تقارير

تصعيد الحوثيين ضد إسرائيل والملاحة الدولية.. حسابات طهران أولا والمتاجرة لاحقا

12/07/2025, 10:10:31
المصدر : خاص - عبد السلام قائد

عاودت مليشيا الحوثيين التصعيد ضد الكيان الصهيوني والملاحة الدولية في البحر الأحمر بعد توقف مريب خلال المواجهات الدامية التي اندلعت بين إيران وإسرائيل واستمرت 12 يوما، والاكتفاء بالتهديدات بالوقوف إلى جانب طهران دون تنفيذ عملي، ويبدو أن ذلك التوقف يعكس رغبة إيران في التهدئة وعدم الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة، وهو ما يعني أن هجمات الحوثيين ضد الكيان الإسرائيلي تتم وفق إملاءات طهران، وتنسف مزاعمهم بأنهم يعملون بشكل مستقل بعيدا عن الإملاءات الإيرانية.

يهدف الحوثيون، من خلال تنفيذهم هجمات ضد إسرائيل وتهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، إلى تحقيق مكاسب سياسية تكسر عزلتهم محليا وإقليميا، لكن عندما بدا أن تلك المكاسب ستتعارض مع رغبة إيران بعدم التصعيد وجر الإقليم إلى حرب شاملة إثر شن إسرائيل هجمات عنيفة ضدها، فإن مليشيا الحوثيين قدمت الحسابات الإيرانية على متاجرتها بالقضية الفلسطينية والمكاسب الدعائية الخاصة بها، فأوقفت هجماتها قبل أن تستأنفها لاحقا بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، رغم أن عدوان إسرائيل ضد قطاع غزة استمر بنفس الوتيرة خلال حربها الخاطفة مع إيران.

وردا على تصعيد الحوثيين، هدد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في الأول من يوليو الجاري، بأن "مصير الحوثيين في اليمن هو مصير طهران"، في إشارة إلى قصف جيش الاحتلال للعاصمة الإيرانية. وقال: "بعد ضرب رأس الأفعى في طهران، سنضرب الحوثيين في اليمن أيضا". لكن مليشيا الحوثيين لم تعبأ بذلك التهديد وغيره من التهديدات السابقة المشابهة له التي أطلقها مسؤولون إسرائيليون، وما زالت تواصل تنفيذ هجمات على الأراضي الفلسطينية المحتلة والسفن التجارية في البحر الأحمر.

- هجمات بتوقيت طهران

يتضح من سلوك مليشيا الحوثيين أن قرار استئناف الهجمات أو إيقافها ليس مرتبطا بمعطيات العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وإنما يخضع لمعادلات إيران الإقليمية، فعندما دخلت طهران في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، توقفت هجمات الحوثيين فورا رغم استمرار العدوان على قطاع غزة، لأن طهران أرادت حصر المعركة في مسار ضيق خشية توسعها إقليميا واستمرار كثافة الضربات ضدها لأطول مدة ممكنة حتى إضعافها تماما. 

وبعد اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، استأنف الحوثيون هجماتهم ضد إسرائيل، وبدا أن ذلك تلبية لرغبة إيران في تحريك ما بقي من أذرعها للضغط بهدف التأثير على المفاوضات المرتقبة بشأن برنامجها النووي، والخشية من عودة الولايات المتحدة وإسرائيل لضرب منشآتها النووية والعسكرية، وهو ما يكشف أن مليشيا الحوثيين ليست سوى ورقة من أوراق المساومة الإيرانية، يتم تفعيلها أو تجميدها حسب الحاجة السياسية في طهران.

كما أن هذه الهجمات تُظهر أن الحوثيين باتوا أداة دعائية إيرانية وليس كما يزعمون أنهم فاعل عسكري مستقل، فكلما احتاجت طهران لإيصال رسالة بأنها لا تزال قادرة على تحريك وكلائها في الإقليم، توجه الحوثيين بتنفيذ ضربات محددة ومدروسة سواء ضد الكيان الإسرائيلي أو ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، تضمن تحقيق صدى إعلامي، دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة ومدمرة، إذ يتم ضبط الضربات وتوقيتها بما يخدم الأهداف الإيرانية، ويحقق في الوقت نفسه مكاسب سياسية للحوثيين.

وعلى الرغم من تهديدات إسرائيل بضرب الحوثيين، فإن طهران تدرك أن إسرائيل مترددة في فتح جبهة مباشرة في اليمن، سواء عبر عملية عسكرية برية أو تكثيف الضربات الجوية، نظرا لتعقيدات البيئة الجغرافية وصعوبة تضاريس البلاد، فضلا عن عدم وجود مخابرات إسرائيلية ميدانية في مناطق سيطرة الحوثيين، وهو ما يشجعهم على تجاوز التهديدات ومواصلة الهجمات.

وبالنسبة لمليشيا الحوثيين، فإن التصعيد ضد إسرائيل، حتى وإن كان بقرار خارجي، فهو يمثل فرصة للخروج من العزلة الدولية وخلق حالة من "التطبيع الشعبي" معهم في المنطقة العربية، عبر الزعم بأنهم يناصرون القضية الفلسطينية بشكل عملي، مستغلين مشاعر الغضب الشعبي إزاء إسرائيل لتحقيق مكاسب رمزية وإعلامية تعزز من موقعهم في خطاب ما يسمى "محور المقاومة".

وهذه التطورات تُبرز الازدواجية التي يتقنها الحوثيون، فهم من جهة يُظهرون أنفسهم كقوة ذات قرار مستقل، ومن جهة أخرى يلتزمون تماما بالسقف الإيراني، وهذه الازدواجية تسمح لهم بالتحرك داخل اليمن وخارجه بمرونة، مع الاحتفاظ بالارتباط الكامل بالمشروع الإيراني، لكن دون الاستعداد للانخراط في مواجهة كبرى تكون نتيجتها وبالا عليهم وتضعفهم أمام خصومهم في الداخل اليمني.

- مكاسب سياسية بلا خسائر عسكرية

تتعدد المكاسب الذاتية التي يجنيها الحوثيون جراء تصعيدهم ضد إسرائيل والملاحة الدولية في البحر الأحمر، ويأتي في مقدمتها كسر عزلتهم الداخلية، خصوصا في ظل حالة السخط الشعبي المتزايد داخل مناطق سيطرتهم نتيجة تزايد حدة الفقر والقمع وتدهور الخدمات.

وبالتالي فهم يسعون إلى إقناع المواطنين بأنهم لاعب إقليمي قوي وقادر على ضرب العدو الصهيوني، بما يتيح لهم صرف الأنظار عن إخفاقاتهم المحلية وجرائمهم ضد المواطنين، والتي كان آخرها جريمة قتل الشيخ صالح حنتوس في منزله بمديرية السلفية في محافظة ريمة.

وحتى إذا كان تصعيد الحوثيين ضد إسرائيل والملاحة الدولية يعكس رغبة إيرانية، فإن الحوثيين يستغلون ذلك التصعيد لإعادة تقديم أنفسهم كطرف مساند للقضية الفلسطينية، في محاولة لاختراق المزاج العربي والإسلامي المتعاطف مع فلسطين، وتلميع صورتهم لدى فئات من الرأي العام العربي. 

فالهجمات التي ينفذونها، حتى وإن كانت رمزية وغير مؤثرة، يتم تضخيمها في وسائل إعلامهم وحلفائهم، وتُقدم على أنها دعم فعلي لقطاع غزة، وهو ما يسهم في تلميع صورتهم لدى فئات من الرأي العام العربي، خصوصا تلك التي ترى أن كل من ينفذ هجمات ضد إسرائيل هو مقاوم، بصرف النظر عن نواياه أو خلفياته.

يضاف إلى ذلك أن هذه الهجمات تروج لقدرات الحوثيين العسكرية كقوة صاروخية وبحرية قادرة على تهديد إسرائيل والمضائق البحرية، وتوجيه رسائل للجمهور العربي والجمهور المحلي، بل ولخصومهم في اليمن والإقليم، تهدف إلى ترسيخ فكرة أن الحوثيين قوة يصعب مواجهتها، ويمكنها التأثير في معادلات المنطقة، حتى ولو كان هذا التأثير مرهونا بمصالح طهران وتحت مظلتها.

كما يدرك الحوثيون أن كل عملية دعائية ضد إسرائيل تمنحهم أوراق ضغط إضافية في أي مفاوضات سياسية تخص الملف اليمني، وتحصن موقفهم التفاوضي أمام بعض القوى الإقليمية والدولية، وتحويل أنظار المواطنين في مناطق سيطرتهم عن غلاء الأسعار وانقطاع الرواتب وانهيار الخدمات الأساسية.

- الحوثيون ورقة إيران الأخيرة

تمثل مليشيا الحوثيين اليوم الأداة الأكثر حيوية في يد إيران، بعد تراجع قدرة باقي أذرعها في الإقليم بفعل الضربات المتلاحقة والضغوط المحلية والإقليمية، فحزب الله بات مقيدا بالحسابات اللبنانية الحساسة وسط مطالبات بنزع سلاحه، ومليشيا الحشد الشعبي في العراق وغيرها من الفصائل الطائفية المسلحة هناك تخضع لحسابات الحكومة العراقية التي رغم أنه يهيمن عليها الموالون لإيران لكنهم يخشون أن يؤثر التصعيد الإقليمي على هيمنتهم وعلى التوازنات داخل العراق.

أما مليشيا الحوثيين، فهي اليوم الأقدر على التحرك العسكري (المحسوب) بفعل موقع اليمن الجغرافي عند خطوط الملاحة الدولية، وتحررها من أي التزامات سياسية داخلية أو خارجية، وتصرفها الدائم بمنطق المليشيات وعصابات القرصنة وليس بمنطق الدولة، مما يجعلها الورقة الأكثر جاهزية لتستغلها إيران حتى الرمق الأخير.

ووفق حسابات طهران، فالتصعيد الحوثي في البحر الأحمر وضد إسرائيل يبدو خيارا منخفض التكلفة ومرتفع المكاسب، فإسرائيل حتى الآن لم تُظهر رغبة جدية في فتح مواجهة شاملة مع الحوثيين، وتجارب الرد السابقة تقتصر على مواقع فارغة أو استهداف محطات وقود كوسيلة ضغط، دون أن تنجح في ردع الحوثيين أو وقف هجماتهم، وبالتالي فإيران تشعر بالارتياح لهذا النوع من الاشتباك، لأنه لا يترتب عليه رد فعل إستراتيجي كبير، رغم أن هذه المعادلة قد لا تبقى مستقرة إلى ما لا نهاية.

ولعل أكثر ما يدفع الحوثيين إلى التصعيد هو جمود جبهات الداخل وتحييد السعودية والولايات المتحدة عن خطوط النار بفعل اتفاقيات تهدئة، فبات لديهم فائض قدرة على التصعيد ضد إسرائيل دون خشية من الجبهات الأخرى، خصوصا أن الضربات الإسرائيلية لا تؤثر فعليا على بنيتهم العسكرية أو خسارة قيادات عليا، وإنما تزيد من رصيدهم الدعائي، مما يجعلهم أكثر ميلا للمغامرة وهم مطمئنون أن تكلفة الضربات ضدهم ما زالت محدودة جدا.

- استثمار على المدى الطويل

كما يدرك الحوثيون أن التصعيد ضد إسرائيل في هذه المرحلة يمنحهم فرصة لنيل موقع متقدم فيما يسمى محور المقاومة، في ظل التراجع النسبي لأدوار باقي الأذرع الإيرانية، لضمان استمرار الدعم الإيراني لهم على المدى الطويل، وهذا يعكس جزءا من صراع داخلي بين وكلاء إيران لتصدر مشهد المقاومة، مما ينعكس على حجم التمويل والتسليح الذي يتلقونه من طهران.

وبالنظر إلى تطور قدرات الحوثيين العسكرية خلال السنوات الأخيرة، يبدو أن إيران تنوي استثمارهم على المدى الطويل كأداة إستراتيجية دائمة في معادلة الردع الإقليمية، خصوصا أن الحوثيين أثبتوا أنهم أكثر الأطراف استعدادا للذهاب إلى أقصى حدود المغامرة العسكرية الممكنة، دون قيود أو حسابات دقيقة، إلا في حال بدا لهم أن التصعيد سيؤثر فعليا عليهم وعلى مشروعهم في الداخل، حينها سيطلبون التهدئة، كما حصل مع واشنطن بعد أن شنت ضدهم ضربات نوعية ومكثفة.

ومهما كان لكل من الحوثيين وإيران حساباتهما الخاصة، ففي حال استمر التصعيد الحالي من جانب الحوثيين فإنه قد لا يظل بلا عواقب، فالإفراط في الرهان على محدودية الرد الإسرائيلي قد يفاجئ الحوثيين مستقبلا بضربة قاسية تشارك فيها واشنطن فتعيد خلط الأوراق، وربما تتعرض إيران ذاتها لضربة عنيفة كونها الداعم الرئيسي للحوثيين، ومع ذلك يبدو أن إيران عازمة على استثمار الحوثيين حتى اللحظة الأخيرة، ولو أدى ذلك إلى القضاء عليهم تماما في نهاية المطاف.

تقارير

نزيف الكوادر التعليمية: اليمن يواجه عجزًا حادًا في المعلمين

مع انطلاق العام الدراسي الجديد في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، تشهد المدارس الحكومية والخاصة أزمة حادة في نقص الكوادر التعليمية، خصوصًا في المواد الأدبية والإنسانية، ما ينذر بتداعيات خطيرة على مستقبل التعليم في اليمن.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.