مقالات
مستقبل الشرعية اليمنية إلى أين؟
في خضم الأحداث والتحولات التي يمر بها اليمن حالياً، كسائر دول المنطقة، جاءت إقالة أو استقالة رئيس الحكومة اليمنية السابق (أحمد عوض بن مبارك) لتكشف، ليس فقط عن أزمة بنيوية مركبة تعانيها جميع مؤسسات “الشرعية”، أي القيادة والحكومة، بل لتوضح عمق تلك الأزمة، سواء على مستوى الأداء السياسي أو المالي والإداري، أو على صعيد تعثّر محاولات معالجة الوضع الاقتصادي، الذي يشهد تدهوراً ملحوظاً يتمثل في شُحّ واردات الدولة من قيمة النفط والغاز بعد استهداف جماعة الحوثيين لموانئ التصدير والتهديد بمهاجمة الناقلات القادمة إليها، والتراجع الحاد لسعر العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، وما يترتب على ذلك من غلاء في معيشة المواطنين وحصولهم على قدر مقبول من احتياجاتهم الضرورية.
تلك الخطوة أتت بعد أسابيع من الجدل والخلافات بين بن مبارك ورئيس مجلس القيادة الرئاسي (رشاد العليمي)، استعصى تجاوزها، بسبب ما وصفه رئيس الحكومة المنصرف برفض الأخير إجراء تعديل وزاري طالب به بن مبارك يطال 12 وزيراً، وذلك في إطار ما قال إنها “حزمة من الإصلاحات”، ما اضطره إلى تبرير استقالته بأنها جاءت نتيجة “عدم تمكيني من ممارسة صلاحياتي الدستورية” وإجراء التعديل المستحق، وفقاً لنص الاستقالة.
تعديل حكومي أم تغيير في السياسات؟
يجمع كثيرون داخل الحكومة الشرعية وخارجها على أن الحل للأزمة الداخلية للحكومة ليس في استبدال رئيسها مع بقاء أعضاء فريقه الوزاري في مواقعهم ذاتها، أو حتى بتدوير هذه المواقع على نفس الأشخاص، قدر ما يكمن في “إصلاح منظومة إدارة الدولة والنهج العام” وإعادة رسم السياسات وآليات صنع القرار، بما يؤدي إلى إعادة إحياء مؤسسات “الشرعية” من جديد، بما يمكنها من العودة إلى القيام بمسؤوليتها في استعادة الدولة اليمنية، التي تهاوت أركانها بعد انهيار حكم الرئيس الأسبق (علي عبدالله صالح) عام 2012، واستيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء وفرض “سلطة أمر واقع” فيها لم تجد قبولاً لدى أغلب اليمنيين أو على مستوى المنطقة وحتى العالم.
أصداء وآرا
كما هو الحال داخل مؤسسة الشرعية، والملاحظات العلنية لبعض أقطابها، فقد نظر كثير من القوى الحزبية والنخب، وحتى بعض الشخصيات العامة، إلى الإجراء الذي قام به رئيس مجلس القيادة الرئاسي بتعيين وزير المالية، سالم صالح بن بريك، رئيساً للحكومة، خلفاً لبن مبارك، على أنه غير كافٍ ولم يلامس جوهر المشكلة، وأن إصلاح أوضاع “الشرعية” يتطلب الذهاب إلى ما هو أبعد وأكثر من مجرد “التدوير” إلى “التغيير”، باعتبار أن هذا بات أولوية في المرحلة الراهنة كأساس لاستعادة الدولة من الحوثيين، ولملء فراغ السلطة الذي يمكن، وفقاً لبعض التوقعات، أن يحدث عاجلاً أم آجلاً في حال لحقت بالحوثيين هزيمة كاملة تجبرهم على مغادرة صنعاء وبقية مناطق سيطرتهم الواسعة شمال غرب البلاد.
كما وجّه الكثير من الناشطين الموالين للشرعية والمناوئين للحوثيين انتقادات صريحة وصلت إلى حد السخرية والتهكم والتشكيك في جدية سلطات الشرعية لإصلاح نفسها وتحسين أدائها، لكن هذا لا يعني بالضرورة مؤازرةً لرئيس الوزراء المقال أو المستقيل، فثمة من أبدى “ارتياحاً للإطاحة به” بعد سلسلة من الاتهامات الموجهة إليه بشبهات فساد، وإن لم يقدم أحد حتى الآن براهين ملموسة عليها.
وعلى خلفية ذلك، كانت محافظتا عدن وتعز، على الأقل، قد شهدتا احتجاجات وتظاهرات منددة بتردي الخدمات الأساسية وعجز الحكومة عن معالجة هذه الحالات.
من يحكم البلاد؟
كان (مجلس القيادة الرئاسي) قد تشكّل بموجب قرار أصدره الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي في الـ7 من أبريل 2022، أعطى من خلاله تفويضاً كاملاً بصلاحياته الرئاسية وصلاحيات نائب الرئيس لصالح المجلس، وذلك لصالح (رشاد محمد العليمي) و7 أعضاء بدرجة نائب رئيس.
وعُهد إلى هذا المجلس بمهام «إدارة اليمن سياسياً وعسكرياً وأمنياً طوال المرحلة الانتقالية»، كما جاء في نص القرار.
تشكّل هذا المجلس على إثر “مؤتمر وطني” استضافته الرياض، خلصت مداولاته إلى ضرورة إجراء تعديل هيكلي على رأس مؤسسة الرئاسة، التي تكرّر اتهامها بـ”الضعف”، أملاً في توحيد القوى السياسية والعسكرية المناهضة للحوثيين، وتم تفويض المجلس بقيادة عملية سياسية أو عسكرية لوضع نهاية للحرب الأهلية الدامية واستعادة الدولة الوطنية.
غير أن تجربة هذا المجلس اصطدمت بصعوبات جمّة، داخلية تمثلت في إدارة شؤون البلاد من خلال حكومة موحدة جابهت الكثير من الملفات الاقتصادية والعسكرية والأمنية الصعبة، وبدت هذه التجربة مخيبةً للآمال التي جرى التعويل عليها وتحتاج إلى إصلاحٍ وإعادة نظر.
يتبع الأسبوع المقبل.