تقارير
بسبب التغييرات المناخية.. موسم بلا حصاد ومزارع يدمرها الجفاف
بعيون شاخصة نحو السماء، تترقب بلهفة تشكّل السحاب، وتبتهل قلوبها تضرعًا مع صوت الرعد، ترتسم صورة المزارع اليمني وهو يعيش عامًا استثنائيًا، توسّع الجفاف فيه على حساب موسم الأمطار، وحوّل أوديتهم ومدرجاتهم إلى أراضٍ جرداء ومتصحّرة.
“سنة لم تمر علينا من قبل”؛ هذا ما يتفق عليه المزارعون في كثير من المحافظات اليمنية، عند سؤالهم عن الموسم الزراعي هذا العام، وتأخّر سقوط المطر، ومصير زراعة الحبوب.
معالم زراعية
زراعة الحبوب في اليمن تقوم على أشهر ومواقيت محددة، ومعالم زراعية كالنجوم التي يحرص المزارعون على متابعتها لمعرفة أوقات الحراثة وبذر البذور، التي تختلف بحسب نوعية الحبوب وعمرها والتربة التي تُزرع فيها، بالتزامن مع هطول الأمطار الموسمية التي تعتمد عليها ما يزيد عن 60% من الأراضي الزراعية المخصصة لإنتاج الذرة.
وعادة ما تهطل الأمطار الموسمية في اليمن في شهري أبريل ومايو، لتبدأ معها دورة زراعية جديدة، تعود فيها الحياة إلى الأرض بعد فصل الشتاء. لكن التغيرات المناخية هذا العام كان لها دور سلبي في استمرار موجة الجفاف التي تضرب كل المحافظات اليمنية.
وبحسرة وحزن، يراقب المزارع السبعيني سيف غالب، من أبناء مديرية جبل حبشي بمحافظة تعز، مرور موسم الزراعة ومدرجاته خالية من الزرع، الذي يجب أن يكون قد ارتفع عن التربة أكثر من ذراع، حدّ قوله.
يقول غالب إنه حاول استدراك المواقيت من خلال بذر الحبوب على الأرض الجافة لتنبت حين يسقط المطر، لكن الهطول كان خفيفًا جدًا بعد الحراثة، مما جعل الحبوب تنبت ثم تتلف في الأيام الأولى من عمرها.
ويؤكد غالب أن موعد زراعة الذرة الطويلة قد فات، وحتى إذا نزل المطر حاليًا وأعاد الناس زراعة الذرة الطويلة فلن تثمر، وستكون فقط علفًا للبهائم، إلا أنه ما يزال بالإمكان زراعة “الغرب”، نوع من الذرة الحمراء التي تعمر أقل من ثلاثة أشهر.
ارتفاع مستوى البطالة
محافظة إب وسط اليمن، التي تُسمى بالعاصمة السياحية نظرًا لجمال أرضها التي تكسوها الخضرة، وخاصة في المواسم الزراعية، وتمتاز بموقع جغرافي متميّز ومناخ يجعلها تحصل على النصيب الأوفر من الأمطار، إلا أنها هذا العام تشهد الجفاف ذاته الذي تعاني منه بقية المحافظات.
يقول المزارع فارس العديني: في مثل هذا التوقيت، تكون محافظة إب حديقة مفتوحة، تكسو الخضرة سهولها وجبالها، والزرع يغطي كل المساحات والجِرَب، إلا أن الجفاف هذا العام جعل أبناء بعض المناطق يبحثون عن الماء لتغطية احتياجات المنازل.
ويؤكد العديني أن الجفاف سيمثل كارثة على كثير من الأسر التي تعتمد بشكل رئيسي على الزراعة، وسيكون آلاف الناس بمثابة العاطلين عن العمل.
وبحسب البيانات الرسمية، تحتل الزراعة المرتبة الأولى في استيعاب العمالة، حيث تصل نسبة القوى العاملة فيها إلى 54% من إجمالي القوى العاملة في اليمن، مما يجعل الجفاف يشكّل تحديًا كبيرًا، ويرفع نسبة البطالة إلى مستويات غير مسبوقة.
تنوع الإنتاج
تعد الزراعة من أهم القطاعات الاقتصادية في اليمن، وتُساهم في إمداد البلاد بالعديد من المنتجات الأساسية، وبما يقارب 16.5% من الدخل القومي. ويأتي الإنتاج النباتي في المرتبة الأولى في إجمالي الإنتاج الزراعي، بمتوسط يصل إلى 76.5%، وتتربع الحبوب على المرتبة الأولى في قائمة الإنتاج، يليها الخضروات ثم الفواكه والمحاصيل النقدية.
وتستحوذ الحبوب على أغلب المساحة المزروعة بنسبة نحو 57%، بينما لا تتجاوز مساحة البقوليات 3%، وتتوزع النسبة المتبقية (40%) على الفاكهة والخضروات والمحاصيل النقدية والأعلاف والقات، بحسب بيانات الإحصاء الزراعي.
ويزرع اليمن حبوب الذرة والدخن والشعير والقمح والذرة الشامية، حيث ساهم تنوع الخصائص المناخية والتضاريس والتربة، بالإضافة إلى تفاوت معدلات الحرارة والأمطار، في تنوع الأقاليم الزراعية والمنتجات، كما يقول المهندس الزراعي عبدالرحمن القحطاني.
ويوضح القحطاني أن مشكلة الزراعة في اليمن تتمثل في الاعتماد على الأمطار بشكل رئيسي، بينما تعتمد النسبة الأقل على الآبار والسدود والحواجز المائية والغيول، مما يؤثر على استدامة الإنتاج الزراعي.
تراجع المحصول
تبلغ المساحة الصالحة للزراعة في اليمن ما يقارب مليونًا ونصف المليون هكتار، إلا أن المساحة المزروعة تُقدّر بمليون و64 ألفًا و812 هكتارًا. وتتضارب الإحصائيات حول مقدار إنتاج هذه الأراضي من الحبوب، لكن أغلب الإحصائيات تشير إلى إنتاج ما يصل إلى 250 ألف طن سنويًا، وبما لا يغطي سوى 10% من احتياجات الناس.
وخلال السنوات الأخيرة، لعبت التغييرات المناخية دورًا سلبيًا في إنتاج الحبوب، حيث أدّت إلى تناقص المحصول. وبحسب منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، فقد تراجع محصول اليمن من الحبوب في العام الماضي 2024 بنسبة 13%.
وعزت المنظمة الأممية أسباب التراجع إلى التغييرات المناخية، والجفاف، وانخفاض رطوبة التربة، ومنسوب المياه الجوفية.
ويأتي هذا التدهور في وقت يعاني فيه ما يقارب 80% من السكان من انعدام الأمن الغذائي، ويحاول اليمن توفير احتياجاته من خلال استيراد أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون طن من الحبوب سنويًا، بفاتورة تُقدّر بـ700 مليون دولار أمريكي.
ويبقى المواطن متمسكًا بحبال الأمل، بعيدًا عن اليأس من رحمة الله، كما هو حال المزارع علي عباس من محافظة عمران، الذي يقول إن موسم حصاد الحبوب الأول، الذي يُزرع في أبريل/نيسان، قد مر، لكنه يرجو أن يعوّضه الله في بقية الموسم.