مقالات

سلالة الإبادة

30/07/2025, 10:10:05

تسمية الحوثيين مجرد دكتاتوريين لا تنطوي فقط على تبسيطٍ مُخلّ، بل تُشارك دون وعيٍ في جريمة تبرئتهم من طابعهم المتسم بالإبادة والتطهير والإحلال بعد التجريف.. الدكتاتور يقمع، أما الحوثية فتفني، والدولة في مشروعهم ليست أداة حكم بقدر ما هي آلة تطهير سلالي شامل.

تصنيفهم ضمن أنماط السلطة الدكتاتورية أو الحكم الاستبدادي بأشكاله التقليدية، كما لو أنهم مجرد طرفٍ قويٍّ يسيطر على الدولة، يُلحق بهم شرفاً لا يستحقونه، ويُضعف الإدراك السياسي لطبيعة ما يفعلونه. 

الحوثية ليست سلطة، وإنما سلالة مغلقة تُعيد بعث الإمامة في أكثر صورها دموية وعنصرية، وتسعى لا لحكم اليمنيين، بل لمحوهم كشعب وجمهور سياسي ومواطنين أحرار، أو حتى أناسٍ عاديين.

الشرّ لدى الحوثيين ليس طارئاً ولا عرضاً. هو امتدادٌ لمنظومة الإمامة التي تأسست على الوهم السلالي والحق الإلهي، ومارست الهيمنة والاستعباد كعقيدة إبادة.

 إنهم لا يقتلون لأنهم غاضبون، بل لأنهم ورثة سلالة جانحة شريرة لا تستطيع أن توجد دون عنف متوحش، ولا أن تحكم وتتحكم دون سحق، ولا أن تبرر هيمنتها دون تحويل اليمنيين إلى عبيد أو جثث.

الحوثية لا تمارس السلطة والحكم كوظيفة سياسية، إنما كامتياز وراثي. ليس هناك قانون، ولا مؤسسات، ولا عقد اجتماعي.

هناك حق سلالي مفترض في السيطرة الأبدية، لا على الأرض فحسب، بل على الضمائر وحتى على سرائر الناس.

اليمنيون، في تصور النسخة الحوثية من السلالة الهاشمية، ليسوا مواطنين بل رعايا ومجاميع لا تليق بهم الكرامة، ولا يحق لهم التفكير، ولا المشاركة، ولا حتى الشكوى.

سلوك الحوثي ليس مجرد قمع، نحن أمام ترسيمٍ عنصري. هناك "سادة"، وهم الهاشميون يولدون للحكم والهيمنة والتملك، وهناك "أتباع"، وهم اليمنيون يُربّون على الطاعة المطلقة. 

العلاقة ليست بين حاكمٍ وشعب، إنما بين مالك وأشياء.

حين يُمنح الحوثي صفة "سلطة دكتاتورية"، يتم إخفاء حقيقةٍ أكثر رعباً: أن مشروعه يقوم على الإبادة كشرطٍ لبقائه. 

لا يُقتل اليمني غير الخاضع لأنه خطرٌ آنيٌّ، بل لأن مجرد وجوده يُناقض أسطورة السلالة الهاشمية وحقها الإلهي المُتخيل. 

ليس القتل هنا وسيلة ردع، بل أداة تطهير اجتماعي، تُمهّد لاستعباد اليمنيين ممن لم تُقتلهم بعد.

أكثر من 300 ألف يمني قضوا في حرب الإبادة الحوثية. آلاف اختفوا في سجونها السرية. ملايين جرى تهجيرهم قسراً. 

نحن أمام آلة كراهية هاشمية لا تتوقف. تُعيد بناء التعليم، والدين، والإعلام لتثبيت وهم الأفضلية السلالية في كل مفصلٍ من مفاصل الحياة العامة. تحاول الحوثية إزالة واقع اليمن تماماً وفرض واقعٍ بديل تصنعه السلالة.

الهدف من انتهاج العنف ليس الوصول إلى الحكم فقط، وليس بناء سلطة حوثية ديكتاتورية، إنما فرض سيطرة وسيادة مطلقة على المجتمع وعلى كل شيء، وخلق بيئةٍ كاملةٍ من الارتباك والخوف والتبعية والاستعباد والهيمنة؛ بيئةٍ تجعل من الصعب على اليمنيين أن يروا العالم إلا من خلال أعين سلالة بني هاشم.

لا يمكن أن تتخلى الحوثية عن الإبادة، كونها مرتبطةً باستمرار وجود السلالة في موقع الهيمنة. كلما حاول المجتمع أن يتنفس، كان على عصابة الحوثيين أن تضربه بقوةٍ أكبر.

الحرب التي يخوضها الحوثيون غزوٌ شامل. غزوٌ للزمن اليمني بماضيه وحاضره ومستقبله. 

يريدون احتكار الماضي بإعادة تأهيل الإمامة، وخنق حاضر البلد بتحطيم الناس وسحق المجتمع، وإبادة كل محاولة يمنية للنجاة مستقبلاً.

لا تسويات في منهج سلالة الإبادة، لا مشاركة، لا تداول. لا يقبلون أن يكونوا جزءاً من اليمن، يريدون أن يصبح اليمن كله جزءاً صغيراً من "السلالة الهاشمية" وتابعاً لها.

لا يعترفون بالأكثرية اليمنية، ولا يحتملون وجود شعبٍ لا يفكر بأولويات غير الولاية.

الفرق هنا ليس في درجة العنف ومستويات القمع والسيطرة، إنما في نوعية نظام الهيمنة. 

لسنا أمام ديكتاتورية حوثية عادية تسجن وتنهب وتحكم بالقوة، نحن أمام سلالةٍ مريضةٍ وناقمةٍ تعمل على تحطيم الناس بوصفهم مواطنين فاعلين، وتحويل المجتمع إلى معسكر طاعة وأدوات تتقاتل فيما بينها وهي تتسابق لإثبات ولائها للسلالة.

الحوثية ليست سلطة عابرة. إنها شرٌّ متجذّرٌ في تكوينها السلالي، وفي بنيتها العقائدية. 

وجودها قائمٌ على تحويل اليمنيين إلى مجرد أشياء يُمكن التحكم فيها واستخدامها، وعلى القضاء على الأكثرية اليمنية باعتبارها نقيضةً لفكرة الهيمنة والحكم بالدم الهاشمي. كلفة مقاومة هذا الشر أقل بكثير من ثمن التطبيع معه أو تجاهله.

مقالات

محمد محسن عطروش: صيحة الاستقلال ونغمة لا تخطئ القلب

قرأت في سيرة الفنان محمد محسن عطروش أنه درس الأدب الإنجليزي في القاهرة، ثم عمل مدرسًا للرياضيات واللغة الإنجليزية في عدن، فحضرت في ذهني حلقات برنامج قديم في قناة السعيدة، مسابقة فنية كان يشارك فيها فنانون شباب، وكان عطروش في منصة التحكيم.

مقالات

تصعيد الحوثي تجاه بيت هائل.. لماذا الآن؟

اشتدت الحرب الحوثية على قطاع التجارة بشكل لافت بعد أن أقدمت الولايات المتحدة على تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية وفرضت عقوبات على جميع الشركات التجارية المحسوبة عليهم، والتي كانت تسعى لإحلالها كبديل في السوق لمجموعة بيت هائل.

مقالات

عودة الخروف الضائع – 5 – (سيرة ذاتية – 24)

بعد أن أُوصدت جميع الأبواب في وجهي قررتُ العودة للدراسة. وفي صباح ذات يوم ذهبتُ إلى مدرسة جمال عبد الناصر في شارع القصر الجمهوري، وقابلتُ الأستاذ محمد الشامي مدير المدرسة، وكلمته عن رغبتي في الالتحاق بمدرسته.

مقالات

الشعر الحميني: سردية الجذور والتحولات وزمن الظهور - (الحلقة الثانية)

تكوّنت المعرفة الأكاديمية الحديثة حول الشعر الحميني داخل إطارٍ منهجي صارم، ربط نشأته بالعصر الرسولي في القرن السابع الهجري؛ لا لأن الباحثين كانوا مقتنعين بحداثة هذا الفن، بل لأن الوثيقة -لا غيرها- هي التي حكمت دراساتهم.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.