في أي ادعاء يرفع ضد أي مؤسسة حكومية، فيما يتعلق بعقود مقاولة، أو غيره من النزاعات الواردة في مجالات المقاولة والتوريدات.
وأردف: هذا الحكم يعني أن القضية عادت إلى نقطة الصفر، وأن على الطرفين، لإنهاء هذا النزاع، إما من هو متضرر يلجأ إلى القضاء العادي برفع دعوة مبتدأة أمام المحكمة التجارية في تعز، أو أن يتم التحكيم من جديد بهيئة أخرى.
وزاد: دواعي التحكيم غالبا تفهم بأنها اضطرارية، مثلا حالة استعجال لتفادي خسارة الدعم والتمويل الدولي، خاصة وأن هذا المشروع ليس ممولا من الميزانية العامة، ولا من موارد محلية، أو تابعة للدولة، وإنما منحة من المملكة العربية السعودية، وهي منحه دولية، لها شروط، وبالتالي إذا لم يتم الوفاء بالشروط والمتطلبات، التي يرجوها المانح، فإن هذه المنحة تسحب، وهنا خسارة.
مكسب قانوني
يقول نائب رئيس جامعة تعز الدكتور رياض العقاب، إن الحكم القضائي ببطلان التحكيم، يمثل مكسبا قانونيا لجامعة تعز، وللدولة عموما، لأن إعادة التأكيد على ضرورة التزام بالقوانين اليمنية، في كل ما يخص عقود المشاريع الحكومية، يحمي المال العام، من أي التزامات أو مبالغ قد تكون غير مستحقة.
وأضاف: بناء على ما سبق، فإن هذا يعزز من قدرة الجامعة على حماية مصالحها ومشاريعها الاستراتيجية، والجامعة رحبت بهذا الحكم.
وتابع: نحن في جامعة تعز كنا نسعى إلى استئناف العمل، في مشروع كلية الطب، ضمن البرنامج السعودي للإعمار، وكان أحد المتطلبات الرئيسية لاستقبال المشروع، هو عمل حل مع الشركة السابقة التي رفضت استكمال العمل.
وأردف: في الأخير، كان لدينا خيارات، إما أن نلجأ إلى القضاء، وهذا سيأخذ خطوات، أو الاتجاه إلى التحكيم، وكان البرنامج السعودي، قد التزم أنه بمجرد الذهاب إلى خطوة التحكيم، سيتم مباشرة العمل في كلية الطب، فالجامعة رأت في البداية أن التحكيم قد يكون وسيلة أسرع لحل النزاع، بما يضمن استمرارية المشروع.
وزاد: مع ذلك ظلت الجامعة متمسكة بمرجعية القانون اليمني، وما أثبتته لاحقا بخطواتها القانونية لإبطال أي إجراءات أو نتائج لا تستند إلى الأسس القانونية الصحيحة.
وقال: في التحكيم، الجامعة لم تكن تتوقع أن تصل إلى هذه النتيجة، كون القائمين على لجنة التحكيم، أشخاص على درجة عالية من الموثوقية، وكان يرأسها محافظ تعز سابقا، الدكتور أمين محمود، وهو له مواقف كبيرة في مدينة تعز، وأسند جامعه تعز بشكل كبير، وبالتالي اتجاهنا في التحكيم كان على هذا الأساس.