مقالات
نتنياهو والالتفاف على خطة ترامب
لا أحد يعلم ما الذي يريده بعد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، من الإصرار على الاستمرار في اختلاق الذرائع لاستئناف الحرب على غزة، رغم قبوله باتفاق وقف إطلاق النار المبرم بمقتضى خطةٍ الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، ورؤية قمة القاهرة لإحلال السلام.
الواضح أن الرجل يعتقد أن المزيد من التصعيد في غزة وجنوب لبنان يمكن أن يؤدي أولاً إلى إلغاء مذكرات التوقيف الاسرائيلية والدولية الصادرة في حقه مقابل وقف الحرب بما يمهد الطريق أمامه ثانياً للترشح لرئاسة الحكومة الاسرائيلية المقبلة، وإن كانت له أيضاً أهدافاً استراتيجية أخرى بعيدج المدى.
لكن كل المؤشرات تجمع على أن نتانياهو ذاهبٌ حتماً للمثول امام المحكمة سواء بسبب الفظاعات وجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها قواته في غزة أو بدونها فالحساب بينه ومعارضيه في الداخل الإسرائيلي لا يزال طويلاً وعسيراً ولا يمكن تأجيله إلى مالا نهاية بذريعة استمرار الحرب في قطاع غزة.
ما كان متوقعاً هو أن يقوم نتنياهو بافتعال هذه الذرائع لإعاقة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار عبر القيام بشن موجات من الهجمات العنيفة على أنحاء متفرقة من قطاع غزة بدعوى الرد على تعرض قواته لهجوم من قبل حركة حماس التي نفت علاقتها بهذا الهجوم، نافيةً علمها بما حدث في جنوب قطاع غزة، خصوصاً أن هذه الأحداث التي استنفرت إسرائيل للرد عليها تحت شعار الدفاع عن النفس جرت في منطقة تقع تحت سيطرة قوات الاحتلال.
لا يريد نتنياهو أن يدع مجالاً لتنفيذ خطة حليفه الرئيس الأميركي التي قبلها على مضض رغم أنه تم تصميمها بمقاس رغباته وطموحاته والمعايير العسكرية والجيوسياسية التي توفر الأمن التام والمريح لدولة الاحتلال برعاية وضمان أغلب دول العالم التي تعهدت في قمة شرم الشيخ بإصلاح ما دمرته حرب نتنياهو في قطاع غزة، وعلى نفقتها!
اليوم يحاول نتنياهو استباق الحديث عن تنفيذ الجزء (ب) من خطة ترمب بفرض ما يسميه "الخط الأصفر" الذي يعني ضمنياً تقسيم القطاع بين شرق تسيطر عليه قواته مع اتصال له بالبحر من جهتي الشمال والجنوب وغربٍ محاصرٍ تسوده الفوضى، ويعتزم نتنياهو طرح مبادرة للبدء في بإعادة إعمار شرقي القطاع وتأهيله بشبكةٍ من الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والصرف الصحي والصحة والتعليم وغير ذلك مما يمكن في اعتقاده أن يشكل عامل جذبٍ لانتقال سكان غرب القطاع إليه بما يسهل على حد زعمه عمليات رفع ملايين الأطنان من الأنقاض والبدء في اعادة إعماره، ويزعم نتنياهو أن خطته التجريبية هذه في شرق القطاع يمكن أن تشكل نموذجاً جاذباً لما يمكن البناء عليه في بقية مناطق القطاع مستقبلاً.
في الوقت نفسه يصر نتنياهو على تسليم حركة حماس لسلاحها والقبول بألاّ يكون لها دورٌ في مستقبل غزة، والإسراع في عين الوقت بتسليم جثامين بقية المحتجزين الإسرائيليين المطمورين تحت أطنان الركام، وكلاهما مطلبان تعجيزيان لا قدرة لحماس على القبول بهما من حيث المبدأ، أو تلبيتهما من الناحية العملية.
يتعامل نتنياهو مع خطة ترمب بشأن غزة برغم كل المآخذ والتحفظات عليها بانتقائية مفرطة في أنانيتها، وكذلك بمحاولة الالتفاف على طريقة تنفيذها والآليات الزمنية المقترحة لتطبيقها.
اقترح ترمب أن تتولى حماس (مؤقتاً) ضبط الأمن في المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي منعاً لفراغ السلطة .. اقتراح جاء على الأرجح بحسن نية مفترضة، وإن رأى البعض في ظاهره خيرٌ وفي باطنه شرٌ مستطير، ولم يعترض نتنياهو على ذلك لإدراكه أن ترمب لن ينتبه سوى متأخراً أن حماس تعاني من "وجود بعض المتمردين" بداخلها ممن لن يترددوا في القيام ببعض أعمال العنف والممارسات الطائشة التي لابد من ان يستغلها نتانياهو في التدخل لإحداث المزيد من الفوضى وعرقلة خطة ترمب لوقف إطلاق النار واحلال السلام في غزة وفق ما نصت عليه خطة ترمب وقرارات قمة شرخ الشيخ، وقد بدأ ذلك واضحاً من خلال إعلان نتنياهو أنه لن يتخلى عن دعم "الميليشيات الفلسطينية التي قاتلت إلى جانب الجيش الإسرائيلي" خلال الحرب في غزة، وفق ما جاء حرفياً على لسانه.
نتانياهو تحديداً، هو أحد أسوأ الساسة الاسرائيليين الذين تربعوا على قمة الحكومات الاسرائيلية، أولاً من حيث عدم إيمانه بفكرة السلام وتصميمه على دفن القضية الفلسطينية والتخلص من كابوس (حل الدولتين) وثانياً لجهة براعته في تحويل أي تفاوض حول أي اتفاق للسلام إلى بحرٍ من التفاصيل التي لا تنتهي ويحتاج الاتفاق على أبسط واحدةٍ منها إلى سنواتٍ بل عقودٍ من الزمن.