مقالات

كلمة لماريا قحطان

09/03/2024, 12:40:54

كان المتنبي يقول: أُريد من زمني ذا أن يُبلغني*-* ما ليس يبلُغه من نفسه الزمن. 

كانت تلك أمنية واحد من أهم عباقرة الشعر العربي على مرّ التاريخ كلّه. ذلك التوق المُلِّح لتجاوز الزمن. كما لو أنّها رغبة باختراق طبائع الحياة الأساسية، محاولة لاختراق الزمن، واستكشاف ما يتجاوز حدود العُمر والتجربة البشرية القصيرة.

لربما تمكّن المتنبي من تحقيق أمنيته بمستوى معين. أي أنه نجح بقول شعر ذي طبيعة تنبؤية، حكمة خالصة وصالحة للخلود، وغير متأثرة بالزمن. 

غير أنّ المتنبي، وهو حالة إبداعية خارقة، كان يُدرك استحالة تجاوز أي إنسان لزمنه، مهما بلغ مستوى عبقريته، فأنت ابن زمنك، وسوف يلعب العمر والزمن دوراً حاسماً في صوغ شخصيّتك والتحكّم بمراحلك التطورية في أي مجال كنت. 

ويصح ذلك بوضوح أكبر في مجالات الإبداع؛ الشعر والغناء وكل أنماط الفنون والاهتمامات الذهنية بشكل عام. فما من موهبة تملك من القوة ما يكفي لتفيض به على أي إنسان منذ انطلاق شرارتها حتى آخر يوم بحياته. 

فإذا ما كان المتنبي يعاني من شروط الزمان، ويود لو يقفز دفعة واحدة، ويتجاوز زمنه، أي يتخطى عمره. فإن الفنانة الصاعدة "ماريا قحطان" ليس بمقدورها أن تطوي الزمن وتقلب قوانين الحياة، حد استغنائها عن أي تجربة حياة أساسية، تمنحها فسحة لصوغ وعيها المبدئي بالحياة، بعيدا عن طقس الشهرة، وما ينطوي عليه من عوامل مؤثرة على النمو الحر للموهبة. 

قد تبدو المقارنة بين شاعر وفنانة قياسات تعسفية، ناهيك عن أزمان متباينة؛ غير أنّ الهدف هو الفكرة الواحدة، حيث الموهبة الفنية متقاربة في طبائع نشوئها. فرعاية شاعر لروحه وعنايته بتجربته الوجودية لا تفترق كثيراً عما تحتاجه فنانة من تدبير لوجودها الكلي، وهذا هو ما وددت التنويه عليه، وهي مسؤولية تقع على عاتق أسرتها والمحيطين بها، ومدى حاجتهم لمراجعة طريقتهم في رعاية هذه الموهبة. 

هل الخوف على ماريا قحطان هو خوف مبرر..؟ نعم. لماذا..؟ لقد تم تكريسها كفنانة بشكل مُبكِّر. وهذا ليس أمراً ساراً لأحد. ما من إنسان يولد فناناً بهذه الطريقة. وبدون نشأة متوازنة تكون الموهبة عرضة لخطر أكبر. كل تضخُّم في صورتك الخارجية يكون على حساب حقيقتك الباطنية. في الداخل، هناك حيث يجب أن ينمو كل شيء، وبشكل متناغم مع مرحلتك الزمنية. وأيّ تجاوز يتحدّى طبيعتك البشرية يفتح أمامك فخاخا في المستقبل، وليس فيك أي حيلة لتجاوزه.

أهذه هي الطريقة السليمة لنشأة الفن الخالد، أهكذا يولد العظماء، بطرق جاهزة للمسير وبزاد كافٍ ليقطعون رحلتهم دونما حاجة لأي تجربة حقيقية توقظ بصيرتهم بالواقع..؟ لا. 

ما هي الموهبة بصورتها الرفيعة سوى كينونة ذات قابلية أولية لممارسة فنية معينة. ثم بعدها تأتي التجربة الوجودية لتُشكّل المخزن الأساسي، ومنه تفيض التجربة الممتدة على الموهبة لتصعد بها نحو مداراتها القصوى، نحو إمكاناتها الدفينة، وتحقُقها الكامل. 

منذ شهرتها، وهي في الثامنة من عُمرها، وهي تمارس الغناء بشكل جيّد، ويبدو متناغماً مع عُمرها. لكن السؤال: هل هناك نشاط تعليمي موازٍ تمضي الفتاة فيه؟ والأكثر أهمية، كيف تسري حياتها كطفلة تحتاج إلى عيش مرحلتها الزمنية، دونما فجوات تؤثر على تجربة حياتها. 

صرخ الروائي علي المقري، قبل فترة قصيرة: "أعيدوها للمدرسة"، وأنا أقول: أعيدوها لذاتها، لكينونتها الصغيرة، تحتاج أن تحموها من هوسكم بنبوغها؛ قبل حاجتها لأي استثمار مُضرّ. تذكروا صرخة المسيح: "ماذا يفيد لو ربحت العالم، وخسرت روحك"..؟ ماذا يجدي الفن، إذ لم يصدر عن ذات أخذت حقها في النشأة الطبيعية، دونما إكراهات قسرية مؤذية؟

الخلاصة: في حديثه عن ضرورة العناية القصوى بفكرة التعليم؛ يتحدث الفيلسوف الألماني، شوبهاور أنّ "أي اضطراب بين ما يتلقاه عقول النشء، وبين مرحلتهم العمرية، يورث تشوّها خطيرا في تكوين تصوراتهم عن العالم". ويشرح بشكل دقيق ضرورة تجنيب الأطفال أي نشاطات أو أفكار غير لازمة لنموهم. كما أن طبيعة البيئة المحيطة بهم، لا يصح أن تكون مفارقة لمرحلتهم الزمنية. ولا أظنّ الجو، الذي تحاط به ماريا، صحي بالكامل. لربما من الطبيعي أن تواصل ممارسة موهبتها، غير أن حاجتها إلى مساحات أكبر تتعلق بالتعليم هي أمر ضروري؛ كي تحظى بفرصة لنمو متواصل، ولا تتحدد موهبتها في ما هي عليه، أو أقل مما يمكنها بلوغه.

مقالات

عبد الودود مقشر وتاريخ تهامة

عبد الودود مقشر أستاذ أكاديمي جليل، وباحث مجتهد وقدير. رسالته للدكتوراة «حركة المقاومة والمعارضة في تهامة 1848- 1962م» أول دراسة علمية شاملة وجامعة عن تهامة.

مقالات

الوجود كصُدفة..تأملات عن الحرية

كلّ شيء يؤكد أنّ وجودنا مجرد صُدفة. ولدنا دون تخطيط، ولا أهداف محدّدة. كان يُفترض أن تستمر حياتنا مدفوعة بالمنطق البرئ نفسهض. لكنّنا تعرضنا لخديعة وجودية مرعبة، تورطنا في قبول تصورات أولية جعلت وجودنا مقيّدًا للأبد.

مقالات

المصائب لا تأتي فرادى!

قُدِّمَتْ صنعاء على طبق من فضة، أو ذهب، للمليشيات كما لم يحدث من قبل عبر التاريخ، التي بدورها استولت على كل مقدرات الدولة والجيش والشعب في غمضة عين من التاريخ والعالم والزمن، وتحالف أبشع رأس نظام سابق مع أبشع سلطة أمر واقع لتحقيق غاية واحدة

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.