مقالات

متى كانت الحكمة يمانية؟

22/06/2024, 17:00:47

هناك في أدغال التاريخ مقولات مزيفة تصف شعبا بالحكمة، وهو الشعب الأكثر جنونا وجنوحا إلى الحروب والتفكك، وإقامة الدويلات تلو الدويلات.

فالمقولات الدينية أحياناً كثيرة لا تعبِّر عن جوهر الحقائق التاريخية الماثلة للعيان؛ لأن الحكم الدينية قد تكون مرتبطة بفترة زمنية محددة، وبظروف راهنة، ولا تنسحب بالضرورة على التاريخ كله، أو الزمن كله. 

هذا إذا افترضنا صحة هذه الأقوال من حيث الإيجاب قبل أن نفترضها من حيث النفي،  والنفي ونفي النفي ليس إثباتا دائما، كما يدّعي المناطقة والفلاسفة، وأتباع منهج أرسطو في مذاهب القياس. 

إن نظرة واحدة إلى التاريخ تشير بوضوح إلى حقيقة أن اليمن كان أول من انسلخ عن الدولة الإسلامية، ومركزها في بغداد، وأن اليمن كانت أول بلاد تشتت شملها، وتعددت عواصمها، وقامت فيها دويلات  على أنقاض ما قبلها؛ جمعت ما بين القوة والضعف معاً. 

دولة تسحق دويلة، أو دولة تقوم بجوار دولة على جغرافيا واحدة، وليس هنا المجال لتعداد الدول التي قامت وانهارت في فترات تاريخية تكاد تكون متقاربة، لكن مما لا شك فيه أن هناك دولا بنت مجدا مازال يتردد في جنبات وكتب التاريخ، ويظهر جليا في الجغرافيا والآثار والعمارة. 

والمدهش أن بعض الدول قامت على أساس مذهبي، أو سلالي، أو فئوي بعيداً عن "الحكمة يمانية والإيمان يمان"، وهناك من قامت على أساس ديني، أو على خلفية مذهبية، وكان الأكثر شيوعا، هو المذهب الزيدي الذي كان -طوال فترة الألف ومئتي سنة الماضية- هو الذي يبسط سيطرته، ويفرض نفوذه على بقاع يمنية كثيرة بحكم الغلبة، وكانت صنعاء صاحبة اليد الطولى في كل حرب، وفي كل انقلاب، وكانت كلما أفلتت من التاريخ عادت إليه بالجماجم والدم والدمار، وهو ما يسمى اليوم -حسب الكثيرين- بدولة أو حكم الهضبة، وكانت صنعاء تستوعب جميع اليمنيين ولا تستوعبهم في آن واحد، في لعبة تاريخية غبية وغريبة معاً، تستوعبهم حتى تضيق بهم ذرعا ثم لا تستوعبهم حينما يضيقون هم بها ذرعا، وهكذا دواليك. 

مازلنا حتى اليوم نتذكر العامل والحاكم والقاضي والعسكري القادمين من الهضبة إلى كافة البقاع اليمنية، وكأنهم قضاء وقدر على اليمنيين، مسلطون على رقاب الشعب، وجيوبهم وخزائنهم، وأرضهم وحصادهم وأغنامهم، وكل ما يملكون. 

ومازالت أجيال من اليمنيين تتذكر المنهج الإخواني البغيض لمادة التاريخ في المرحلة الإعدادية كاملة، الذي كان يخدم السلالة، وهو يتحدث عن الغزو العثماني الأول والثاني والثالث، وأن أصحاب الفضل في طرد الغزاة كان للمطهر بن شرف الدين، والقاسم بن محمد، وأخيراً الإمام يحيي حميد الدين. 

لقد تم تغييب واغتيال العقل اليمني من وقت مبكر بمقولات لا تمت إلى الحقيقة بصِلة.

قد تكون الحكمة تخص ذلك الوفد الذي قدم إلى النبي للإسلام على يديه ومبايعته، ولكن ذلك لا ينطبق على التاريخ الدموي لليمنيين منذ فجر التاريخ، وحتى اليوم. 

لا توجد دولة عاشت الفوضى التاريخية والانقسامات على امتداد الوطن العربي كله كما حدث في اليمن، لا توجد بلاد نُهبت أرضُها وبحرها وثرواتها من الجيران بتوطؤ اليمنيين كما هو في اليمن، وليس هناك شعب مارس الارتزاق والتبعيّة  كما حصل في اليمن، سواء في طفولة التاريخ، أو وسطه، أو ما نعاصره اليوم، فأين الإيمان وأين الحكمة….؟! 

العشر سنوات الأخيرة من الحروب والتبعيّة والارتزاق تؤكد بوضوح حال اليمنيين عبر التاريخ، لا يوجد رجل رشيد، ولا حزب رشيد، ولا قبيلة رشيدة، ولا أمة رشيدة…! 

وللأسف، المرتزقة اليمنيون لديهم اعتقاد راسخ بأن ما يحصلون عليه من أموال إنما هو رزق ساقه الله إليهم، وأن من ينتقدهم إنما هو حاسد ومُبغض وحاقد. 

ولذلك لن تقوم لليمن قائمة إذا لم يأتِ جيل جديد بضمائر حيّة متّقدة بالوطنية بدلاً من هولاء المرتزقة جميعاً، الذين وطّنوا أنفسهم على العمالة والتبعيَّة والارتزاق إلى نهاية حياتهم، وتكالبهم على بيع البلاد برخص التراب. 

وهنا اقتبس سطرين؛ يظهران حالة القرف التي نعيشها: 

"سأستخدم مثل شعبي مقرف وأعتذر مسبقاً عن استخدامه لكن الواقع القذر يفرض قرفُه:  

هل تعلم لماذا يرفض كل طرف.. كل جهة حكمت، كل حزب، كل جماعة، كل سلطة، رؤية خطاياهم، وجرائمهم خلال وجودهم في السلطة أو خارجها؟  

لأنه "ما أحد يقول من خراه يف". 

وأمر آخر "إذا كان هذا هو الإيمان، فكيف سيكون الكفر؟".

مقالات

عجائب الحروب مع الأعداء

تتبدّى لنا غرابة التفكير العربي في الوقت الراهن من حيث تقديم عدو وتأخير آخر، مع أن كليهما عدوان سافران واضحان بعداوتهما بلا هوادة.

مقالات

الوصول إلى الحوثي عبر الحرس الثوري

على مدى العقود الثلاثة الماضية، أظهرت العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران قدرة مدهشة على الجمع بين التنسيق والتعاون والتنافس، خصوصًا في ملفات أفغانستان والعراق. لم تتردد واشنطن في نسج خيوط تعاون غير مباشر مع طهران أثناء غزو العراق وبعد سقوط نظام صدام، وتطور التعاون لاحقًا إلى مستوى من التحالف والشراكة في قمع المكوّن السني، ومنع سقوط الحكومة العراقية الموالية لكلٍّ من الولايات المتحدة وإيران، تحت ذريعة الحرب على تنظيم القاعدة، ولاحقًا داعش.

مقالات

أفول إيران.. بقاء الحوثي!

معركة كسر العظم التي تدور الآن بين الكيان الصهيوني وإيرن، تعيد الحوثي إلى المشهد، ليس فقط بالمشاركة المنسقة في المعركة إلى جانب طهران، بل باعتباره ذراعها المركزي لمواجهة الغرب

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.