مقالات

الوصول إلى الحوثي عبر الحرس الثوري

18/06/2025, 06:24:24

على مدى العقود الثلاثة الماضية، أظهرت العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران قدرة مدهشة على الجمع بين التنسيق والتعاون والتنافس، خصوصًا في ملفات أفغانستان والعراق. لم تتردد واشنطن في نسج خيوط تعاون غير مباشر مع طهران أثناء غزو العراق وبعد سقوط نظام صدام، وتطور التعاون لاحقًا إلى مستوى من التحالف والشراكة في قمع المكوّن السني، ومنع سقوط الحكومة العراقية الموالية لكلٍّ من الولايات المتحدة وإيران، تحت ذريعة الحرب على تنظيم القاعدة، ولاحقًا داعش.

لكن ما بدا كتقاطع مصالح عابر، قد يكون في جوهره ساحة اختراق من النوع الذي تتقنه القوى الدولية النافذة وأجهزتها الأمنية. تشير معطيات متراكمة إلى أن واشنطن لم تكتفِ بتعاون تكتيكي مع إيران في العراق، بل سعت لاختراق البنية الأمنية والسياسية المرتبطة بالحرس الثوري والنظام الإيراني عمومًا، سواء في العراق أو حتى داخل المنظومة الإيرانية ذاتها.

لم يكن التعاون المرحلي بريئًا من جانب الولايات المتحدة. أما اندفاع إيران للتعاون مع الأمريكيين فقد جاء بدوافع انتقامية وعدائية تجاه نظام صدام حسين والعرب عمومًا، وبدافع خليط من الرغبة الجامحة والطموح الشديد للهيمنة على المنطقة العربية. لم تتعامل واشنطن مع طهران كحليف مؤقت، بل كهدف مؤجَّل قابل للاختراق عبر أدوات متعددة.

هذا الانخراط مكّنها من فهم شبكة النفوذ الإيرانية في العراق، ولاحقًا في سوريا ولبنان، وتحولت بعض أذرع هذه الشبكة إلى أدوات مزدوجة الولاء بين واشنطن وطهران. لاحقًا، أصبحت هذه الأذرع نوافذ للتوغّل أعمق في بنية النظام الإيراني ذاته، وهو ما يفسر الدقة المتزايدة في الضربات الإسرائيلية التي استهدفت قادة الحرس الثوري ومؤسسة الاستخبارات الإيرانية.

تسللت واشنطن إلى بنية النظام الإيراني، وإلى ما يُعرف بجماعة “الطهر الثوري” المرتبطة بمركز قيادة الثورة والدولة، من خلال التعاون المرحلي، والعلاقات المبنية على المصالح المؤقتة، وعبر بيروقراطية المفاوضات والتفاهمات الصامتة وسلسلة الاتصالات والمباحثات واللقاءات بين إيران والولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

تحليل التطورات الأخيرة في إيران، مناسبة موضوعية ومنطقية لاستدعاء الحوثيين واحتمال اختراق بنيتهم العسكرية والقيادية عبر الحرس الثوري الإيراني، باعتباره قناة اختراق محتملة بالنظر إلى العلاقة التي تربطه بهم.

التجربة الإسرائيلية مع حزب الله وتصفية حسن نصر الله أظهرت قدرة على التسلل إلى البيئة الإيرانية نفسها، ومنها إلى بنية الأذرع التابعة لها، من خلال تجنيد عناصر من داخل الحرس الثوري، وهو ما يمكن تكراره مع الحوثيين.

تفتح العلاقات السابقة بين الحوثيين ونظام الأسد بابًا خلفيًا إضافيًا. فقد أظهرت وقائع سابقة أن إسرائيل والولايات المتحدة تمكّنتا من اختراق أجهزة الأسد الأمنية، والوصول من خلالها إلى معلومات تتعلق بحزب الله. وبما أن عناصر النظام السوري كان لها اتصال مباشر بالجماعة في فترات سابقة، فقد يشكلون مصدرًا محتملاً لمعلومات حساسة عن البنية الحوثية.

إلى ما قبل أحداث 7 أكتوبر 2023، لم تكن السياسة الأمريكية تشير إلى الحوثيين كتهديد للمصالح الأمريكية أو لأمن إسرائيل. شهدت العلاقة لحظات تقاطع وتفاعل غير مباشر، وأحيانًا ارتقت إلى مستوى من التنسيق والتعاون، وهو ما قد يكون مكّن واشنطن من تحقيق اختراقات أمنية ومعلوماتية داخل بنية الجماعة.

تجنّبت الولايات المتحدة الصدام مع الحوثيين خلال اللحظات الحاسمة. ففي عام 2014، لم تتخذ موقفًا معارضًا لاجتياح صنعاء والاستيلاء على الدولة والمؤسسات السيادية، بل دخلت معهم في اتصالات ومباحثات، باعتبارهم حلفاء محتملين في مواجهة تنظيم القاعدة. ولاحقًا، مارست ضغوطًا على السعودية والإمارات لوقف عمليات الحكومة الشرعية اليمنية ضد الحوثيين، وكان أبرزها الضغط لإيقاف معركة الحديدة في عام 2018، ما فتح المجال لتواصل غير معلن منح الحوثيين هامش مناورة سياسي وعسكري.

تمتلك واشنطن أدوات أخرى للاختراق عبر جهات فاعلة ودول ذات علاقة وثيقة بالجماعة، أبرزها سلطنة عمان. تستضيف مسقط مفاوضي الحوثيين، وعلى رأسهم محمد عبدالسلام، وتؤهلها مصالحها السياسية والأمنية للتعاون مع الولايات المتحدة. ويمكن لمسقط أن تستثمر علاقتها الوثيقة بالحوثيين لتقديم مزيد من الخدمات غير المعلنة للإدارة الأمريكية.

كذلك، تُشكّل عناصر نظام صالح المتحالفة مع الحوثيين بوابة مثالية للوصول إلى بنية الجماعة. فقد عملت هذه العناصر ضمن جهاز صالح مع الأمريكيين خلال فترة حكمه، وتطورت علاقات تعاون وتنسيق واسع على المستويات العسكرية والأمنية. ومع اندماج هذه العناصر في الجماعة، امتزجت فعليًا بها، بما تملكه من خبرة إدارية وأمنية ومعرفة دقيقة ببنية السلطة، ولا تزال تحتفظ بعلاقات مع واشنطن، ما يجعلها قناة محتملة للاختراق من الداخل.

مقالات

قراءة تحليلية: الحوثي والتصعيد الإقليمي في ظل تراجع إيران

من خلال قراءة الأحداث المتسارعة في البحر الأحمر وخليج عدن، أجد أن المشهد العام والتطوّر الأخير، في ضوء التصعيد الحوثي الأخير في البحر الأحمر وبحر العرب، ووسط التراخي الأمريكي النسبي، تتزايد دعوات إسرائيل لواشنطن من أجل استئناف الضربات الجوية ضد الحوثيين.

مقالات

تصفية الشيخ حنتوس.. الكرامة كتهديد للسلالة

تصفية الشيخ صالح حنتوس لم تكن نتيجة مواجهة مسلّحة نظامية، ولا حصيلة خصومة جنائية، بل تعبير عن إرادة حوثية مطلقة ترى في في كرامة رجل مسن رفض الانكسار، تهديدًا وجوديًا لمشروعها القائم على الإذعان التام والهيمنة المطلقة على حياة الناس وواقعهم.

مقالات

تقديم كتاب "دليلُ السُّراة "

لن نحدّق في الهاوية التي علقنا على أطرافها. لن ندع الجحيم الذي مررنا به ينبت في دواخلنا. في أشد اللحظات قتامةً ويأساً، نعود إلى أجمل ما فينا، نلوذ بروح اليمن العصية على الانكسار.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.