تقارير

هجمات متبادلة بين إسرائيل والحوثيين.. قراءة في حسابات الرد ومسار التصعيد؟

18/09/2025, 13:45:58
المصدر : قناة بلقيس - خاص - عبد السلام قائد

في خطوة تصعيدية جديدة، أعلنت إسرائيل، في 3 سبتمبر الجاري، إطلاق القمر الاصطناعي التجسسي الجديد "أوفك 19"، للتجسس على إيران والحوثيين، ووصفت ذلك بأنه رسالة موجهة إلى خصومها بأنهم تحت المراقبة الدائمة. وقبل ذلك، شكلت إسرائيل وحدة تتكون من 200 ضابط استخبارات لجمع المعلومات عن الحوثيين، وكانت الضربات التي استهدفت حكومة الحوثيين في صنعاء خلال اجتماع لها إحدى أولى إنجازات تلك الوحدة الاستخباراتية.

مثل هذه الخطوات، بالإضافة إلى مساعي احتلال مدينة غزة، ومحاولة اغتيال الوفد المفاوض لحركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، تعكس نية الكيان الإسرائيلي خوض حرب مفتوحة في الإقليم لا تنتهي إلا "بتغيير وجه الإقليم" كما يصرح بذلك نتنياهو دائما، لكنه لم يحدد طبيعة التغيير الذي ينوي فرضه بالقوة، خصوصا فيما يتعلق بمليشيا الحوثيين، التي ما زال الإعلام الإسرائيلي والغربي يصفها بأنها أنشط أذرع إيران في المنطقة.

وعلى الرغم من تهديدات الحوثيين بأن الرد على الغارات الإسرائيلية التي استهدفت حكومتهم سيكون قويا ونوعيا، فإن هجماتهم منذ تلك الغارات، في 28 أغسطس الماضي، وحتى الآن، لم تكشف عن تحول نوعي ردا على التحول الملحوظ في الغارات الإسرائيلية، التي بدأت بضرب البنى التحتية وبعض الأهداف المدنية، ثم أصبحت تستهدف قيادات الحوثيين ومباني المؤسسات الإعلامية، بالإضافة إلى منصات إطلاق صواريخ، وفق المزاعم الإسرائيلية.

بدا رد الحوثيين على تلك الغارات بالوتيرة نفسها التي ينفذون بها هجماتهم باتجاه الكيان الإسرائيلي منذ عدة أشهر، فهل يعكس ذلك مخاوف الحوثيين من رد واسع لا قدرة لهم على تحمله؟ أم يكشف عدم كفاية مخزونهم من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة لخوض مواجهة مفتوحة؟

- حسابات الرد والرد المضاد

هناك العديد من الأسباب التي تعيق الحوثيين عن تنفيذ ضربات واسعة ضد الكيان الإسرائيلي توازي التحول الملحوظ في الضربات الإسرائيلية ضدهم، من أهمها أن الحوثيين ليس لديهم مخزون كبير من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة لتنفيذ هجمات متزامنة باتجاه الكيان الإسرائيلي، تشبه الهجمات التي نفذتها إيران خلال حرب الإثني عشر يوما بينها وبين إسرائيل.

وفي حال نفذوا هجمات واسعة ومتزامنة فإن ذلك سيستنزف مخزونهم من السلاح بسرعة، ولن تتمكن سلاسل التهريب الإيرانية من تعويض الحوثيين بالأسلحة التي تمكنهم من الاستمرار في تنفيذ هجمات بالوتيرة نفسها، للإبقاء على حالة التظاهر بالقوة وعدم الانهيار.

وحتى في حال امتلاك الحوثيين كميات كبيرة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، سيبرز عائق آخر وهو الحاجة إلى عدد كبير من الكوادر المؤهلة والمدربة، والبنية التحتية العسكرية ومنصات الإطلاق التي تمكنهم من شن ضربات واسعة ومتزامنة، لإرباك الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وإحداث أضرار كبيرة في المنشآت المدنية والعسكرية التابعة للاحتلال الإسرائيلي.

ومن الواضح أن الحوثيين يعانون من ضعف كفاءة العنصر البشري، كما أن الضربات التي ينفذونها باتجاه إسرائيل يشرف عليها وينفذها عمليا خبراء إيرانيون وشيعة عرب دخلوا اليمن عبر أساليب تهريب مختلفة.

كما أن طبيعة الهجمات الحوثية تعكس عدم رغبة في التصعيد الواسع أو أن تشكل تلك الضربات تهديدا كبيرا لإسرائيل مما يدفعها للرد بعنف شديد، فهي هجمات منضبطة ومتفرقة وتستهدف محيط أهداف معينة بعيدا عن التجمعات البشرية أو البنى التحتية الحساسة، تحسبا لفشل اعتراضها، وبالتالي وصولها إلى أهداف حساسة، خشية أن يترتب على ذلك رد عنيف من الجانب الإسرائيلي.

ولذا فإن استمرار هجمات الحوثيين بعد الغارات التي استهدفت حكومتهم بالوتيرة نفسها التي كانت عليها قبل تلك الغارات، يعكس رغبتهم في أن تظل هجماتهم منضبطة ولا تدفع الكيان الإسرائيلي إلى رد فعل عنيف وغير متوقع، أي أنهم لا يرغبون في مزيد من التصعيد، لكن هل تفهم إسرائيل تلك اللغة؟

- أين تكمن خطورة هجمات الحوثيين؟

في الواقع، كانت هجمات حزب الله اللبناني باتجاه الكيان الإسرائيلي تشبه هجمات الحوثيين من حيث اختيار الأهداف والحرص على ألا تتسبب في أضرار كبيرة أو حتى محدودة تدفع الاحتلال الإسرائيلي إلى الرد بقسوة، لكن هذا لا يقلل من خطورة تلك الهجمات بالنسبة لإسرائيل، لأنها تجعلها في حالة استعداد واستنفار دائمين لاعتراضها.

وفي الوقت ذاته تجعل المستوطنين في بعض المدن في حالة خوف وقلق واستعداد دائم للتوجه إلى الملاجئ كلما دوت صفارات الإنذار، مما يجعل حكومة الاحتلال مضطرة للتعامل مع تلك الهجمات من منطلق المسؤولية تجاه مواطنيها وحماية أمنهم، وخشية من اتهامها بالعجز عن وضع حد للتهديدات التي يتعرضون لها.

وإذا كانت إسرائيل لم تتهاون مع هجمات حزب الله، رغم أنها لم تُسفر عن أضرار تذكر، واقتصر تأثيرها على إخلاء مستوطنات الشمال من السكان، فإنها أيضا لن تتهاون مع هجمات الحوثيين، والفارق يكمن فقط في توفر المعلومات الاستخباراتية في حالة حزب الله وشحها في حالة الحوثيين.

وعندما بدأت الاستخبارات الإسرائيلية بمراقبة الحوثيين، لوحظ التحول الكبير في نوعية الهجمات والأهداف، فعندما تقطع المقاتلات الإسرائيلية ألفَي كيلومتر لاستهداف حكومة الحوثيين في صنعاء فإن ذلك يعد خرقا كبيرا، رغم أن الظروف الاستخباراتية لم تنضج تماما بعد.

ويعني ذلك أن الرد الإسرائيلي سيتخذ مسارا تصاعديا خلال المرحلة المقبلة، لا سيما في حال استمرار هجمات الحوثيين حتى وإن تراجعت من حيث الكم أو الكيف، خصوصا بعد حديث الإعلام الإسرائيلي عن تشكيل وحدة جديدة تضم 200 ضابط استخبارات لجمع المعلومات الاستخباراتية في اليمن، وقد نفذت إسرائيل الغارات التي استهدفت حكومة الحوثيين في صنعاء بفضل هذه الوحدة.

وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل امتنعت عن الرد على هجمات الحوثيين حتى شهر يوليو 2024، رغم أن هجماتهم بدأت بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر 2023، وكان دافع إسرائيل للرد عندما أسفر هجوم للحوثيين عن سقوط ضحية مدنية.

ومنذ ذلك الحين قصفت إسرائيل أهدافا مدنية وبنى تحتية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، مثل ميناء الحديدة ومطار صنعاء ومحطات الطاقة ومرافق الوقود، قبل أن تبدأ بتوجيه ضربات دقيقة بعد تعيين وحدة استخباراتية مهمتها جمع المعلومات عن الحوثيين.

- كيف سيمضي مسار التصعيد؟

عندما انخرطت مليشيا الحوثيين ضمن المحور الإيراني بذريعة إسناد قطاع غزة ضد العدوان الإسرائيلي بعد عملية "طوفان الأقصى"، في 7 أكتوبر 2023، كانت تتوقع أن الحرب لن تطول كثيرا، وبالتالي لن تتعرض لخطر كبير، وستكون المشاركة الرمزية في الحرب وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية دون أن تتكبد أي خسائر عسكرية.

غير أن طول أمد الحرب في قطاع غزة، دون مؤشرات على انتهائها قريبا، لا سيما بعد مساعي الكيان الإسرائيلي لاحتلال مدينة غزة، تجد مليشيا الحوثيين نفسها في موقف صعب، خصوصا بعد التحول النوعي في الضربات الإسرائيلية ضدها، فهي إذا واصلت إطلاق صواريخ باليستية أو طائرات مسيرة باتجاه فلسطين المحتلة، سيكون الرد الإسرائيلي عليها مؤلما وقاسيا، وإذا فضلت الانسحاب، فهي تخشى أن تحرق جميع المكاسب السياسية التي حققتها على هامش الحرب في غزة، كما تخشى أن يفهم خصومها ذلك الانسحاب بأنه مؤشر على الضعف أو الانهيار، مما قد يدفعهم للانقضاض عليها.

وبما أن إسرائيل أطلقت قمرا اصطناعيا تجسسيا جديدا لمراقبة إيران والحوثيين، رغم امتلاكها عددا من أقمار التجسس تعمل بالفعل منذ سنوات، وشكلت وحدة استخباراتية تتكون من 200 ضابط لجمع المعلومات الاستخباراتية حول الحوثيين، وتعاونها مع أجهزة استخبارات أخرى مثل الاستخبارات الأمريكية وغيرها، فلا شك أن ذلك سيكون له نتائج ملموسة على المدى القريب.

ومن شأن المراقبة المستمرة للكيان الإسرائيلي ضد الحوثيين أن تحاصرهم في مسارات عدة:

أولا، التأثير على تحركات القيادات، لا سيما في حال تم اغتيال قيادات كبيرة في المليشيا، وهذا سيحد من قدرة قادة المليشيا على عقد الاجتماعات والتواصل وحركة التنقل والتنسيق العسكري.

ثانيا، الاستمرار في تدمير الموارد والبنى التحتية التي يسيطر عليها الحوثيون، خصوصا موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، مما سيؤثر على مواردهم المالية ونشاطهم التجاري.

ثالثا، مراقبة سلاسل التوريد الإيرانية التي تهرب الأسلحة للحوثيين، مما سيؤثر على مصادر تمويلهم بالسلاح، وبالتالي التأثير على استمرار عملياتهم العسكرية.

كما أن المراقبة الجوية المستمرة لرصد تحركات الحوثيين ستكشف عن مواقع منصات إطلاق الصواريخ، مما يؤدي إلى تدميرها، كما أن تحديد أماكن إطلاق الصواريخ سيؤدي إلى تحليل حركة العربات قبل لحظات إطلاقها، لتحديد مخازن الأسلحة وضربها بقنابل خارقة للتحصينات.

ومع ذلك، لا يمكن الجزم بأن إسرائيل ستُلحق بالحوثيين أضرارا بالغة تقوض سلطتهم، كونهم يتمركزون في مساحات واسعة وتضاريس معقدة، بخلاف حزب الله اللبناني المتمركز في مساحة جغرافية صغيرة جدا وتضاريسها بسيطة مما يسهل مراقبتها، كما أنهم سيكثفون من إجراءات التخفي سواء في المناطق النائية أو حتى في المدن الرئيسية، خشية التعرض للاغتيال، بمعنى أن إسرائيل ستبذل جهودا استخباراتية كبيرة حتى تتمكن من توجيه ضربات تضعف الحوثيين.

وفي المقابل، ليس أمام الحوثيين سوى الاستمرار في توجيه هجمات باتجاه إسرائيل، وإن كان ذلك بشكل أبطأ مما هي عليه هجماتهم الآن، ولن يتوقفوا إلا في حال تعرضوا لضربات مدمرة تطال أبرز قياداتهم العليا، وتدمر أهم مخازن أسلحتهم.

وفي حال شعروا بالانهيار أو عدم القدرة على المواجهة، فقد يحولون المواجهة مع إسرائيل إلى إشعال حرب داخلية، بذريعة مواجهة أدوات إسرائيل، بدلا من الانتظار حتى تضعفهم إسرائيل أمام خصومهم في الداخل، بما في ذلك القبائل الساخطة عليهم في مناطق سيطرتهم.

تقارير

بين قصف الاحتلال ومقامرة ميليشيا الحوثي.. اليمن ضحية مزدوجة

تواصل ميليشيا الحوثي تحويل اليمن إلى منصة صواريخ وساحة صراع مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وفي خدمة إيران، مما يعرّض ملايين المدنيين لمزيد من العزلة والخطر، في بلد مثقل بالميليشيات والحروب الداخلية والخارجية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.