تقارير
هجمات البحر وحرب أهلية.. إنقاذ اليمن من خطر مزدوج
قالت "مجموعة الأزمات الدولية"، إن وقف إطلاق النار في غزة يخلق فرصة لتخفيف أزمة البحر الأحمر، إلا أن البناء على هذه الفرصة سوف يتطلب دبلوماسية شاملة، سواء لضمان استمرار الهدنة أو للبحث عن مخرج من الحرب الأهلية في اليمن.
وأشارت إلى أنه كانت هناك تداعيات عالمية لهجمات الحوثيين على سفن البحر الأحمر، في حين لا تزال الحرب الأهلية في اليمن دون حل.
وتبحث "مجموعة الأزمات" من خلال هذا التحليل في الكيفية التي يمكن بها للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء مضاعفة الجهود الدبلوماسية لإنهاء هذا الخطر المزدوج المتمثل بهجمات الحوثيين على سفن البحر الأحمر والحرب الأهلية في اليمن.
وأوصت المجموعة الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء أن يأخذوا في الاعتبار الخطوات التالية فيما يتعلق بسياساتهم تجاه اليمن ما يلي:
أولا: في حين إننا ندرك أن الحملة الإسرائيلية في غزة لم تكن أبدا أساسا مشروعا لمهاجمة السفن في البحر الأحمر، فإننا نضغط على الحوثيين من خلال كل القنوات المتاحة لإنهاء عنفهم الآن بعد أن تم معالجة ذريعة هجماتهم من خلال وقف إطلاق النار، الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، بينما نعمل في الوقت نفسه على المساعدة في ضمان استمرار الهدنة في غزة؛
ثانيا: دعم الجهود الرامية إلى بناء بنية أمنية قابلة للاستمرار في البحر الأحمر، سواء من خلال إحياء مبادرات مثل "تحالف البحر الأحمر"، أو البحث عن بدائل ذات أهداف مماثلة. ومن الممكن استخدام علاقات الاتحاد الأوروبي المتنامية مع مصر والمملكة العربية السعودية لتشجيع دعمهما لنهج جماعي في التعامل مع الأمن الإقليمي؛
ثالثا: تشجيع استئناف محادثات السلام، بدءاً بخريطة الطريق السعودية الحوثية الهامدة والتي توقفت مع بداية الأعمال العدائية في البحر الأحمر، واستخدام ذلك كأساس للتحرك نحو مفاوضات سياسية أوسع، بما يشمل ذلك مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة اليمنية، تحت رعاية الأمم المتحدة؛
رابعا: دعم مبادرات المسار الثاني والمشاريع الأخرى التي تسعى إلى إعادة بناء العلاقات بين المجتمعات الخاضعة لسيطرة الحوثيين وتلك الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا؛
خامسا: تكثيف الدعم الإنساني والتنموي، مع الإقرار بأنه سيكون هناك مجال أكبر للعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة مقارنة بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
- ماذا يمكن للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء أن يقوموا به؟
لقد امتد تأثير هجمات الحوثيين على الشحن البحري في البحر الأحمر إلى ما هو أبعد من محيط اليمن، بما شمل أوروبا، التي تعتمد بشكل كبير على هذا الممر المائ لإمداداتها من النفط والتجارة الأخرى. وفي حين أن الضغوط القسرية والانتشار الدفاعي سوف تظل بلا شك تشكل جزءا من المشهد في ظل سعي الجهات الفاعلة الخارجية إلى استعادة حرية الملاحة في الممر الاستراتيجي، فإن الوقت مناسب أيضا لبروكسل ودولها الأعضاء لمضاعفة الجهود الدبلوماسية.
أولا: في حين لم تكن قضية غزة ذريعة مشروعة على الإطلاق لشن الحوثيين هجماتهم، فإن المتمردين برروا حملتهم في البحر الأحمر بأنها تأتي للتضامن مع الفلسطينيين في غزة وسط الحملة العسكرية الإسرائيلية. وبالتالي وقف إطلاق النار الأخير يزيل هذه الذريعة. وعلى هذه الخلفية، يتعين على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه الضغط على الحوثيين من خلال كل القنوات المتاحة لإنهاء هجماتهم في البحر الأحمر، وفي الوقت نفسه العمل مع قطر ومصر والمملكة العربية السعودية –ومن خلال ضغوطه على إسرائيل – للمساعدة في ضمان أن يؤدي الاختراق الأخير الذي حققته الولايات المتحدة إلى نهاية دائمة للأعمال العدائية وإزالة هذه الذريعة إلى الأبد.
وثانيا: إذا نظرنا إلى أبعد من ذلك في الأفق، فيتعين على الاتحاد الأوروبي أن يستثمر في بنية أمنية طويلة الأجل في البحر الأحمر قادرة على أن تكون محركا للاستقرار الإقليمي. إن إحياء مبادرات مثل مجلس البحر الأحمر – أو دعم أطر جديدة ذات أهداف مماثلة – من شأنه أن يمكن الدول الساحلية من تولي ملكية الاستقرار الإقليمي. وهنا تستطيع عمان وقطر أن تلعبا دوراً محورياً، بالاعتماد على قنواتهما القوية مع الحوثيين وإيران والقوى العربية. ويتعين على الاتحاد الأوروبي أن يستخدم علاقاته الدبلوماسية المتعمقة مع مصر والمملكة العربية السعودية لدفعهما نحو إحراز تقدم في دعمهما للحل المتعدد الأطراف من خلال التأكيد على أنه لا توجد دولة واحدة مسؤولة عن الأمن في هذه المياه.
ثالثا: كما يتطلب الاستقرار الدائم ايجاد تسوية للحرب الأهلية في اليمن بجميع أبعادها الإقليمية، وهو الأمر الذي أقر به الاتحاد الأوروبي في استنتاجات مجلسه في مايو 2025. وربما تكون نقطة البداية لدفعة دبلوماسية جديدة تتمثل بخريطة الطريق بين الحوثيين والسعوديين التي وضعت قبل أزمة البحر الأحمر، والتي تتضمن وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ودفع رواتب الموظفين العموميين واستئناف صادرات النفط، وتضع (بشكل حاسم) الأساس للمحادثات اليمنية التي تقودها الأمم المتحدة والتي من شأنها أن تجمع الفصائل المستبعدة من الحوار الثنائي السعودي الحوثي. وبينما يشجع الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء الدبلوماسية على المضي قدماً على هذا المنوال، فإنه يتعين عليهم أيضاً أن يتعاملوا مع واشنطن بشكل هادىء بشأن مسألة كيفية استخدام الرفع المحتمل للعقوبات كحافز لإحراز التقدم، مع الحيلولة دون أن تؤدي العقوبات إلى تقويض احتمالات التوصل إلى تسوية سياسية.
رابعا: يمكن لبروكسل أن تفعل المزيد لتشجيع إعادة بناء العلاقات بين المجتمعات المتحالفة مع الحوثيين وتلك المتحالفة مع الحكومة. فعلى سبيل المثال، بينما يقوم الاتحاد الأوروبي بتقييم دعمه الطويل الأمد لجهود الوساطة في المسار الثاني في اليمن، يتعين عليه أن يفكر في زيادة الاستثمار في تعزيز التشارك بين الوسطاء المحليين ولجان المصالحة. كما يمكنها أيضًا العمل على تعزيز العلاقات بين الطوائف من خلال دعم الخدمات المشتركة. ومن الأمثلة على ذلك مشروع كهرباء مأرب، الذي يقع في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة والذي يزود صنعاء بالطاقة. إن إشراك قادة المجتمع من كلا الجانبين لإعادة تفعيل هذه الخدمة من شأنه أن يفيد جميع الأطراف ويمكن أن يساعد في بناء الثقة في جبهات القتال.
وأخيرا: يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يواصل، بل من الأفضل أن يكثف، جهوده الإنسانية والتنموية في مختلف أنحاء اليمن. ويجب أن يمتد هذا الدعم إلى ما هو أبعد من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة ليصل إلى السكان الخاضعين لسيطرة الحوثيين إلى الحد الذي يسمح به للنشاط الإنساني بموجب أنظمة العقوبات المختلفة.
ونظراً للظروف المختلفة بشكل كبير في شطري البلاد، فإن الأمر يتطلب نهجاً مزدوجاً. ففي المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إذ تواجه المنظمات غير الحكومية الدولية، بما يشمل الشركاء الإنسانيين الرئيسيين للاتحاد الأوروبي على الأرض، حملات قمع من جانب جماعة الحوثي وتكاليف توصيل عالية (بسبب تكاليف التأمين والسفر البري من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة). لا توجد طريقة سهلة للقيام بذلك، غير أن التكتل الأوروبي والدول الأعضاء فيها قد تستكشف قنوات بديلة، بما فيها الشراكات مع المنظمات المحلية والقطاع الخاص، مع استخدام المناطق التي تسيطر عليها الحكومة أيضًا كمركز لوجستي للوصول إلى المحافظات الشمالية.
وفي المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، تسمح الظروف بمشاركة أكثر طموحا. ولابد من ترجمة العلاقات الراسخة بين الاتحاد الأوروبي والحكومة اليمنية إلى دعم ملموس من ناحية: تعزيز مؤسسات الدولة، وتعزيز قدرة السلطات المحلية على تقديم الخدمات العامة، ومساعدة المجتمعات المحلية على بناء قدراتهم للصمود. ويمكن أن يشمل ذلك زيادة الدعم للمؤسسات الحيوية مثل خفر السواحل، والبنك المركزي في عدن، والمكاتب المحلية التي تقدم الخدمات العامة، لتعزيز قدراتها التشغيلية.
كما يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يضاعف جهوده لمساعدة السلطات المحلية في دعم النازحين داخلياً وغيرهم من اليمنيين الضعفاء من خلال المبادرات الإنسانية والتنموية. إذ لن تؤدي مثل هذه الجهود إلى تحسين الحكم في هذه المناطق فحسب، بل ستخلق أيضًا نموذجًا ملهمًا للناس الخاضعين لسيطرة الحوثيين بحيث يطالبوا بخدمات ومساءلة أفضل.