مقالات

دستور طارق!

30/06/2025, 17:24:12

ربما ليس علينا الآن تذكير اليمنيين بطارق صالح، مدرب قناصة الحوثي والقائد الميداني ذي الوجه الشاحب الذي كان يقاتل، بإخلاص، كتفاً بكتف مع مجرم الحرب أبو علي الحاكم تحت قيادة عبدالملك الحوثي.

كما يتعين علينا، أيضاً، النسيان المؤقت لمواقفه بعد مقتل عمه، حين فر إلى مناطق الشرعية ورفض الاعتراف بسلطة الرئيس هادي، وهو يردد الشعار الشهير "شرعيتي بندقيتي"، رغم أنه لم يكن يمتلك بندقية تخصه.

ما يعنينا اليوم هو طارق صالح آخر، ممتلئ الوجه، أصابته شرعية "مجلس القيادة" بالتكرش.

لنترك كل ما يتعلق بالتاريخ جانباً لبعض الوقت، ولنهتم أكثر بعضو مجلس القيادة الرئاسي الذي ضُبط قبل أيام متلبساً وهو يطالب، عبر قفاز "المكتب السياسي"، بالعودة إلى مرجعية "الدستور والقانون".

هذه الشخصية المتحولة في لحظتها الراهنة جديرة بالتأمل والنقاش، فالمفترض أن الرجل بدعوته الأخيرة قد نبه اليمنيين إلى ما يجب التمسك به، حتى لو كان قديماً ويعيدنا إلى منظومة نظام عمه.

في الواقع، لم يعد الدستور اليمني هو المرجعية الوحيدة الحاكمة لمرحلة ما بعد 2011. هناك سلسلة تبدأ بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وربما أنها لن تنتهي بوثيقة نقل السلطة التي أنتجت مجلس القيادة الرئاسي في غرفة مظلمة في الرياض في أبريل 2022.

ومع أن جدلاً كثيراً قد دار حينها عن عدم دستورية الإجراء، فإن طارق صالح طالب، في مناسبة نادرة، بالالتزام بمرجعية الدستور والقانون.

اللافت أن مطالبته هنا كانت محددة؛ فهو لا يطالب بتطبيقه في كل ما يتصل بالشأن العام كما هو مفترض، بل في نقطة وحيدة ليست موجودة في الدستور أصلاً: نقاشات مجلس القيادة الرئاسي واجتماعاته!

ليس مهماً الآن الخوض في الأزمة التي تدور بين طارق صالح ورئيس مجلس القيادة الرئاسي أو في الصراعات بين أركانه. 

تشكيل المجلس لم يكن حلاً أصلاً، بل توخى منه الفاعلون الإقليميون الذين أحدثوه، إنتاج دوائر صراع إضافية في إطار نهج إدارة أزمة يمنية طويلة.

المثير أن طارق صالح، الذي يطالب بإعمال الدستور والقانون في ما لم ينص عليه الدستور أصلاً، هو ذاته من يدوس على ما تبقى منه ذهاباً وإياباً تحت سلطته المطلقة في المنطقة التي يسيطر عليها.

الدستور اليمني والقوانين تفيض بالمحظورات التي ينتهكها طارق صالح ليلاً ونهاراً، بعضها تصنف كجرائم جسيمة، وبعضها تُعد خيانة: إنشاء تشكيلات مسلحة خارج مؤسسة القوات المسلحة والجيش، ارتباط مباشر وعلني بدولة أجنبية تمول وتوجه، تداخل سياسي وعسكري ممنوع بنص القانون، وامتلاك أجهزة أمنية واستخبارية خاصة وسجون سرية.

فما المشروعية الدستورية والقانونية التي تؤطر عمل المقاومة الوطنية والمكتب السياسي؟

أيّ دستور يسمح لك بهذا النوع من العلاقات مع دولة تدفع رواتب المقاتلين وتستلم منها مئات الملايين من الدولارات خارج سيطرة ورقابة الحكومة اليمنية التي ترأس اجتماعاتها أحياناً مع مجلس القيادة الرئاسي؟

أما الاستيلاء على الممتلكات العامة وتحمّل المسؤولية حيال حياة المواطنين، واستحقاقات ما بعد الحرب، فهذا ميدان آخر بَرَع فيه الرجل الذي يحاول صناعة بريق زائف حول نفسه.

هنا سنكون مضطرين لاستدعاء طارق صالح الحوثي من الأرشيف.

عندما كان طارق صالح ما زال يقاتل في الضفة الأخرى من الساحل مع مجرم الحرب عبدالملك الحوثي، كان المحافظ علي المعمري، الذي أعاد تأسيس كل شيء من الصفر، يبشِّر المواطنين بقرب افتتاح محطة المخا الكهربائية.

من المفترض أن المخا وتعز أيضاً تنعمان بالكهرباء العمومية الآن، منذ تم إصلاحها قبل سبع سنوات على الأقل، غير أن المحطة تم تعطيلها في عهد رمز "الإنجازات"، وجرى تحويل مرافقها إلى مخازن للمشتقات النفطية التي يتاجر بها هوامير طارق صالح!

وبدلاً من الكهرباء العمومية، هناك شركة مقرّبة من طارق تزوّد المواطنين بكهرباء تجارية.

وبينما لم يُعد بناء منزل واحد لمواطن من المديريات التي دمرتها الحرب، شيّدت له الإمارات مدينة سكنية كاملة لقواته بسرعة، في أوجّ المواجهات مع الحوثي، وكأنه كان يعرف منذ البداية أن وجهة الحرب ليست صنعاء!

في "جمهورية طارق" يُستنسخ حكم العائلة بغطرسته وسماته العصبوية ذاتها، مع ملامح من سلطة الحوثي.

هناك بسط واسع على أراضٍ شاسعة من أملاك الدولة، وأحياناً أملاك مواطنين، والتصرّف بها لمصلحة نافذين، مع عناية خاصة بالقادمين من مناطق معينة خاضعة لسيطرة الحوثي، يقابل ذلك منع وقيود على أبناء المديريات الساحلية ومحافظتي تعز والحديدة.

في بنية التشكيلات العسكرية، هناك شكل من السياسة الهوياتية، حيث يُمَكَّن أبناء مناطق معيّنة إلى درجة أن القادمين من المناطق القبلية الخاضعة لسيطرة الحوثي دائماً ما يكون لهم الأولوية في القيادة، وما زال غبار معركة الهجمات ضد اليمنيين في وجوههم.

هنا يتجلى طارق صالح وتشكيلاته وممارساته وتوجهاته باعتباره طموحاً لاستعادة نظام قديم كان سبباً مباشراً في إنتاج الكارثة الحوثية، قبل تمكينها عسكرياً بالانقلاب.

لم يسيطر الحوثي على صنعاء بأتباعه الشعث، بل من خلال ما يُفترض أنها مؤسسات دولة كان طارق صالح وعائلته يتحكمون بها، وهو الشبح الذي يُعاد بناؤه اليوم بإسناد خارجي.

المفارقة أن هذا المشروع الذي يجري تسمينه خارج مؤسسات الدولة وعلى حسابها، يُغلف اليوم بخطاب دعائي مفرط بهدف بناء سمعة غير موجودة فعلياً، يستعير شعارات الدولة والدستور، في حين هو قائم على نقيضها.

إنه مشروع العودة إلى الوراء عبر واجهة حديثة، لكنها -بلا شك- ستكون مستحيلة.

إنه جزء من مظاهر الاستثمار الخارجي لأزمة يمنية طويلة. 

خلف هذا المشروع تندفع أطماع إقليمية لا يعنيها الحوثيون، ولا اليمن، إلا بقدر ما يحقق لها النفوذ والهيمنة على حساب الشعب والدولة.

مقالات

وسائل التواصل الاجتماعي .. كيف شوَّهت صورة اليمن أمام العالم؟

بعد أن لم يعد لدى اليمن برلمانٌ واحدٌ ينعقد بانتظامٍ لمناقشة أحوال البلاد وقضاياها المصيرية، ولا صحافة تتمتع بقدرٍ معقولٍ من الحرية والاستقلالية، لا بأس من أن تصبح بعض المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي ساحةً لتناول تلك المسائل والهموم.

مقالات

طارق صالح: من عبء على الحوثي إلى عبء على الشرعية

حين استولى الحوثيون على العاصمة صنعاء عام 2014، بدت الحاجة إلى أدوات صالح العسكرية والبيروقراطية ضرورة مرحلية. كان كمن يفتح لهم أبواب القلعة التي سيتحول لاحقًا إلى أسير داخلها. بقيت الحاجة لصالح إلى أن نجحت العصابة الحوثية في تجريده من أوراقه، وإلحاق أدواته بها، وإعادة تكييف أتباعه داخل الجهاز الإداري والعسكري للدولة، وربط مصالحهم بها مباشرة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.