تقارير
ما وراء الأنشطة العدائية المتكررة لمليشيا الحوثي في خط الملاحة الدولي؟
كثّفت مليشيا الحوثي من هجماتها العدائية على خط الملاحة الدولي في ساحل عُمان شرق اليمن، وحتى ساحل البحر الأحمر غربا.
وقالت الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أيام، إن طائرة مسيّرة إيرانية استهدفت ناقلة النفط "باسيفيك زيركون" وأصابتها بأضرار طفيفة، وبعد يومين، نقلت وكالة "رويترز" خبرا يفيد بقيام طائرة مسيّرة بمحاصرة سفينة بريطانيا قبالة خليج عُمان، وفي غرب البلاد قال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية إن مليشيا الحوثي جرّبت إطلاق صاروخ مضاد للسفن سقط قبالة سواحل الحديدة على ممر خط الملاحة البحري.
باتت المياه اليمنية والدولية الممتدة غير آمنة بفعل تهديدات مليشيا الحوثي وهجماتها العدائية ضد أهداف يمنية ودولية، تزامن هذا التصعيد الحوثي مع تجديد الحكومة اليمنية دعوتها للولايات المتحدة والمجتمع الدولي إلى تصنيف مليشيا الحوثي "جماعة إرهابية"، فلماذا لا يتعامل المجتمع الدولي مع التهديدات الحوثية لخط الملاحة الدولي بجديّة؟ وما الذي بيد الولايات المتحدة والفاعلين الإقليمين للحد من قدرات الحوثيين على تهديد خط الملاحة الدولي؟
- محاولة الظهور كقوّة إقليمية
يقول نائب مدير مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، أسامة الروحاني: "إن مليشيا الحوثي تحاول مؤخرا تقديم نفسها كلاعب إقليمي، ولا يعني فقط أنها تحاول تقديم ذلك من خلال وجود قوة فعلية تمتلكها وإنما من خلال عامل التهديد".
وأضاف: "مليشيا الحوثي ترى اليوم أن هناك أفقا مظلما للتقدم في المعارك المحلية، لذا تحاول أن تجنح لاستخدام أدوات مختلفة ليس فقط للضغط على قوى الإقليم وإنما لتقدّم نفسها أمام العالم على أنها قوة يجب التعامل معها بسقف عالٍ ومرتفع جدا".
وأشار إلى أن "مليشيا الحوثي تعي جيدا بأنها إذا أصبحت لاعبا مهما في المنطقة، وأصبح بنظر العالم بأنه تهديد فعلي يتعامل العالم معه بشكل مختلف، كأن يقمعه بشكل مباشر، وهناك صعوبة في ذلك"، موضحا أن "هناك طرق ضغط يمكن من خلالها كبح بعض تصرفات المليشيا، ولكن لن يكون بالأمر السهل".
وقال: "مقاربات التحالف ضد مليشيا الحوثي -خلال الفترة الماضية- لم تقدم أي نجاحات فعلية، لا سيما أن هناك الآن خط نشط تفاوضي ما بين المملكة العربية السعودية وبين المليشيا، وكانت هناك أيضا اتفاقات خارج الأطر الرسمية بين الإمارات والحوثيين، لذا مليشيا الحوثي تتلاعب بهذه الزاوية، فتحاول أن ترى ما هي المصالح التي تحاول قوى الإقليم أن تحافظ عليها، ومن خلال ذلك تقوم بتهديدها".
وأضاف: "إذا ما أرادت المليشيا تخفيف هذا النوع من التهديد، فهي تحصل على استحقاقات أخرى، منها ما نراه اليوم من فشل للهدنة الداخلية في اليمن، لأن مليشيا الحوثي لا تعتقد فيها نجاحا فعليا كبيرا، كما تعتقد في أن يكون لها موقف إقليمي ناجح".
وتابع: "مليشيا الحوثي أقرب إلى إيران أكثر من السابق، فإيران كانت حليفا إقليميا للحوثيين، لكن نرى اليوم مركز القيادة الإيرانية والباخرة الموجودة في المياه الدولية قبالة البحر الأحمر، في الوقت الذي تهدد المليشيا ممرات المياه الإقليمية والدولية، يؤكد أن هناك تقاربا وتناغما في الدور الذي تلعباه كلاهما، (مليشيا الحوثي وإيران)".
وأردف: "المليشيا تريد تقديم نفسها كقوة إقليمية، والدليل على ذلك أنها أفشلت الهدنة الداخلية بالرغم من أنها كانت تستفيد منها بشكل كبير".
ويرى أن "العالم غير سعيد بممارسات مليشيا الحوثي، بل أنه منزعج منها، لكن ما الذي يمكن أن يفعله؟ فلا يوجد الكثير الذي ممكن يقوم به المجتمع الدولي تجاه هذه الممارسات بشكل مباشر، إلا إذا أراد أن يتدخل بهذه المعركة، ليس فقط عبر التحالف، وإنما بشكل مباشر".
وأشار إلى أن "هناك تواجدا للقوات الأمريكية والبريطانية وللكثير من القوى الدولية في المياه الدولية، فهي مياه دولية ويحق لكل السفن أن تتواجد فيها، لذا يمكن للمجتمع الدولي أن يلعب دورا في تشديد الخناق على عمليات التهريب التي تحدث، سواء عبر السفن الإيرانية الموجودة في المياه الدولية أو عبر طرق أخرى، وبالرغم من صعوبة هذا كون من الصعب التحكم بمساحة البحر الشاسعة، لا سيما استخدام القوارب الصغيرة التي لا يمكن للرادارات الأمريكية رصدها".
وقال: "إذا نظرنا إلى ما تقوم به مليشيا الحوثي، داخل البلد، وإلى مقاربتها وحديثها مع السعودية، فلا يجب أن ننظر لها على أنها جماعة تنفيذية لأجندة إيران، فأنا أرى بأنها قوة ضاربة، ويجب أن نتعامل معها بجدية تامة، لا أن نعتبرها قوة بسيطة، وإذا قارناها بالحكومة الشرعية فهي أظهرت بأنها ممكن أن تخرج خارج الإطار المحلي، وأن تمارس أمورا على المستوى الإقليمي، بينما الحكومة -للأسف- لا تستطيع حتى أن تعبّر عن رأيها، كيف تجري الأمور فيما يخص عملية السلام، وما الذي يجب الحديث عنه مع السعودية والإمارات؟ هذا الأمر جعلها رهينة للخارج".
ولفت إلى أن "تصنيف الحكومة للحوثيين جماعة إرهابية هو ردة فعل ضعيفة جدا، فالحكومة شعرت بضعف ليس فقط أمام الحوثي، وليس أمام رفض الحوثي لمبادرات السلام، وإنما أمام القوى الإقليمية، التي بينما هي تقدّم تنازلات للحوثيين بشأن تمديد الهدنة، تتفاوض القوى الإقليمية معهم بشكل مباشر، بعيدا عنها، لذا شعرت بأنها في موقف ضعيف، وهي من وضعت نفسها بهذا الموقف".
وتابع: "قرار تصنيف الحوثيين، جماعة إرهابية لا يمتلك أي قاعدة قانونية إطلاقا، ولا يمتلك أي أفق، وما الذي سيحدث خلاله، فعندما تراجعت الولايات المتحدة عن تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية هي تعلم بأن هذا لن يضرهم كمليشيا، وإنما سيضر المؤسسات الواقعة تحت سيطرتهم، وهذا يعني بأن هذه المؤسسات يجب ألا تتعامل معها أو تغلق".
- إستراتيجية إيرانية
من جهته، يقول الباحث والمحلل في الشؤون العسكرية، الدكتور علي الذهب: "إن الشواغل والتهديدات الأمنية الحاصلة في خليج عدن والبحر الأحمر، وما تثيره مليشيا الحوثي يأتي بالتزامن مع الكثير من الأحداث الإقليمية، فضلا عن الحرب الدائرة في اليمن، ومع ما يجري في إيران، وما يجري في المحيط البحري لها".
وأضاف: "الإيرانيون لديهم إستراتيجية منع الوصول البحري، وهي تلجأ إليها قوة أضعف في مقابل قوة أكبر، فإيران يُنظر لها على أنها لا توازي أمريكا، لذا تلجأ للبحث عن مناطق خارج بحر العرب لتحقيق هذه الإستراتيجية، لمنع وصول أي تهديد إلى أراضيها، أو بحرها الإقليمي".
وتابع: "الإيرانيون أعلنوا بأن سفنهم الحربية سيكون لها نفوذ مباشر في البحر الأحمر، وجاء تصريح منتحل صفة رئيس هيئة الإستخبارات العسكرية، أبو علي الحاكم، قبل أيام، الذي قال فيه إن المعركة ستكون بحرية، بمعنى أن هناك تخادما بين إيران وأذرعها، فضلا عن أن هناك قوات بحرية إيرانية جنوبي البحر الأحمر، حصل بينها وبين القوات الأمريكية احتكاك مباشر في هذه المنطقة".
وأشار إلى أن "هناك ما يطلق عليه بحرب الظل البحرية، وهذه الحرب تدور بين ثلاث قوى دولية ( إيران - إسرائيل - بريطانيا)، والسفن التي اُستهدفت في بحر العرب، أو التي اُستهدفت في البحر المتوسط، تدخل في هذا الإطار".
ويرى أن "مليشيا الحوثي تحاول أن تظهر على أنها لاعب إقليمي، ولكن إذا قطعت يد إيران فستنكشف، كونها مجرد أداة بيدها لتنفيذ أجندتها، والحديث عن مليشيا الحوثي في الإعلام ضخّمها كثيرا، وهذا يضر الأطراف الأخرى، ويعطي تصوّرا غير دقيق لقدرات المليشيا".
- تغيير الخطاب
من جهته، يقول سفير اليمن لدى اليونسكو، الدكتور محمد جميح: "إن قرار تصنيف مليشيا الحوثي جماعة إرهابية ما لم يكن مدعوما بقوة على الأرض تطبّق هذا القرار دون أن يمس مصالح اليمنيين في مناطق سيطرة المليشيا، فإنه سيكون مجرد أداة ضغط سياسية لا أكثر".
وأضاف: "على المجلس الرئاسي والحكومة أن يحوّلوا خطابهم من الخارج إلى الداخل، حتى على مستوى المعركة وإرادة المعركة"، متسائلا: "ما الذي حققته دعوات السلام غير التأثير على الروح المعنوية؟".
وتابع: "علينا أن نعتقد بأن هذه معركتنا نحن وليست معركة أي طرف آخر، فإذا كان التحالف داعما للشرعية فالأصل ألا يكون قائدا للعملية، وأن يقود المعركة السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية والإغاثية والإنسانية أهل البلد، وأن يكون التحالف مجرد مظلة، أما غير ذلك فليس لصالحنا ولا لصالح التحالف".
وأردف: "إذا أردنا أن نتوجّه برسائل إلى الخارج فعلينا أن نقول رسالة واضحة، إنه ليس هناك طريق للسلوك إلى السلام مع مليشيا الحوثي إلا وسلكت، ومع ذلك لن يؤدي خيار السلام إلى نتيجة، والقول بأن الطريق العسكري وصل إلى طريق مسدود هو مقولة مكذوبة، وأن الذي حرر الجنوب وأوصل القوات إلى مشارف صنعاء وإلى الحديدة هو الحل العسكري".
وزاد: "لن يكون هناك سلام مع مليشيا الحوثي إلا إذا كان هناك سلاح وجيش وقوة مسلحة، وعلينا الاهتمام بذلك، ولن يسمح العالم بتسليح هذا الجيش إلا إذا توحّد، وكان تحت مؤسستي الدفاع والداخلية".