مقالات

معركة النفس الأخير

28/07/2025, 12:47:09

نهاية صالح تشبه نهاية العقيد الليبي معمر القذافي. تقديري أن كل من شاهد الفيلم الوثائقي في قناة العربية، أو البعض منهم، سيخرج بهذه النتيجة.

ريحة الموت التي ظلت تلاحق صالح لساعات، وهو يدرك دنو الأجل، تشبه سيناريو مصير القذافي الذي لاحقته جموع الثوار في ليبيا.

الفارق أن صالح قتلته جماعته التي تحالف معها، أو بمعنى أصح سلم لها "الجمل بما حمل"، من أجل الانتقام من ثوار سلميين.

المفارقة أن أنصاره لا يكفون أذاهم عن مدنيين قضوا زهرة شبابهم في ساحات التغيير برصاصات بلاطجة وقتلة عديمي رحمة تابعين له، فيما هم رحماء وكرماء تجاه قتلته الحقيقيين.

مع ذلك، وفي مناسبات عدة، لا يتورعون عن إدعاء الحكمة والتعقل بدعواتهم إلى الاصطفاف الوطني، وتدارك ما فات.

ثمة كمية زيف وخطابات شعبوية عديدة على خلفية سقوط البلد في قبضة الحوثيين. يأتي مثالاً، وعلى هيئة مخادعة، القول: "كلنا أخطأ"؛ هذا القول يرضي فئة لا تضمر حقيقة الاصطفاف الوطني، بقدر ما يرضي شيئًا في نفسها.

أما الصحيح، فإذا وسعنا دائرة المسؤولية، فيمكن حتى أن نخاطب الحجر الذي كان سببًا في تعثر فرد من أفراد الجيش الوطني في أرض المعركة، وسنقول له: أنت مسؤول عن سقوط البلد.

يجب أن نسمي الأشياء بمسمياتها. التنازل عن أشياء جوهرية خيانة للذات.

المثال الآخر للشعبوية، هو خطاب الشماتة المتكرر ضد الآخرين عن هروبهم من البلاد خوفًا من بطش الحوثيين وأجهزة نظام صالح نفسه، أثناء ما كانت أجهزته لا تزال حاكمة في صنعاء.

صالح، وكما أكد نجله في الفيلم الوثائقي، قُتل أثناء محاولته الفرار من معركة الثنية إلى سنحان، ولا يعيبه الخوف من الموت أو الفرار إلى أرض معركة أخرى، هذا إذا مشينا مع روايتكم.

لا يوجد شخص يحمل عقلًا طبيعيًا سيعد خروجه من منزله وهروبه من الموت إلى مكان آخر شيئًا معيبًا في حقه.

ما فعله طبيعي، وأي قائد عسكري مهما بدت شجاعته، سيفعل مثله.

الشيء الذي نختلف عليه، هو محاولة أنصاره اعتبار قتاله في معركة اللحظة الأخيرة بطولة عظيمة، تمسح خيانة تحالفه مع الحوثيين.

اعتبار أيضًا النهاية التي اختارها سجلًا عظيمًا في سفره الملطخ بخاتمة سوء لا خلاف عليها.

لا نقصد نهاية الموت. النهاية التي قررها للثأر لنفسه فقط، موجهًا خطابه الأخير: "أيها الشعب اليمني: ثُر، ثُر من أجل علي عبد الله صالح".

نحن نختلف معكم في النهايات. النهاية التي قرر أن يختتم بها مسيرة حياته قبل الموت، وهي تسليمه البلد للإمامة، وليس التحالف معها كما يُشاع.

الفرار من الموت شيء طبيعي. لكن ما هو غير طبيعي أن تحسبوا تلك المعركة والشهقة الأخيرة كفارة لخيانته العظمى ونصر عظيم في سفر تاريخه، وأنها تجب ما قبله.

الشيء الآخر، هو المزايدة بها علينا وكأنها اجتراح تاريخي غير مسبوق، رغم أنه من الطبيعي أن يواجه، فأين المفر؟

تصوروا، رجل ظل على سدة الحكم لأكثر من ثلاثة عقود وبيده مقاليد كل الثروات وممكنات السلطة، وقد سلمها فجأة في نزوة انتقام، فطبيعي أن يقاتل لاستردادها.

المدة كانت لا تزال قصيرة بين التسليم والاستلام، وشهوة السلطة وزينتها طاغية على التفكير السليم بالعواقب.

صالح ليس ناشطًا مدنيًا، ولا قائدًا عسكريًا أو سياسيًا عاديًا، فلماذا تُقزموه بمقارنات شعبوية بلهاء؟

الأهم، ستظل معركته الأخيرة أو نهايته عبرة للتاريخ. جيل كامل كان يتساءل: كيف سينتهي هذا الحكم والهيلمان؟ حتى ظنوا بأنه سيُخلَّد.

حتى لو كان صالح قُتل في منزله وليس في الطريق أثناء محاولته الفرار إلى قريته، وهي الرواية التي أكدها وثبتها نجله في الفيلم الوثائقي.

ما البطولة التي تستدعيها مناسبة حاكم لأكثر من ثلاثين سنة، وهو ينسفها بخيانة عظمى للجمهورية ولتاريخه وتاريخ أسرته، بشهوة انتقام جبان لحثالة التاريخ؟

مخازن سلاح ومعسكرات وقيادات عسكرية وقبلية، كل مقتنيات الجمهورية والدولة، وضعها في خدمة التمرد والانتقام.

هذه خيانات موثقة بالصوت والصورة ولا زالت طرية، دون حاجة إلى وثائقيات من جار أذى.

هذا الخراب المبذور في الجغرافيا وكل قطرة دم مسفوكة في هذه البلاد، يتحمل وزرها مع هادي ووزير دفاعه الجبان، عن سبق إصرار وترصد.

مقالات

اليمن في قلب حرب صامتة

لم تعد الحروب في هذا العصر تتطلب إعلانًا رسميًا أو دويًا للمدافع كي تبدأ، فقد دخل اليمن، ومعه عدد من دول الإقليم، في مرحلة "الحرب الصامتة"، أو ما يُعرف في الأدبيات الإستراتيجية الحديثة بحروب "الجيل الرابع والخامس"، حيث تُخاض المعارك دون جبهات تقليدية، بل عبر أدوات خفية تتمثل في الحصار الاقتصادي، الإغراق الإعلامي، تفكيك مؤسسات الدولة، وإعادة إنتاج الفوضى بأساليب غير معلنة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.