مقالات

مذكرات المشايخ والساسة

20/01/2025, 17:33:04

تبقى كتب السيرة الذاتية أكثر الكتب جاذبية للقراء في أنحاء المعمورة، ونقصد بها الكتب التي يكتبها الشعراء والأدباء والمفكرون والفلاسفة، وأرباب الكلام والأقلام، حيث تتلوّن كتاباتهم بشحنة وجدانية وشعورية عالية.

عكس المذكرات السياسية، التي يقوم أصحابها بإملائها على صحفيين أو كُتاب  مستأجرين، مصحوبة بوثائق أو بدون وثائق تؤكد أو تؤيد صحة كلامهم، أو مواقفهم السياسية؛ لأن السياسي كائن مخاتل عاش على الخداع  السياسي، وخداع المواقف، بعيدا عن الحقائق، وقريبا من الواقع المُر الذي يعيشه الناس في إطار جغرافي معيَّن، وخاصة في اليمن.

ازدهرت كتابة السيرة الذاتية في القرن العشرين تحديدا داخل الوطن العربي، لكنها قدِمت -مثلها مثل غيرها من الأجناس الأدبية- من أوروبا والغرب والشرق عموما، وليس بعيدا أمريكا اللاتينية، التي أحدثت نقلة نوعية كبيرة في كتابة الرواية.

وبين المذكرات السياسية والسيرة الذاتية قد يكون هناك بون وفرق شاسع من ناحية، وخيط رفيع من ناحية أخرى، أو ما يمكن تسميتها ب"شعرة معاوية" -إذا جاز لنا التعبير البوهيمي؛ الذي لا يعرف أبدا قانونا.

وللأسف الشديد، لم ينجح جميع الساسة اليمنيون، الذين كتبوا مذكراتِهم، حتى الآن، حيث ظهرت أكثرها كتابات تقريرية سطحية لا تغوص في أعماق الواقع اليمني المُر، الذي يزداد مرارة بتقادم الأيام والسنوات.

فهي إما بين تمجيد للذات المتضخمة، أو تمجيد للقبيلة، ولا يربط بين صفحاتها رابط، وظهر جميع من سكبوا مداد أموالهم على الورق بعيدين كل البُعد عن اليمن وطنا وإنسانا؛ لأنهم مجرد مشايخ لا يعرفون شيئا عن التجرد من أنانيتهم وذواتهم المتضخمة.

لا يمكننا الجزم بأن هناك من أحب اليمن أكثر من حبه لمصالحه السلطوية والمادية، ولذلك تبدت هذه المذكرات، التي ظهرت، كمذكرات سياسية باهتة، خالية من الحقائق التي ترصد مشاكل اليمن العميقة بدقَّة ومصداقية وأمانة.

كل من كتبوا المذكرات حاولوا التملّص من التاريخ، ومن الوطن، ومن الحقيقة، ولعلَّ من صاغوا هذه المذكرات وحوّلوها إلى حبر وكلمات ومازالوا أحياء على هذه الأرض يدركون ذلك أكثر من غيرهم، ويفترض بهم الرجوع إلى ضمائرهم، ونسف المذكرات التي تستحق النسف.

إذا لم يكن السياسي هو مهندس مذكراته، وهو الذي يسطر ويدبّج الصفحات، لن نحظى بمذكرات سياسية تقرأها الأجيال، أو يكتب لها الحياة، بل هي مذكرات تموت بعد أصحابها بزمن وجيز وعاجل، أو تموت بموت صاحبها.

لا نريد أن نسرد أسماء المذكرات السياسية، وأصحابها، وكُتابها، ومن أشرف عليها، ولا ذكر مقصَّات الرُّقباء، وهذا التطاول الزمني، والحذر الشديد قبل صدورها على قلَّتها القليلة.

واستثناء فقط، نشير إلى مذكرات الرئيس عبد الرحمن الإرياني، التي صدر الجزء الرابع منها قبل أيام، في زمن أغبر، لم يعد أحد يلتفت لهراء المذكرات السياسية اليمنية.

وللأسف الشديد، أولئك القلة، الذين يتمتعون بالقدرة على صياغة وتدبيج مذكراتهم بأقلامهم، عازفون عن ذلك؛ ليصلوا إلى طريق الموت بأقل الخسائر.

وحده محسن العيني كُتبت مذكراته بجزء من الأسلوب الأدبي السلس والمشحون بالذات الوطنية، رغم خطورة الرِّمال التي حاول التحرّك من خلالها للوصول إلى الحقيقة.

لا جدوى حتى الآن من مذكرات سياسية لسلطوي فاسد يحاول ارتداء ثياب الوطنية والنضال الزائفة.

الكتابات الوحيدة، التي شخَّصت مشاكل اليمن واليمنيين، وغاصت في أعماق المعضلة، هي تلك المقالات المتناثرة التي كتبها السياسي اليمني الفذ محمد أحمد النعمان الابن، والتي لم يطلق عليها مسمى "مذكرات سياسية".

ولقد قرأنا مذكرات الأستاذ النعمان المبتسرة، واستمعنا إليها مسجلة، التي بدت مملة، تغوص في تفاصيل التفاصيل، وللأسف فقد توقفت عند فترة محددة لا تفيد أحدا.

لكن هناك صراعات حقيقية في داخل بيت النعمان أودت بمذكرات الأستاذ السياسية، التي كتبها بنفسه، باعتباره أديبا وخطيبا مفوها، إلى الضياع والشتات والجليد، كما عاش هو في أرض الشتات والجليد بعد أن رحل إلى بعيد عن اليمن ومشاكلها، التي لا نهاية لها.

ولعلَّ قصيدة الفضول:
 "يا من رحلت إلى بعيد"، التي كانت مرثية للنجمين السياسيين (الأب والابن)، خاتمة الحكاية.

لن تنجح أو تصل إلى أعماق وعقول الناس مذكرات سياسية بلهاء خالية من المشاعر الوطنية والوجدانية والإنسانية يكتبها صاحبها بقلمه وإرادته وموهبته ووطنيته، أما ما يكتب إملاء، أو على مقاولي كتابة، فهي تظهر ميِّتة، بل وتظهر وقد شبعت موتا، و"الضرب في الميِّت حرام".

لذلك لا نعوِّل في اليمن على مذكرات مشايخ أو رؤساء ضعفاء.

في اليمن، لا أحد يجرؤ على كتابة مذكرات سياسية حقيقية، بل ثبت أنهم جميعا يكتبون مذكرات تشبه أفلام السينما الهندية.

نحن -اليمنيين- اليوم في زمن مختلف، لم تعد تجدي نفعا معه لا مذكرات سياسية ولا يحزنون.

وللحديث بقية....

مقالات

عجائب الحروب مع الأعداء

تتبدّى لنا غرابة التفكير العربي في الوقت الراهن من حيث تقديم عدو وتأخير آخر، مع أن كليهما عدوان سافران واضحان بعداوتهما بلا هوادة.

مقالات

الوصول إلى الحوثي عبر الحرس الثوري

على مدى العقود الثلاثة الماضية، أظهرت العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران قدرة مدهشة على الجمع بين التنسيق والتعاون والتنافس، خصوصًا في ملفات أفغانستان والعراق. لم تتردد واشنطن في نسج خيوط تعاون غير مباشر مع طهران أثناء غزو العراق وبعد سقوط نظام صدام، وتطور التعاون لاحقًا إلى مستوى من التحالف والشراكة في قمع المكوّن السني، ومنع سقوط الحكومة العراقية الموالية لكلٍّ من الولايات المتحدة وإيران، تحت ذريعة الحرب على تنظيم القاعدة، ولاحقًا داعش.

مقالات

أفول إيران.. بقاء الحوثي!

معركة كسر العظم التي تدور الآن بين الكيان الصهيوني وإيرن، تعيد الحوثي إلى المشهد، ليس فقط بالمشاركة المنسقة في المعركة إلى جانب طهران، بل باعتباره ذراعها المركزي لمواجهة الغرب

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.