مقالات

عيد بلا فرحة

04/06/2025, 10:16:10

يطل علينا العيد مرة أخرى، لكنه في بلادنا لا يحمل معه بهجة الألوان أو ترانيم الفرح، بل يأتي، كعادته في السنوات الأخيرة، مثقلًا بآهات الوجع ومرارة الواقع. إنه "عيد بلا فرحة".

تتراقص الأسعار بجنون، كأنها في سباقٍ محمومٍ، بينما تتهاوى قيمة الريال اليمني. الأسرُ تتصارعُ مع فواتير الحياة اليومية، بعيدًا عن كسوةٍ جديدةٍ أو طبقٍ شهيٍ. إنها معادلةٌ قاسيةٌ: عيدٌ يصرخ بالاحتياج، وواقعٌ يزمجر بالحرمان.

أجسادٌ منهكةٌ، وأرواحٌ معلقةٌ بين أملٍ خافتٍ ويأسٍ طاغٍ. موظفون بلا رواتب، سواء في المناطق المحررة أو تلك التي لا تزال تحت سيطرة الانقلابيين الحوثيين.

كيف لعيدٍ أن يدق أبوابهم، وهم يبحثون عن لقمةِ العيشِ وقطرةِ الماءِ، وعن الدواءِ ودفءِ المأوى؟ العيدُ في اليمنِ تحولَ إلى رحلةِ بحثٍ مضنيةٍ عن الضروريات، لا عن الكماليات.

ملابسُ العيدِ، تلك التي كانت تزهو بها البراءةُ في كل زاويةٍ، أضحت حلمًا. والأضحيةُ، شعيرةٌ دينيةٌ تعكسُ روحَ العطاءِ والبركةِ، باتت مهمةً صعبةً لا يقوى عليها الكثيرون. تلاشت مظاهرُ البهجةِ، وحلَّت محلها نظراتٌ حائرةٌ، وقلوبٌ مثقلةٌ بالعجز.

حتى الماءُ، شريانُ الحياةِ، يغيبُ عن تعز، والكهرباءُ، نبضُ المدنِ، لا تكاد تومضُ في عدن، وفي معظم المدنِ اليمنيةِ، يعيشُ الناسُ في ظلامٍ دامسٍ. العيدُ، الذي كان من المفترضِ أن يجمع الأحبةَ، تفرقه الطرقُ المقطوعةُ، التي لا تزال آثارُ الحربِ شاهدةً عليها في كثيرٍ من المحافظات.

لم تكتفِ الجراحُ الداخليةُ بإفراغِ العيدِ من روحهِ، بل زادتها جراحُ الأمةِ ألمًا. فكيف تفرحُ قلوبٌ والقصفُ لا يزالُ ينهالُ على غزةَ، ويقتلُ الأطفالَ والشيوخَ بدمٍ باردٍ؟ كيف للعيدِ أن يأتي ببهجتهِ والآلافُ يعيشون في مخيماتٍ أو ظروفٍ صعبةٍ، يتجرعونَ مرارةَ النزوحِ والفقدِ؟

وكأن هذا لا يكفي، فما زال الكثيرون في سجونِ الانقلابيين الحوثيين يعانونَ التعذيبَ القسريَ، يقضونَ أعيادهم خلفَ القضبانِ، محرومينَ من نورِ الشمسِ. لقد أفسدت الحربُ والفقرُ طقوسَ العيدِ، وحولتها إلى مجردِ ذكرى مؤلمةٍ لما كان يمكن أن يكون.

عيدٌ بلا فرحةٍ، هكذا يستقبلهُ اليمنيون. ليس لأنه عيدٌ فقدَ معناه، بل لأنه يأتي على شعبٍ أرهقتهُ الحروبُ، وأفقرتهُ الأزماتُ، وأضناهُ الانتظارُ.

هو عيدٌ يكشفُ عوراتِ الواقعِ، ويصرخُ في صمتٍ بأن اليمنَ يستحقُ أن يفرحَ، وتلك الفرحةُ المنتظرةُ يرافقُها سؤالٌ كبيرٌ: متى سيكون ذلك؟

مقالات

سلالة الإبادة

تسمية الحوثيين مجرد دكتاتوريين لا تنطوي فقط على تبسيطٍ مُخلّ، بل تُشارك دون وعيٍ في جريمة تبرئتهم من طابعهم المتسم بالإبادة والتطهير والإحلال بعد التجريف.. الدكتاتور يقمع، أما الحوثية فتفني، والدولة في مشروعهم ليست أداة حكم بقدر ما هي آلة تطهير سلالي شامل.

مقالات

مليون عقل في قبضة الكهنوت

كل يوم وأنا أزداد غرقًا في قلقٍ لا يهدأ، قلقٌ متراكم، متجذّر، يتسلل إلى أعماقي كلما تأملت ما يحدث للشباب في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي. هناك شيء مرعب يجري بصمت، أشبه بعملية سلخ جماعي للعقول، بترٌ ممنهج للوعي، وتفريغ متعمد للذاكرة، وإعادة تعبئة العقول بأفكار مسمومة لا تنتمي للحياة، ولا تُنتج إنسانًا، بل تُخرج آلات طيّعة، مبرمجة على الكراهية والخضوع. معركتنا اليوم لم تعد عسكرية في ظاهرها فقط، هي أعمق، أكثر تعقيدًا، وأكثر إيلامًا، إنها معركة على الوعي ذاته، على الروح، على الفكرة التي تشكّل الإنسان.

مقالات

اليمن في قلب حرب صامتة

لم تعد الحروب في هذا العصر تتطلب إعلانًا رسميًا أو دويًا للمدافع كي تبدأ، فقد دخل اليمن، ومعه عدد من دول الإقليم، في مرحلة "الحرب الصامتة"، أو ما يُعرف في الأدبيات الإستراتيجية الحديثة بحروب "الجيل الرابع والخامس"، حيث تُخاض المعارك دون جبهات تقليدية، بل عبر أدوات خفية تتمثل في الحصار الاقتصادي، الإغراق الإعلامي، تفكيك مؤسسات الدولة، وإعادة إنتاج الفوضى بأساليب غير معلنة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.