مقالات

30 أبريل 1973

30/04/2023, 09:22:47

لا أذكر فترة طال أمد استقرارها وازدهارها في اليمن - منذ ثورة 1962 واستقلال 1967 - من دون أن تُعكّر صفوها أحداث وحوادث ومشاهد الدم والبارود!

ولا أذكر حاكماً يمنياً - في المساحة الزمنية ذاتها - لم يكن مصيره، إما مقتولاً أو معتقلاً أو فارّاً ذليلاً، وإما مخفياً أو منفياً، مشنوقاً أو محروقاً أو مُثلّجاً تحت الصفر!

ولا أذكر نظاماً سياسياً في هذا البلد لم يشهد ظاهرتَيْ: الاغتيال، والتعذيب، في الأنظمة "الرجعية" والأنظمة "التقدمية" على السواء، شمالاً وجنوباً معاً!.

اليوم - مثالاً فحسب - تحضر الذكرى الخمسون لفاجعة طائرة الديبلوماسيين. فمثل هذا اليوم بالضبط - منذ نصف قرن بالتمام والكمال - تمَّ نسف إحدى طائرتين في الأجواء اليمنية، خلال رحلة داخلية بين محافظتَيْ شبوة وحضرموت، كانتا تحملان أكثر من 20 ديبلوماسياً وكادراً سياسياً وإدارياً اشرافياً.

كان معظم هؤلاء يعمل في ديوان وزارة الخارجية أو في السفارات اليمنية - الجنوبية حينها - لدى الخارج، شهدوا يومها المؤتمر الأول للديبلوماسيين اليمنيين في مدينة عدن - العاصمة - في منتصف ذلك الشهر من تلك السنة، وفي مقدمتهم معالي وزير الخارجية محمد صالح عولقي>

ومنذ اللحظات الأولى لهذا الحادث الأليم، أدرك الجميع تقريباً أن الحادث مُدبَّر، لاسيّما أن الضحايا كانوا - جُلّهم انْ لم يكونوا كلهم - من الكوادر المحسوبة سياسياً على الرئيس المُنقلَب عليه في 22 يونيو 1969 (قحطان الشعبي)، أو من غير المَرضي عنهم من النظام اللاحق (ترويكا: سالمين، فتاح وناصر).

إنني لا أكتب بهذا الشأن من أجل نبش ملفات الماضي - المغلَقة كالعادة - لمجرد النبش، أو لإذكاء نار الفتنة - التي لم تخمد يوماً أصلاً - إنما لأن فترة نصف قرن من الزمان كفيلة بإظهار نتائج التحقيقات التي جرت يومها لكشف حقائق وملابسات الحادث. وهذا حق الأجيال - السابقة واللاحقة - على الدولة، وعلى التاريخ، وعلى الضمير الإنساني.

إن اللجنة التي كُلّفت بإجراء تلك التحقيقات - يومها - مُطالَبة بقول ما لم تقُل حتى الآن بهذا الخصوص، أولاً: من أجل الحق في معرفة الحقيقة، وثانياً: لاستخلاص الدروس والعِبر من شواهد الماضي، وثالثاً: وفاءً لأرواح من قضوا في هذا الحادث الأليم، والاعتذار العلني لعائلاتهم وجبر الضرر الناتج عن ذلك الفقد الجسيم.

إن نصف قرن كفيل بإماطة اللثام عن الأسرار التي اكتنفت خبايا وخفايا ذلك الحادث - الجريمة - الكارثة. لاسيما أنني أعتقد جازماً أنه إذا كان غالب من يدري ماذا حدث يومها، ولماذا وكيف، قد رحل إلى العالم الآخر، فإن بعضهم لايزال على قيد الحياة وقادراً على الكلام، ولكنهم - حتى هذه اللحظة - اختاروا الصمت  والانضمام إلى طابور الشياطين الخُرس!

كنا نظن - وبعض الظن إثم بالتأكيد - أن تقييم ونقد الأحداث والحوادث التي شهدتها الساحة السياسية اليمنية من شأنه أن يحِلّ أو يحِدّ من ظاهرة استخدام العنف في الخلاف أو الصراع السياسي، وهو ما صار يُعرف بظاهرة التصفيات الجسدية، وهي ظاهرة يمانية تليدة، مستمرة بوتيرة شديدة منذ فترة مديدة.

حتى يوم سقوط الأنظمة الشطرية من روزنامة التاريخ وقيام دولة الوحدة في 22 مايو 1990، أثمْنا باعتقادنا أن شواهد الرعب والدم والبارود قد ولّت، ولو إلى حين بعيد. غير أن هذه الشواهد عادت لتعُمّ البلاد، بعدها بأقل السنين وبأسوأ الصور.

وفي هذه اللحظة بالذات، أجدني أقف دقيقةً حِداداً على أرواح ضحايا 30 أبريل 1973، مستذكراً رفيقهم في هذا الحادث الكارثي الأليم، الأديب محمد عبدالولي، عبر عبارته الخالدة الأليمة للغاية، التي جاءت على لسان أحد أبطال إحدى رواياته، حين قال بالنص: "هناك سِرٌّ ما في بلادنا هذه. إنها جرداء وقاحلة، لكن الأمل في ألاَّ يقتلنا هؤلاء الذين لا قيمةَ إلاَّ لبندقياتهم"!

وتشاء حماقة الأقدار أن يقترف "هؤلاء الذين لا قيمة إلاَّ لبندقياتهم" جريمة قتل عبدالولي نفسه.

مقالات

عن الكتابة

تاريخ الكتابة هو محاولات مستمرة لتجاوز الهوة الفاصلة بين الإحساس الحقيقي والنص المكتوب. كل المشاعر الحقيقية هي في الواقع غير قابلة للترجمة.

مقالات

حكاية الكافرة شجون ناشر (1-2)

في "سنة الجُدَري"، شاع الخبر في "قرية العكابر" بأن شُجُوْن ناشر كفرت بربّها، ودخل الشك إلى قلبها، وتوقفت عن الصلاة، وبدلاً من أن تصلي صارت تغنِّي، وأصبح الغناء صلاتها.

مقالات

العليمي: مأرب بوابة النصر القادم

بعد الهجمات الحوثية على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، أصبح من الواضح للجميع، سواءً على الصعيد الإقليمي أو الدولي بما في ذلك القائمون على مشاريع السلام الدولية في اليمن، بأنه بدون مأرب قلعة الصمود والاستبسال والاستعصاء فإن الحوثيين لن يتوقفوا حتى يصلوا إلى آخر نقطة على حدود عُمان.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.