مقالات
الشراكة مع الحوثي: وهمٌ وتكتيك
ست حروب ضروس خاضتها مليشيا الحوثي في صعدة ضد الجيش اليمني، نعم صفحاتها ملطخة برفضٍ قاطع لحضور الدّولة، لإرادة الشعب، ولأي صيغة للتعايش السلمي.
كانت صرخة السلاح لديها أعلى من نداء الوطن، وإزهاق الأرواح أهون عندها من القبول بمؤسسات تحتضن الجميع.
اجتمع اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني بقلوب مثقلة بالوجع، لكنها تتوق للمستقبل. توافقوا فيه على ملامح 'يمن جديد'، قوامُه الشراكة العادلة في السلطة والثروة، توزيعٌ يراعي التنوّع ويُنهي التهميش، لكن تلك المخرجات اصطدمت بجدار صلب من الرَّفض الحوثي، لم يرَ فيها سوى تهديد لسلطته الناشئة، وتضييقًا على مشروعه الخاص.
وحين تراءى للبعض وهمُ الشراكة، عندما وُقعت وثيقة مع حزب المؤتمر الشعبي العام في بدايات الانقلاب، لم تكن تلك الخطوة سوى فصلٍ تكتيكي في مسرحية الدّم.
كانت غاية الحوثي استغلال النفوذ المتبقي، والانقضاض على الشريك حين تحين الفرصة، ثم طي صفحة الماضي بدماء الرئيس السابق علي عبدالله صالح. لقد كانت شراكة زائفة، وقناعًا يخفي وجهًا عازمًا على الهيمنة المطلقة.
شواهد التاريخ اليمني القريب تنطق بمرارة: لا اتفاق قبلي صمد أمام تقلبات الحوثيين، ولا ميثاق سياسي نجا من نقضهم، ولا هدنة عسكرية استمرت طويلًا.
يبدو أن قاموسهم لا يعرف معنى الالتزام، وأن خانة "الشراكة" في سجلاتهم فارغة إلا من محاولات استغلال الآخرين لتحقيق مآربهم.
لا تقبل مليشيا الحوثي بالشراكة إلا حين يلوح في الأفق شبح الهزيمة، حين يصبح التراجع ضرورةً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. في تلك اللحظات، قد تبدو مرنة، متجاوبة، لكنها مرونة مؤقتة، تهدف إلى التقاط الأنفاس، وإعادة ترتيب الصفوف، واستجماع القوة لجولة قادمة أشد ضراوة.
لذا، فإن الحديث عن تسليم الحوثي سلاحه أو قبوله بشراكة حقيقية يبدو ضربًا من الخيال. وإذا ما أُبرم سلامٌ قادم، وشُكِّلت حكومة شراكة، فربّما يكون ذلك الهدوء الذي يسبق العاصفة، والقبول الظاهري مقدِّمة لحرب أخرى أكثر قسوة وأشد وطأة على يمنٍ أنهكه الصراع.
إن تاريخ الحوثي، المثخن برفض الشراكات ونقض العهود، يُرسِّخ فكرة أن الحل السلمي قد يكون بعيد المنال.
إن فكرة استعادة الدّولة اليمنية والنظام الجمهوري بالقوة العسكرية تنطلق من الإيمان بأن الحوثيين لن يتنازلوا عن سلطتهم التي وصلوا إليها بالانقلاب إلا بضغط عسكري حقيقي يُجبرهم على ذلك.
فمن الصعوبة بمكان إمكانية تحقيق حل سياسي شامل ومستدام مع طرف يعتبر الشراكة مجرد تكتيك مؤقت.
حين يصبح منطق القوّة هو اللغة الوحيدة التي يفهمها طرفٌ ما، يصبح استرداد الحق المسلوب، واستعادة الدّولة المختطفة، مهمّة لا تحتمل التأجيل أو التردد.
إنها لحظة تاريخية فاصلة تُجبر الوطنيين على مواجهة الأمر بواقعية مؤلمة: لا سبيل لعودة النظام الجمهوري، الذي ارتضاه اليمنيون دستورًا وهُوية، إلا بزلزلة الأرض تحت أقدام الانقلابيين.
إن استعادة الدَّولة بالقوّة ليست غاية في حد ذاتها، بل هي وسيلة نبيلة لتحقيق غاية أسمى: يمنٌ حرٌ، ينعم فيه أبناؤه بالأمن والاستقرار والكرامة.
إنها هدف كل يمني أصيل يُؤمن بأن الحق يعلو ولا يُعلى عليه، وأن الظلم لا يدوم، وأن فجرًا جديدًا سينبثق من رحم المعاناة، فجرٌ تُشرق فيه شمس الجمهورية خفاقةً من جديد.
هكذا تتحدّث الشواهد، وهكذا يتردد صدى القوة في أرجاء اليمن، دفاعًا عن هوية وطن، واستعادة حلمٍ مسلوب، وتأكيدًا على أن الحق، وإن طال سبيله، سينتصر في النهاية، ولو كان ثمن ذلك باهظًا.