مقالات

سرير بروكْرِسْت

25/06/2023, 07:25:27

تحكي الأسطورة اليونانية أن قاطعَ طريقٍ غاشماً يُدعى "بروكرست" (كثيرون ينطقون الاسم ويكتبونه خطأً: بروكست) كان يهاجم الناس ويختطفهم - وفي روايةٍ أخرى: يدعوهم مستضيفاً - إلى بيته على طريق المسافرين، حيث يوجد سرير على مقاسه هو، فيقوم بقطع أرجلهم أو مَطّ أجسادهم بحسب طبيعة أطوالهم على أن يُلائم مقاس الشخص مقاس السرير بعد القطع أو المطّ!

فكان إذا وجد الضحية أطول من السرير قام ببتر رجليه، وإذا كان قصيراً مَطَّ جسده. وفي الحالتين يموت الضحية لا محالة.

بعدها صارت هذه الأسطورة، أو بالأصح، تعبير "سرير بروكرست" اصطلاحاً لحالة فرض القوالب أو القناعات الذاتية أو الفئوية على الأشخاص، أو الظواهر، أو الأشياء، أو أيّ نشاط إنساني، بحيث غدا أسلوب بروكرست هذا نوعاً فجَّاً من قولبة وإسقاط وإحالة القضايا والمفاهيم والمشاعر والأفكار والقوانين، بل الأوطان والشعوب أيضاً.

فالحُكَّام والحكومات - مثالاً - تضع البلاد والعباد على سرير إرادتها ورغبتها، وتروح بالتقنين، أو التخمين، أو بأيّ شكل من أشكال الهوى، لممارسة طور من السادية على الناس وقناعاتهم، أو على الوطن ومشكلاته.

وعلى سرير بروكرست الجديد تجد عدداً هائلاً من آلات البتر، يُقابلها عدد مماثل من أدوات المطّ، وكلها تندرج تحت مُسميات شتى: الممنوع والمحظور، العيب أو الحرام، المكروه والمشبوه، وسواها من دوغما وطوطم وتابو.

إنك تجد بروكرست حاملاً سريره على كاهله في التعاطي مع آراء بعض المثقفين تجاه قضايا التاريخ والفكر، أو تجده كامناً في تعاطي بعض الساسة مع قضايا السياسة والمجتمع، أو في تعاطي بعض المُشرِّعين، أو القُضاة مع نصوص القوانين، أو القضايا المنظورة في ساحات القضاء، حتى إنك تجده في تعاطي بعض النُّقَّاد مع نصوص الأدب من شعر وقصة ورواية ومسرحية، مثلما تجده في تعاطي بعض الأطباء مع أمراضٍ عصيَّة على فهمهم، أو قدرتهم على التشخيص، و كما قيل يوماً: "كله عند العرب صابون"!

والمصيبة أن بروكرست الجديد قد يقترف حالتَيْ البتر والمطّ في آنٍ معاً، تجاه القضية ذاتها أو المفهوم نفسه، إذْ يشرع في البتر أولاً، فإذا به يكتشف أن البتر لم يكن مُوفَّقاً، فيلجأ حينها إلى المطّ. وفي هكذا مشهد تتجلى عشوائية التعاطي البروكرستي مع الموضوع، إذْ لم يَقِسْ الموضوع قياساً دقيقاً، إنما كانت المسألة كلها لديه خبط عشواء ليس إلاَّ.

إن كثيراً من قضايانا ومشكلاتنا ومفاهيمنا وقوانينا وآرائنا ومعتقداتنا تنام اليوم على سرير بروكرست، ولكن ليس في فضاء الأسطورة وإنما في الواقع المادي المُعاش.

مقالات

عن الكتابة

تاريخ الكتابة هو محاولات مستمرة لتجاوز الهوة الفاصلة بين الإحساس الحقيقي والنص المكتوب. كل المشاعر الحقيقية هي في الواقع غير قابلة للترجمة.

مقالات

حكاية الكافرة شجون ناشر (1-2)

في "سنة الجُدَري"، شاع الخبر في "قرية العكابر" بأن شُجُوْن ناشر كفرت بربّها، ودخل الشك إلى قلبها، وتوقفت عن الصلاة، وبدلاً من أن تصلي صارت تغنِّي، وأصبح الغناء صلاتها.

مقالات

العليمي: مأرب بوابة النصر القادم

بعد الهجمات الحوثية على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، أصبح من الواضح للجميع، سواءً على الصعيد الإقليمي أو الدولي بما في ذلك القائمون على مشاريع السلام الدولية في اليمن، بأنه بدون مأرب قلعة الصمود والاستبسال والاستعصاء فإن الحوثيين لن يتوقفوا حتى يصلوا إلى آخر نقطة على حدود عُمان.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.