تقارير

اقتصاد اليمن في مرمى أزمات الإقليم.. شحنات معلقة وتجار مهددون وأسواق بلا رقابة

30/06/2025, 09:13:11

في قلب أسواق مدينة تعز، يقف التاجر عبدالمجيد الصوفي وسط محله الصغير المكدس بصفائح الزيت وأكياس الدقيق، يتفقد هاتفه بقلق وهو يتابع أسعار العملة المتقلبة كل يوم.

 يقول لـ”بلقيس”: «كل يوم نصحى على سعر جديد، الدولار يقترب من 3000 ريال، وكلما صعد الدولار ارتجفنا. نحن نبيع للناس بالكاد، وأكثر زبائننا يشترون بالديْن».

الصوفي ليس وحده في هذا القلق. في عموم اليمن، يعاني آلاف التجار والمستوردين حالة ارتباك شديدة، بعد أن ازدادت مخاوفهم من تداعيات الحرب التي تشعلها مليشيا الحوثي بين فترة وأخرى وتوسّع التوتر في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ما ينذر بارتفاع إضافي في تكاليف النقل والشحن، سواء للبضائع القادمة من الخارج أو المنقولة بين المحافظات.

تهديد مستمر

الأيام الأخيرة شهدت عودة الحديث بقوة عن احتمالات استهداف ممرات الملاحة في البحر الأحمر من قبل الحوثيين، خاصة مع تلويح إيران بنقل معركتها البحرية إلى هرمز وباب المندب، وتهديد تل أبيب بالرد المباشر على أي تحركات حوثية.

هذه الأجواء تنعكس بشكل مباشر على اليمنيين، بلد يعتمد بنسبة 90% على استيراد احتياجاته من الغذاء والوقود، ويمرّ معظمها عبر الموانئ والممرات المائية المهددة.

ووفق تقديرات غرفة تجارة عدن، ارتفعت تكاليف الشحن والتأمين على السفن المتجهة إلى اليمن بنسبة 35% منذ بداية العام الجاري، مع توقعات بمزيد من الارتفاع إذا استمرت التهديدات في البحر الأحمر. في الوقت ذاته، يواصل الريال اليمني انهياره أمام العملات الأجنبية، مع تجاوز سعر الدولار في صنعاء وعدن حاجز 2800 ريال، ما يعني عمليًا مضاعفة أسعار السلع الأساسية مقارنة بما كانت عليه قبل خمس سنوات.

يقول الخبير الاقتصادي طلال الصلاحي: «نعيش في بلد اقتصادُه لم يعد ينهار بل انتهى فعليًا. ومع ذلك كل تهديد خارجي، أو توتر إقليمي، يزيد من اختناق الناس. الأسعار ترتفع ليس بفعل السوق وحده، بل بسبب الحرب والأزمات العالمية التي تتحملها جيوب المواطنين البسطاء».

في عدن، عقد مجلس القيادة الرئاسي اجتماعًا طارئًا الأسبوع الماضي برئاسة الدكتور رشاد  العليمي لمناقشة تداعيات التصعيد الإقليمي، وحذّر من مغبة زجّ اليمن في صراعات إقليمية، محمّلاً الحوثيين مسؤولية أي تدهور إضافي قد يصيب الاقتصاد والأمن الغذائي. 

لكن على الأرض، لا تبدو هناك إجراءات ملموسة تحدّ من الانهيار الحاصل في سعر الصرف أو تخفّض أسعار المواد الاستهلاكية، وفق ما يقول عدد من التجار .

على الجانب الآخر، يواصل الحوثيون إطلاق التصريحات التي تؤكد استعدادهم لدعم الفصائل الفلسطينية في غزة، حتى لو تطلّب الأمر استئناف استهداف السفن والممرات الدولية. تقرير أصدرته شركة متخصصة في المخاطر البحرية، الجمعة الماضية، حذر من أن أي هجمات جديدة على الملاحة ستدفع الولايات المتحدة لإعادة قصف مواقع الحوثيين، ما يعيد اليمن إلى واجهة الصراع الدولي ويضاعف من اختناقه الاقتصادي.

شاحنات تنتظر 

على مستوى التجارة الداخلية، كشف رئيس نقابة سائقي النقل الثقيل محمد الفقيه  أن قرابة 700 شاحنة تنتظر في ميناء عدن، بعضها متوجهة بمؤن ومواد بناء إلى صنعاء والحديدة، لكنها تعاني من ارتفاع أجور النقل وتكاليف الوقود. وأضاف: «نحن مضطرون لزيادة أجرة النقل بسبب سعر الديزل، لكن التاجر يزيدها على المواطن، فتتحملها الأسرة الفقيرة في النهاية».

في محاولة لاحتواء الوضع، أصدرت هيئة تنظيم النقل البري في عدن قرارًا بخفض أجور نقل البضائع إلى المحافظات بنسبة 20% وتقليص مدة إعادة الحاويات الفارغة للنصف، في خطوة تستهدف تنشيط حركة النقل وتقليل الكلفة النهائية على السوق.

غير أن اقتصاديين يحذرون من أن هذه المعالجات مجرد مسكّنات. فالأزمة اليمنية اليوم مركّبة: حرب طويلة أنهكت البنية الاقتصادية، صراع إقليمي يهدد خطوط الملاحة، حكومة ضعيفة غير قادرة على ضبط السوق، ومليشيا في صنعاء تلوّح بتصعيد قد يغلق ما تبقى من منافذ اليمن على العالم.

يصف التاجر عبدالمجيد الصوفي حال الأسواق بجملة شعبية مُرّة: «المبلل ما يفرق معه المطر». بالنسبة له، ولآلاف العائلات التي تترقب الأسعار كل يوم، الحرب الإسرائيلية الإيرانية وتهديدات باب المندب وتهاوي الريال مجرد فصول إضافية في مسلسل طويل من المعاناة. «نريد سلم حقيقي وحكومة قوية تضبط السوق، قبل أن نغرق أكثر»، يقول الصوفي، قبل أن ينشغل مع زبون يسأله إن كان بالإمكان شراء كيس قمح «على الحساب» حتى نهاية الشهر.

تقارير

في ظل الأزمات والمعاناة.. إلى متى يستمر الصراع داخل مجلس القيادة الرئاسي؟

من بين كل الوعود والمهام المناطة بمجلس القيادة الرئاسي، سواء بموجب إعلان نقل السلطة أو بموجب برامج العمل المُعلَن عنها خلال الأيام التالية لإعلانه، لم يتمكن المجلس من حل أي مشكلة، ولا ساهم في الحد من آثارها.

تقارير

بسبب خلافات الداخل وضغوط الخارج.. اليمن في قلب تحولات المنطقة من دون مكسب

كثير من التحولات التي طرأت على المنطقة خلال الفترة الماضية، ورغم أن اليمن كانت على اتصال بها، إلا أنها لم تنعكس بالإيجاب عليها، للكثير من الأسباب، أهمها أن الأطراف المناوئة لميليشيا الحوثي لا تريد الحسم، لأنه ضد مصالحها الآنية والاستراتيجية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.