تقارير
صراع إسرائيل وإيران يفتح نافذة دبلوماسية حاسمة في اليمن
بعد مرور أكثر من شهر بقليل على توقيع الولايات المتحدة اتفاق هدنة ثنائية مع المتمردين الحوثيين في اليمن، أنهى فعليًا النزاعَ المسلح هناك، أدت سلسلة من الضربات العسكرية الإسرائيلية والأمريكية ضد إيران إلى تغييراتٍ جذريةٍ في المنطقة لا يمكن لواشنطن تجاهلها.
ففي إطار عملية "الأسد الصاعد"، نفذت القواتُ الجوية الإسرائيلية أكثر من ألف غارةٍ جوية، أسقطت خلالها مئاتِ القنابلِ على مواقعِ تخزينٍ وصواريخَ باليستيةٍ إيرانية.
كما شملت العمليةُ عملياتِ اغتيالٍ استهدفت كبارَ قادةِ الحرسِ الثوري الإيراني، مثل القائد العام للحرسِ حسين سلامي، ورئيسِ الأركانِ محمد باقري، وقائدِ القواتِ الجويةِ أمير حاجي زاده، إلى جانبِ تسعةِ علماءَ نوويين.
وبعد ساعاتٍ فقط، شنت الولاياتُ المتحدةُ ضرباتٍ منسقةً على ثلاثةِ مواقعَ نوويةٍ إيرانية — فوردو، نطنز، وأصفهان — وأعلن الرئيسُ ترامب حينها أن "منشآتِ تخصيبِ اليورانيومِ الإيرانيةِ الأساسيةِ قد دُمّرت بالكامل".
وبعد يومين، وتحديدًا في 23 يونيو، أطلقت إسرائيلُ موجةً جديدةً من الغاراتِ الجويةِ على طهران، استهدفت فيها "مواقعَ تابعةً للنظامِ وأجهزةَ القمعِ الحكومي"، بما في ذلك سجنَ إيفين سيئِ السمعةِ، الذي يُحتجز فيه السجناءُ السياسيون والمعارضون، وموقعَ فوردو النووي.
وعلى الرغم من التصريحاتِ العلنيةِ للحوثيين بأنهم سيردون إذا دخلت الولاياتُ المتحدةُ الحربَ ضد إيران، فإن تهديداتهم كانت في الغالبِ فارغةً من المضمون.
صحيح أن الحوثيين أعلنوا مسؤوليتهم عن عدةِ هجماتٍ صاروخيةٍ ضد إسرائيلَ منذ اندلاعِ الحربِ بين إسرائيلَ وإيران، مما يجعلهم الوكيلَ الإيرانيَّ الوحيدَ الذي شارك فعليًا في الحربِ تضامنًا مع طهران، إلا أن تأثيرَ هذه الهجماتِ كان محدودًا.
فقد تم اعتراضُ بعضِ الصواريخِ بواسطةِ أنظمةِ الدفاعِ الجويِّ الإسرائيلية، فيما لم تصل أخرى إلى الأراضيِ الإسرائيلية، ووردت تقاريرُ عن إصابةِ أطفالٍ فلسطينيين في إحدى الضربات.
وربما يعود أداءُ الحوثيين المتواضع إلى نفادِ مخزونهم من الأسلحةِ نتيجةَ آلافِ الغاراتِ الجويةِ التي نفذتها الولاياتُ المتحدةُ في إطار عملية "الفارس الخشن" في وقتٍ سابقٍ هذا العام. كما قد يكون هذا الأداءُ تعبيرًا عن ضبطِ النفسِ الاستراتيجيِّ: فالحوثيون يدركون على الأرجح أن دعمَ طهرانَ سيكون محدودًا في المدى القريب، ويفضلون الحفاظَ على ما تبقى لديهم من قدراتٍ أثناءَ إعادةِ بناءِ ترسانتهم من خلالِ الإنتاجِ المحليِّ أو عبرَ مورّدين بديلين.
وتشير الحكومةُ اليمنيةُ إلى احتمالِ أن تكون إيران تسعى لنقلِ بعضِ قدراتها من الصواريخِ الباليستيةِ والطائراتِ المسيّرةِ إلى مناطقَ خاضعةٍ لسيطرةِ الحوثيين.
مهما كانت الدوافع، فإن ردَّ الحوثيين على الحربِ الإيرانيةِ الإسرائيليةِ لم يحقق نجاحًا دعائيًا. فبخلافِ هجماتهم البحريةِ عاليةِ المستوى في السابق، فشلت حملتهم الأخيرةُ ضد إسرائيلَ في إظهارِ القوةِ أو إثباتِ أهميتهم الاستراتيجية، مما قوّض صورتهم الذاتيةَ كـ"طليعةِ المقاومةِ الإقليمية".
ومع ذلك، لا شك أن الحوثيين يشعرون الآن بالضغطِ نتيجةَ تركيزِ إيرانَ على استعادةِ قدراتها العسكرية، وهو ما يعني تقليصَ خياراتِ الدعمِ العسكريِّ والسياسيِّ المتاحِ لهم، وزيادةَ الخسائرِ المحتملةِ إذا استؤنفت الأعمالُ العدائية.
هذا الوضعُ يفتح نافذةً للولاياتِ المتحدةِ وشركائها للتواصلِ مع الحوثيين واختبارِ مدى براغماتيتهم — وهي سمةٌ أظهروها في وقتٍ سابقٍ من هذا العام من خلالِ محادثاتٍ غيرِ رسميةٍ مع واشنطن.
وينبغي لإدارةِ ترامب أن تنتهز هذه الفرصةَ للدفعِ باتجاهِ اتفاقٍ واضحٍ وقابلٍ للتنفيذ، يركز على وقفٍ شاملٍ لإطلاقِ النار، وتأمينِ وصولِ المساعداتِ الإنسانية، والتمهيدِ لتسويةٍ سياسيةٍ دائمة.
ومن المرجح أن يتطلبَ هذا الانخراطُ تنازلاتٍ صعبةً يمكن للحوثيين تسويقها كإنجاز، مثلَ بحثِ مسألةِ تخفيفِ العقوباتِ ورفعِ تصنيفهم كمنظمةٍ إرهابيةٍ أجنبية (FTO).
ورغم أن التفاصيلَ ستحتاج إلى مفاوضاتٍ دقيقةٍ، إلا أن الهدفَ الأمريكيَّ يجب أن يكون تثبيتَ مسارِ التهدئةِ، والحفاظَ على المكاسبِ الهشةِ التي تحققت خلال العامِ الماضي، ووضعَ اليمنِ على مسارِ انتقالٍ سياسيٍّ ما بعد النزاع.
لكن هذه النافذةَ آخذةٌ في الانغلاقِ سريعًا. فالتحولاتُ المتسارعةُ في الإقليم تُثبت أن الحوثيين يتمتعون بقدرٍ عالٍ من الصمودِ والقدرةِ على التكيف، وهو ما ظهر جليًا في قدرتهم على الحفاظِ على السيطرةِ الميدانيةِ والقدراتِ القتاليةِ رغم تعرضهم لأكثر من 25,000 غارةٍ جويةٍ سعوديةٍ بين عامي 2015 و2022.
وزاد من تعقيدِ المشهدِ سعيُ الحوثيين لتوسيعِ قاعدةِ دعمهم عبرَ عرضِ مرورٍ مجانيٍّ للسفنِ الصينيةِ في البحرِ الأحمر مقابلَ أسلحةٍ صينيةِ الصنع، وتلقيهم معلوماتٍ استخباراتيةٍ وتسليحًا من روسيا، بل وتعاونهم مع حركةِ الشبابِ الصوماليةِ التابعةِ للقاعدة، رغم التباينِ العقائديِّ.
وعلاوةً على ذلك، فإن إحرازَ تقدمٍ في الملفِ اليمنيِّ لن يتحققَ من خلالِ انخراطِ الحوثيين وحدهم. فعلى الولاياتِ المتحدةِ أيضًا تعزيزَ مجلسِ القيادةِ الرئاسيِّ، رغم هشاشته وطبيعته الانتقالية، كونه يمثل الأداةَ الضروريةَ للتفاوضِ والمسارَ الأكثرَ واقعيةً نحوَ تشكيلِ حكومةٍ شرعيةٍ مستقبلية.
ويجب أن يتجاوزَ الدعمُ الدوليُّ حدودَ المساعداتِ العسكريةِ والاستخباراتيةِ، ليشملَ دعمَ جهودِ الإصلاحِ الدستوريِّ وتعزيزَ الشفافيةِ المالية.
وبما أن القسمَ الأكبرَ من العملِ سيقعُ على عاتقِ الفاعلين الإقليميين، وعلى رأسهم السعوديةُ والإمارات، ينبغي لواشنطن أن تدفعَ الرياضَ وأبوظبي إلى الخروجِ من حالةِ اللامبالاةِ الاستراتيجيةِ والانخراطِ من جديدٍ في مسارٍ موحدٍ وموثوقٍ لدعمِ المجلسِ الرئاسيِّ.
ويشمل ذلك تشجيعَ الشركاءِ الخليجيين على الاستثمارِ في استقرارِ مؤسساتِ المجلسِ، ودعمَ دمجِ الفصائلِ المسلحةِ التابعةِ له، وتعزيزَ القيادةِ التكنوقراطيةِ داخله.
وحتى لو لم يستمرِ المجلسُ الرئاسيُّ بصيغته الحاليةِ، فإن تقويةَ وظائفِه الأساسيةِ سيكون ضروريًا لوضعِ أسسِ هيئةِ حكمٍ ما بعد النزاعِ يمكن للولاياتِ المتحدةِ وحلفائها التعاملُ معها كشريكٍ موثوقٍ على المدى الطويل.
وإذا كانت إدارةُ ترامب جادةً في تشكيلِ بنيةٍ أمنيةٍ جديدةٍ في الشرقِ الأوسط، فلا يمكنها تجاهلَ الملفِ اليمنيِّ. فقد شكّلت الضرباتُ الأمريكيةُ والإسرائيليةُ على إيرانَ ضربةً قويةً — لكنها مؤقتةٌ — ينبغي لواشنطن أن تستثمرها لتحويلِ الزخمِ العسكريِّ إلى نفوذٍ دبلوماسيٍّ.
فالتقاعسُ عن التحركِ قد يمنح الحوثيين الوقتَ لإعادةِ تنظيمِ صفوفهم تحتَ رعايةِ داعمين جدد، ما سيزيد من تعقيدِ الأوضاعِ الداخليةِ والإقليميةِ، ويهدرَ أوضحَ فرصةٍ للضغطِ وتحقيقِ التقدمِ منذ سنوات.