تقارير

زيارة غروندبرغ إلى صنعاء.. بداية جديدة لمسار السلام أم مناورة لتخفيف الضغط على مليشيا الحوثي؟

08/01/2025, 13:01:01

بعد قرابة عامين من الغياب، يعاود المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، زيارته إلى صنعاء؛ وسط تساؤلات حول الأبعاد السياسية لهذه الزيارة، وتوقيتها، وأهدافها.

بحسب مكتب المبعوث، فإن غروندبرغ يسعى إلى إحياء العملية السياسية، والدفع بخطوات ملموسة؛ أبرزها الإفراج عن المعتقلين تعسفًا، وتهيئة الأجواء للجلوس إلى طاولة مفاوضات شاملة، لكن الطريق ليس معبَّدا، والرهانات تبدو محفوفة بالمخاطر في ظل انعدام الثقة بين الأطراف، وتضارب الأجندة الدولية، خصوصا مع تحول اليمن إلى ساحة تصفيات دولية.

يرى مراقبون أن هذه الزيارة خطوة تكتيكية من الحوثيين لامتصاص السخط الشعبي، والدعوات الداخلية للتخلص من المليشيا، خاصة مع استمرار الجمود السياسي، وتضارب الأجندة الدولية، ومحاولة التهدئة للأجواء مع تصاعد الضغوط الدولية والإقليمية على الحوثيين، بما في ذلك التهديدات الأمريكية والإسرائيلية باستهداف المليشيا.

- إسقاط واجب

يقول الكاتب والباحث نبيل البكيري: "زيارات الأمم المتحدة، سواء فيما يتعلق بالملف اليمني وكل الملفات التي تتدخل فيها، ليس لها أي أثر، ولن يكون لها أي أثر؛ لأنها تأتي دائما كنوع من إسقاط الواجب -كما يقال".

وأضاف: "أي مبعوث أممي وماسك ملف لديه ميزانية طويلة عريضة يتصرف بها تحت مسمى المبعوث الأممي".

وتابع: "أنا باعتقادي  أن هذه الزيارة هي بمعزل عن التصعيد الدولي، أو عن لغة الخطاب الدولي المرفوع باتجاه مليشيا الحوثي، لكنه الروتين المعتاد للمبعوثين الأمميين مع بداية عام جديد، يريد أن يستفتح هذا العام الجديد بنشاط، وسجل في جدول أعماله، بأنه زار الأطراف، وزار العاصمة صنعاء اليمنية المحتلة من قبل المليشيا".

وأردف: "المبعوث الأممي هو مبعوث خاص لحل الأزمة بين الأطراف اليمنية، أما في الجانب الدولي -أنا باعتقادي- هذا ليس من اختصاصه، باعتبار أن البروتوكول الدولي، الذي بموجبه استلم هذا الملف وعُين مبعوثًا لليمن، هو يتعلق بالأزمة اليمنية".

وزاد: "أنا لا أجد أي ربط بين التصعيد، أو لغة الخطاب العالية، هذه الأيام، مع هذه الزيارة، لا أجد ربطًا منطقيًا، وقد يكون هناك، لكن، بحسب المعلومات أو بحسب السياق، أنا لا أعتقد أن هذا الموضوع يتعلق بمسألة التصعيد، أو لغة الخطاب الحادة اليوم تجاه جماعه الحوثي من قِبل المجتمع الدولي".

- ثلاثة أبعاد

يقول المحلل السياسي العُماني، سالم الجهوري: "الجهود العمانية لم تتوقف، طيلة الفترة الماضية، وكانت كل الأطراف قريبة من التوافق قبل السابع من أكتوبر، قبل ما يقارب العام وأربعة أشهر، وأعتقد أن هذه الجهود لم يعلن عن استمرارها خلال الأزمة".

وأضاف: "لكن هذه الجهود تراجعت إلى حد كبير بين سلطنة عُمان، وبين الأطراف، سواء كان من الحوثيين في صنعاء أو الحكومة الشرعية، وكذلك أيضا مع السعودية والأمم المتحدة، ومع الإدارة الأمريكية، والحكومة البريطانية، إضافة إلى الإدارة الجديدة في إيران".

وتابع: في نظري أن هذه الزيارة، التي يقوم بها المبعوث الأممي إلى صنعاء، هي استئناف لذلك النشاط، خاصة أن هناك كانت جهود، في الشهرين الماضيين، حول هذا الموضوع في سلطنة عُمان، التي توجت بهذه الزيارة".

وأوضح: "هذه الزيارة تحمل ثلاثة أبعاد مختلفة، البُعد الأول هو الإفراج عن الموظفين الأمميين، الذين تم اعتقالهم في يونيو من العام الماضي 2024، وهذه مسألة مهمة تأتي في أولويات المبعوث الأممي، الذي زار صنعاء، يوم الاثنين الماضي".

وأردف: "البُعد الثاني يتعلق باستئناف مساعي السلام في حالة رغبة الحوثيين بذلك، وأنا أعتقد أن هذا الموضوع أصبح الآن له مسارات أخرى أكثر، ربما تفعيلا من المرات الماضية قبل أحداث دمشق، التي دارت في الشهر الماضي، وتراجع مواقف الحلفاء مع الحوثيين".

وزاد: "البُعد الثالث، يبدو أن هناك اتصالات بين المجتمع الدولي وعدد من الدول مع سلطنة عُمان من أجل أن يكون هناك حل لتأمين مسار الملاحة التجارية الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وبالتأكيد هذا الأمر يُراد منه الضغط على الحوثيين، أو ستواصل الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا الهجمات الجوية على المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين".

تقارير

عائلات عاملي الإغاثة اليمنيين المختطفين لدى مليشيا الحوثي تشعر باليأس بشأن مصيرهم

تحوّل فرح عائلة أحمد اليمني باحتفالهم بزفاف ابنته إلى رعب في اليوم التالي، عندما داهمت قوات مقنّعة منزلهم في صنعاء، العاصمة الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، واعتقلته.

تقارير

عودة مساعي السلام في اليمن.. نوايا جادة أم إعادة تدوير الأزمة؟

هل بالإمكان تحقيق السلام في اليمن عبر الحوار والحلول السياسية بعد نحو عشر سنوات من جولات الحوار الفاشلة وجهود السلام التي كانت نتيجتها الوحيدة إطالة أمد الحرب وتعقيد فرص السلام وتعطيل الحسم العسكري؟ لعل من الأمور المحيرة في الأزمة اليمنية ذلك النفس الطويل الذي يتمتع به دعاة السلام في اليمن، فدول عظمى، وأخرى إقليمية، بالإضافة إلى الأمم المتحدة، تدعو إلى تحقيق السلام في البلاد، وترسل المبعوثين وتعقد اللقاءات لأجل هذا الغرض، رغم أنها جميعا تعلم أن الأزمة اليمنية لم تعد قابلة للحل السياسي، وأنه كلما طال أمد الحرب ازدادت الأوضاع تعقيدا، وازدادت معها العقبات أمام مساعي تحقيق السلام. في 19 نوفمبر الجاري، اختتم المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، زيارته إلى العاصمة العمانية مسقط، التي أجرى خلالها مباحثات مع الشيخ خليفة علي عيسى الحارثي، وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، بالإضافة إلى عقد لقاء آخر مع محمد عبد السلام، مسؤول فريق التفاوض التابع للحوثيين، في إطار الجهود الهادفة إلى دفع عملية السلام واستعراض آخر مستجدات الملف اليمني. بدوره، جدد وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هاميش فالكونر، خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة المؤقتة عدن، في 20 نوفمبر الجاري، تأكيد التزام بلاده بدعم جهود السلام في اليمن. - السياق الإقليمي ووهم السلام بدأت مساعي السلام في اليمن منذ ما قبل اندلاع الحرب بسنوات، وتحديدا في صيف 2011، عندما وصل أول مبعوث أممي إلى اليمن، جمال بن عمر، لكن تلك المساعي لم تحقق نتيجة تذكر، وفشلت في احتواء التوترات ومنع اندلاع الحرب، وبعد اندلاعها لم تفلح مختلف المساعي في إجبار الحوثيين على القبول بعملية السلام. وبعد كل سنوات الحرب تلك وما تخللها من مساعٍ لتحقيق السلام باءت جميعها بالفشل، وتعقد الأوضاع محليا وإقليميا، فإنه ما زال هناك من يراهن على تحقيق السلام في اليمن عبر الحوار والحلول السياسية، رغم أن السياق الإقليمي بعد الحرب على قطاع غزة لا يشجع على التسوية السياسية السلمية في اليمن وإنما زادها تعقيدات إضافية إلى تعقيداتها السابقة. فإذا كانت مليشيا الحوثيين ترفض القبول بالسلام في سنوات سابقة، فكيف ستقبل به بعدما أصبحت ترى أن الأمور آلت لمصلحتها، وتعتقد أنها باتت فاعلا إقليميا بعد انخراطها ضمن المحور الإيراني خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ووظفت هجماتها الرمزية على الكيان الإسرائيلي لتعزيز وضعها في الداخل اليمني. وبالتزامن مع مساعي السلام في اليمن، ظل السلاح الإيراني يتدفق للحوثيين بلا انقطاع، حتى أصبحت مناطق سيطرتهم بمنزلة قاعدة عسكرية إيرانية متقدمة، تستخدم لتهديد الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر، فضلا عن تهديد بعض دول الجوار، مع توظيف القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية وإعلامية. وفي الوقت الذي يتشكل فيه مزاج إقليمي ودولي ضد إيران ومليشياتها في المنطقة، لكن ما يبدو حتى الآن أن هذا المزاج لا ينعكس بالضرورة على الملف اليمني، وأصبح الحديث عن السلام في اليمن والجهود التي تُبذل في هذا الجانب وكأنها صفقات ضمنية تُمنح للحوثيين بحجة "الحفاظ على التهدئة" أو "ضمان عدم توسع الحرب"، وتحول الملف اليمني من قضية حرب وسلام إلى مساحة للمساومات، وأحيانا إلى ورقة بيد لاعبين إقليميين يفضلون بقاء الوضع معلقا على أن يصل إلى مواجهة مكلفة. وليست مبالغة القول إن جهود السلام في اليمن، الإقليمية والدولية، منحت مليشيا الحوثيين مساحة واسعة للمناورة، فبدلا من أن تُعامل على حقيقتها كمليشيا انقلابية مصنفة إرهابية ومرتبطة بسياسة إيران التخريبية في المنطقة، يعاد تدويرها كطرف سياسي على أمل التفاهم معه، رغم أنها ترفض أي عملية سلام حقيقية تقوم على التنازل المتبادل أو المشاركة الفعلية في الدولة. وفي الواقع، فإن مساعي السلام التي استهلكت الوقت وأجلت الحسم العسكري، كان واضحا أنها رسخت هيمنة الحوثيين على الأرض، ومنحتهم فرصا إضافية لتعزيز قوتهم العسكرية. وكلما طال هذا التراخي، يصبح الحديث عن "حل سياسي" مجرد ترف لغوي لا مكان له في معادلة الصراع. وتكمن المشكلة الرئيسية لدعاة السلام في اليمن في غياب الإرادة والجرأة على التعامل مع الطرف الذي يعطل السلام، ولذلك تبدو تلك الجهود وكأنها تطبيع مع الأمر الواقع، والنتيجة أن مساعي السلام ستظل تدور في الحلقة نفسها: جهود لا تثمر أي نتيجة، وواقع محلي وإقليمي يفضل تأجيل مواجهة الحقيقة. وما لم يُكسر هذا النمط، ستبقى مساعي السلام مجرد عنوان تضليلي لحرب معلقة تستمد أسباب استمرارها من التواطؤ مع الحوثيين أكثر مما تستمده من الوقائع على الأرض. - لماذا التسوية السياسية مستحيلة؟ رغم أن الحرب في اليمن استنزفت الجميع، ولم يعد لدى مختلف الأطراف ما يكفي من الحماس للعودة إلى معارك واسعة كتلك التي كانت في بداية الانقلاب الحوثي وعملية "عاصفة الحزم"، إلا أن هذا الإرهاق العسكري لا يخلق بالضرورة بيئة صالحة للتسوية السياسية. فالحرب التي عجزت عن تمكين أي طرف من تحقيق أهدافه كاملة، لن يعوض فشلها باتفاق سياسي هش، يقوم على قاعدة "لا رابح ولا خاسر"، بينما الوقائع على الأرض تقول العكس، فهناك أطراف حققت مكاسب ميدانية كبيرة أو حصلت عليها عبر التنازلات، وأطراف بلا مكاسب ميدانية تُذكر، وأخرى لا تملك أي شيء أصلا، ولذا كيف يمكن إقناع من لديه مكاسب كبيرة بالتنازل ولو نسبيا لمصلحة أطراف أخرى؟ ومع هندسة التحالف السعودي الإماراتي للوضع في اليمن عسكريا وسياسيا، وتفتيت السلطة الشرعية بين أطراف متنافرة، بقيت السلطة الشرعية بمفهومها القانوني الحلقة الأضعف في معادلة الصراع، يجسد ذلك الانقسامات بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، الذي يبدو عاجزا عن إدارة موقف موحد ضد مليشيا الحوثيين. كما لا يمكن إغفال أن مساعي السلام مكنت الحوثيين من أن يجعلوا كلفة السلام على خصومهم أعلى بكثير من كلفة الحرب، ذلك أنهم أعادوا تعريف أولويات المفاوضات، وحولوا القضية الوطنية إلى ملفات صغرى: فتح طريق هنا، أو صرف رواتب هناك، أو فتح مطار، أو تخفيف حصار ميناء. والعجيب في الأمر أن الأطراف الأخرى ودعاة السلام انساقوا وراء الحوثيين في تجزئة القضية الوطنية، وتغافلوا عن مسألة السلاح والسيطرة وفرض الحوثيين للأمر الواقع. وإذا توفرت إرادة سياسية حقيقية، فإن الحسم العسكري المفضي إلى سلام دائم قد يتحقق خلال أسابيع قليلة بكلفة معروفة ومحدودة نسبيا، بينما السلام القائم على التنازلات المتتابعة سيظل يراوح مكانه لسنوات، ويغذي حالة اللاحرب واللاسلم، قبل أن تنفجر الأوضاع مجددا في معركة قد تكون أشد كلفة من خوض الحسم في اللحظة الراهنة، وهي معركة قادمة لا محالة، وسيبادر الحوثيون إلى إشعالها بعد أن يراكموا مزيدا من القوة العسكرية حتى يروا أنها أصبحت كافية لخوض معركة واسعة. هذا السيناريو الأكثر احتمالا يؤكد أن أكبر عقبة أمام السلام في اليمن تتمثل في بنية مليشيا الحوثيين نفسها، فهي تحمل مشروعا عقائديا مغلقا، طائفيا وسلاليا، يرفض وجود الآخرين أصلا، فضلا عن مشاركتهم في السلطة، ولذلك فهي لا تريد تسوية دائمة، وإنما هدنة مقنعة تسمح لها بتعزيز قواتها، تمهيدا لجولة قادمة من الحرب، ستكون أشد عنفا من سابقاتها، وستجبر الآخرين على الانخراط في المعركة الحاسمة. الخلاصة، قبل أي حديث عن تسوية سياسية في اليمن، يجب الاعتراف أولا بأن "لحظة النضج" التي تجبر مختلف الأطراف على التفكير بالحل السلمي والقبول به لم تولد بعد، وهذه اللحظة لا تأتي إلا عندما تتغير معادلة القوة على الأرض، فيتراجع الطرف القوي ويصعد الطرف الضعيف، وتبدأ مرحلة الألم المتبادل التي تجعل الجميع يدرك أن الحسم مستحيل. لكن في ظل الوضع الراهن في اليمن، لا توجد مؤشرات على أن أي طرف وصل إلى هذا الإدراك، ولا توجد بيئة تدفع نحو حل وسط أو استعداد حقيقي للخروج من دائرة الحرب، فالجيوش والمليشيات متقابلة في خطوط التماس، والفاعلون الأجانب لا يرغبون في الحسم العسكري وليسوا جادين بشأن السلام الذي لا يمكن أن يتحقق تحت فوهات البنادق.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.