مقالات
حرب إيران وإسرائيل.. حقائق صادمة ومفارقات متضاربة
بصرف النظر عن نتائج الضربات الجوية الماحقة التي شنتها القوات الأميركية على معظم منشآت إيران النووية، وما إذا كانت سوف تغير من مجريات الصراع في المنطقة، إلاَّ أن أكثر ما استرعى انتباه ودهشة المراقبين، قبل ذلك، هو سلسلةُ المفاجآت اليومية التي كشفت عنها الحرب الإيرانية- الإسرائيلية المباشرة. أولها أن الصواريخ البالستية والمسيَّرات التي زودت بها إيران أذرعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن لم تكن، في أفضل حال، سوى أدواتٍ لتجريب أسلحتها ذات الفاعلية العسكرية الكبيرة، على غرار ما شهدناه في مواجهتها الراهنة مع إسرائيل. لكن المؤسف أن تلك التجارب لم تفد إيران، ولم تلحق أي ضررٍ بإسرائيل، بل كلفت بلدان تلك الأذرع استباحة أراضيها من قبل جيوشٍ عالميةٍ كبرى يستحيل كسرها، وأدت إلى سلب إرادة شعوب، وانتهاك سيادة دولٍ لم يكن بالإمكان التعدي عليها لولا التدخلات الإيرانية في شؤونها، فضلًا عن تدمير بناها التحتية الأساسية، وعودتها عقودًا من الزمن إلى الخلف يصعب تعويضها.
ثاني تلك المفاجآت هو حجم الاختراقات الأمنية الواسعة لنخاع أهم مفاصل النظام الحاكم في إيران، ونعني به الحرس الثوري الحاكم، وأجهزة (الباسيج) وغيرهما من المؤسسات الأمنية، ما مكن إسرائيل من اغتيال عشرات القادة والعلماء النوويين، وبالطبع مقتل وإصابة مئات المدنيين، كما تقول طهران.
والأسوأ من ذلك أن تتمكن إسرائيل من تجنيد عشرات، وربما مئات العملاء الذين تقول إسرائيل إنها قامت بتدريبهم في دول ثالثة، قاموا بالعديد من عمليات الاغتيال، وحتى استخدام عشرات الطائرات المسيرة من داخل الأراضي الإيرانية لاستهداف منشآتٍ عسكريةٍ ومدنية، وذلك بإسنادٍ من سلاح الجو الإسرائيلي في نفس الوقت.
واللافت أيضًا في بعض الحالات أنه كلما قام المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، بتعيين بعض القادة، يتم استهدافهم خلال ساعات، فأين يكمن الخلل؟ هل في تفوق إسرائيل أم في هشاشة النظام في إيران؟
لا يمكن التقليل من قدرات إيران على الرد، لكن الواقع أن هناك فارقًا نوعيًا في الإمكانيات لدى الطرفين، الإسرائيلي والإيراني، سبقته عقودٌ من البحث والعمل على اكتشاف مواطن الضعف والخلل لدى الطرف الآخر، نجحت فيه إسرائيل وأخفقت فيه إيران، بدليل الاستهدافات الدقيقة لمواقع حساسة وقياداتٍ مهمةٍ يُفترض أنها تتمتع بقدرٍ من السرية والحماية والاحترازات، لكن كل ذلك ثبت أنه لم يكن كافيًا، أو لم يكن موجودًا أصلًا.
لا أحد هنا بصدد تبرير الهجوم على إيران بل لتفسيره بحقائق وأدواتٍ علميةٍ ومنهجية.
بالنسبة لإسرائيل وداعميها الغربيين، ليست المشكلة فقط في مشروع طهران النووي وبرنامجها الصاروخي، ولكن في كون نظام إيران السياسي، من وجهة نظرهم، (مشروعًا عقائديًا) معاديًا للحضارة الغربية، وحتى لجيرانه العرب، ويجتر عقدًا تاريخية يفترض تجاوزها بحكم ديناميكية الزمن والظروف.
أحدثت الحرب على المستوى الدولي، وفي الشارع العربي، انقسامًا حادًا بين من يقف، لأسبابٍ دينية وعاطفية، إلى جانبِ إيران بوصفها بلدًا معتدىً عليه، ومن يرى، دون اكتراثٍ ولا مبالاة حد الشماتة والتشفي، أن إيران وإسرائيل دولتان مارقتان، كلتاهما ارتكبتا جرائم حربٍ في حق شعوب البلدان الواقعة بينهما، سواءٌ في غزة على يد إسرائيل، أو في كلٍ من لبنان وسوريا والعراق، وحتى اليمن الذي لم ينجُ من تدخلات إيران وإسرائيل، التي شنت هي والولايات المتحدة أعنف الحملات الجوية العسكرية التي ألحقت دمارًا واسعًا في البنية التحتية للبلاد، وذلك في مناطق سيطرة الحوثيين الموالين لإيران، وتسببت في خسائر جسيمةٍ وأضرارٍ يصعب إصلاحها طوال عقود.