تقارير
المجلس الرئاسي.. هل يعيد إنتاج نفسه كسلطة جماعية أم حانت لحظة الانهيار؟
يشهد مجلس القيادة الرئاسي أزمة جديدة بعد إصدار عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي وعضو المجلس، قراراتٍ منفردة لتعيين مسؤولين في مواقع حكومية وعسكرية دون توافق مع بقية الأعضاء.
هذه الخطوة تبعها تصعيد على شكل بيانات صدرت عن عبد الرحمن المحرمي، الذي حذر من خطورة الانفراد بالقرار وتداعياته على العملية الانتقالية وفقدان الثقة بين الأعضاء.
كما أصدر فرج البحسني بيانًا اتهم فيه قيادة المجلس بالتهرب من إقرار لائحة عمل ملزمة، محمّلًا هذا الغياب مسؤولية تفشي الفساد والانفلات في المحافظات المحررة.
وتزامن ذلك مع بيان من المكتب السياسي للمقاومة الوطنية التابع لطارق صالح، أكد فيه رفض الممارسات الأحادية، ودعا إلى احترام آلية التوافق.
تكشف هذه البيانات المتزامنة عن تناقض عميق داخل المجلس؛ فالمنتقدون للقرارات المنفردة هم أنفسهم منخرطون في التيار الذي يمارس الانفراد سابقًا وحاليًا، وأبرزهم قيادات الانتقالي الذي يصدر رئيسه القرارات. وهذا يكشف أن الخلاف ليس مبدئيًا حول آلية الحكم الجماعي، بل هو صراع على من يحتكر سلطة القرار.
- أزمة مركبة
يقول عضو مجلس النواب، علي عشال، إن الأزمة التي يعيشها مجلس القيادة الرئاسي هي أزمة تعكس حالة من الجهل بطبيعة الاتفاقات التي وُقِّعت، والتي بموجبها تم الاتفاق على هذه السلطة، وأقرت المكونات التي اجتمعت في الرياض أن تتعاطى مع هذا التفويض الذي قام به الرئيس.
وأضاف: أيضًا تعكس أزمة حقيقية بأننا في مرحلة لا يدرك فيها رجال الدولة إدارة مؤسسات عمل الدولة، كما أنها في الحقيقة تدل على أن كل المقدمات التي فُوِّض من خلالها الرئيس عبد ربه منصور هادي لهذا المجلس القيادي، والتي دفعت بالناس إلى حيرة من أن هناك كان عجزًا أو قصورًا في أداء مؤسسة الرئاسة، وأننا كنا بحاجة إلى التئام مكونات الشرعية، وكنا بحاجة إلى رص الصف من خلال إحداث تغيير في السلطة.
وتابع: كل تلك المبررات التي تحدث عنها إعلان نقل السلطة، للأسف الشديد، تثبت الممارسة الواقعية لمجلس القيادة الرئاسي أننا بصدد أزمة مركبة من خلال هذا المنتج، الذي للأسف الشديد ظل مراوحًا مكانه ولم يستطع أن يتجاوز كثيرًا من المعضلات.
وأردف: نحن أمام أزمة مركبة لأن المجلس الرئاسي لا يدرك طبيعة هذه المرحلة وتحدياتها، ثانيًا لحالة غياب الشراكة الحقيقية، وعدم فهم حقيقي للنصوص التي أوجدت اختصاصات وتحدثت عن مؤسسات وأسندت مهام، لكن الكل يبدو أنه عاجز عن أن يتعاطى مع هذه النصوص بشكل واقعي وعملي ويتعامل معها بقدر عالٍ من المسؤولية.
وزاد: أعتقد أن هذا الأمر هو الذي دفع بحالة التعثر التي نراها اليوم في مشهد أداء هذا المجلس لمهامه.
وقال: كان الحديث واضحًا من خلال إعلان نقل السلطة أنه لا ينبغي أن يُرتّب العمل في إطار مجلس القيادة الرئاسي، وأن تكون هناك لائحة، وكُتبت لائحة، وكان هناك تعثر في كتابتها، لكن هذه اللائحة في الحقيقة أُنجزت من خلال لجنة، واللجنة سلّمت هذه اللائحة إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي، لكن هذه اللائحة لم ترَ النور إلى الآن.
وأضاف: الحقيقة أن هناك كانت حالة تواطؤ من الجميع في عدم تمرير هذه اللائحة، لأن البعض في إدارة مجلس القيادة الرئاسي كان يستطيع أن يُمرر قراراته بالتشاور فيما بين أطراف معينة داخل هذا المجلس.
وتابع: كل واحد يستطيع أن يُمرر القرارات ويسجل حالة من الحضور، وقنع بهذه الوضعية، وبدأ يمارس قدرًا من الابتزاز بحجة غياب هذه اللائحة، ولكنه يستطيع من تحت الطاولة أن يُبرم أمورًا معينة ويستأثر بقرارات.
- البدايات كانت خاطئة
يقول الأكاديمي والمحلل السياسي، عبد الوهاب العوج: أنا أعتقد أن الموضوع يدل دلالة قاطعة على أن البدايات كانت خاطئة، ولذلك النتائج تكون خاطئة.
وأضاف: البدايات في تشكيل مجلس تم تقاسمه ما بين الإمارات والسعودية كان خطأ منذ البداية، والمشكلة أننا في تجربتنا اليمنية في مجالس الرئاسة، منذ أن كان هناك مجلس رئاسي سُمّي بمجلس قيادة الثورة أو مجلس جمهوري أيام القاضي عبد الرحمن الإرياني، أو مجلس رئاسي كان أيام عبد الفتاح إسماعيل وعلي ناصر محمد.
وتابع: كانت هذه المجالس دائمًا تفشل وتؤدي إلى مشاكل وحروب واقتتال، كما حدث في أحداث يناير 86 في الجنوب، أو في المشاكل التي أتت بعد ذلك في قيام الرئيس إبراهيم الحمدي بثورة التصحيح، وإنهاء ما يسمى بالمجلس الجمهوري.
وأردف: ثم أتينا بعد الـ90 لنشكل مجلس قيادة رئاسي كان يرأسه الرئيس علي عبد الله صالح وعضوية علي سالم البيض وسالم صالح وغيرهم من الشخصيات، عبد المجيد الزنداني، ثم فشل هذا المجلس وأنتج حرب 94.
وزاد: إذًا مجالس القيادة الرئاسية في اليمن هي تجربة فاشلة، وهذا المجلس هو الأكبر، ثمانية أعضاء، عدد كبير جدًا، وكان بالإمكان، بأقصى حد، أن يكون أربعة: اثنان يمثلون الشمال واثنان يمثلون الجنوب كحل، لأن الإخوة في الجنوب عندهم قضية "اثنين مقابل اثنين" دائمًا، منذ مؤتمر الحوار الوطني ورفضهم للأقاليم الستة.
وقال: القضية متجذّرة، هناك من يبحث عن انفصال، وهناك من يبحث عن مصالح آنية في وقت الحرب، ونحن الآن في معركة مع ميليشيات الحوثي الإرهابية التي تتبع إيران، وهي الخطر الأكبر الذي يتربص بالجميع.
وأضاف: للأسف، لا يوجد تحمّل للمسؤولية من الجميع، والجميع يتنصل من المسؤولية، سواء في النخب أو في مجلس القيادة الرئاسي أو في الحكومة المكونة من فسيفساء الأحزاب اليمنية المختلفة.
وتابع: كل ذلك ألقى بظلاله على عدم وجود تنسيق وتناغم، سواء في مجلس القيادة الرئاسي أو في الحكومة، فأحيانًا الوزير يختلف مع نائب أو مع وكيل، ولا يستطيع أن يغيره أو يفرض عليه آليات العمل داخل الوزارات، وكذلك في آليات العمل داخل مجلس القيادة الرئاسي الذي ينسى ويتناسى معركتنا الرئيسية مع الحوثي، والتي كان في قرار التشكيل والتفويض من الرئيس عبد ربه منصور هادي هو تحرير اليمن للوصول إلى العاصمة صنعاء.
وأردف: ابتعدنا عن الهدف الرئيسي، وذهبنا في مماحكات وبحث عن مصالح ومغانم قبل انتهاء المعارك.
- مصالح السعودية والإمارات
يقول عضو قيادة الحراك الجنوبي السلمي ورئيس تجمع القوى المدنية الجنوبية، عبد الكريم السعدي، إن طبيعة الخلافات في مجلس القيادة الرئاسي ليست جديدة، بل كانت موجودة منذ تأسيسه، فتشكيلته "غير متجانسة" و"متعارضة".
وأضاف: ما استجد هو فقط إعلان هذه الخلافات بشكل رسمي، بسبب الآليات التي قام عليها المجلس والظروف التي تشكّل فيها، والتي اعتمدت على إرضاء طرفي التحالف (السعودية والإمارات) والجماعات المكونة للمجلس لتحقيق أهداف معينة.
وأكد أن المجلس لم يحقق أهدافه المُعلنة، وعلى رأسها خوض المعركة ضد الحوثيين واستعادة الدولة، وأنه بدلًا من ذلك، انفتحت "معارك الوظائف والسفارات والوكلاء".
وتابع: أعتقد أن عيدروس الزبيدي لا يسعى فعليًا للانفصال، بل إلى "التمكين لجماعته" في إطار الشراكة القادمة مع الحوثي.
ويرى أن القوى العسكرية التي تُحسب على الجنوب لا يسيطر عليها الزبيدي بشكل كامل، بل تتصل مباشرة بالكفيل الإماراتي.
واتهم طرفي التحالف (السعودية والإمارات) بالاتفاق على الأهداف الاستراتيجية، التي تتمثل في "تغييب اليمن والعبث بمستقبله" وتغييب القوى الوطنية الحقيقية. مشيرًا إلى أن كل ما يدور في العملية السياسية يتم بناءً على اختيارات وانتقائية تخدم مصالح التحالف.
وقال: إن المجلس الرئاسي سيستمر في الوجود لأنه يمثل "مظلة للعبث في البلد" من قبل الإقليم، وذلك حتى تتضح الصورة النهائية مع الحوثيين، وأي تغيير في تركيبة المجلس سيبقى الحضور السعودي والإماراتي هو الطاغي.