تقارير

كيف سيخدم مشروع انفصال جنوب اليمن إيران والحوثيين؟ (تحليل)

14/10/2025, 16:17:20
المصدر : خاص - قناة بلقيس - عبد السلام قائد

يواصل ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي مساعيه لتحقيق انفصال جنوب اليمن بدعم من التحالف السعودي الإماراتي عبر مسارات عدة، بدءا من تشكيل مليشيات انفصالية والإغداق عليها بالمال والسلاح، مرورا بجعل الرياض وأبوظبي نافذتين للانفصاليين وإشرافهما على التنسيق للقاءات بين قيادات انفصالية وسفراء ومسؤولين من عدد من دول العالم للترويج للانفصال والبحث عن داعمين أجانب، ثم العمل على ترسيخ نفوذ الانفصاليين من خلال إشراكهم في السلطة الشرعية، وانتهاء بالترويج للدولة الجنوبية القادمة عبر بوابة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي بتنسيق إماراتي.

- وهم الانفصال تحت شعار التطبيع مع إسرائيل

منذ الأشهر الأولى لعملية "عاصفة الحزم"، توقفت جهود القضاء على الانقلاب الحوثي، وحلت مكانها مساعي تحقيق مشروع الانفصال برعاية أبوظبي والرياض. وفي حين تتصدر الإمارات دعم مشروع الانفصال، تتوارى السعودية خلف الصمت والتصريحات النادرة أو الخجولة بشأن مساندتها للوحدة اليمنية، وتبدو تلك التصريحات وكأنها مجرد ذر للرماد على العيون لحجب الرؤية عن دورها المساند للانفصال، وتخدير حلفائها اليمنيين الوحدويين بذلك الموقف المراوغ، حتى يصبح الانفصال أمرا واقعا، كما تتوقع هي وأبوظبي.

وتعتقد الإمارات أن الترويج لمشروع انفصال جنوب اليمن عبر بوابة تطبيع الدولة الانفصالية المأمولة مع الكيان الإسرائيلي سيضفي بريقا خاصا على الانفصاليين وسيمنحهم قبولا دوليا واعترافا سريعا، لكن يظل ذلك مجرد وهم، فوعود التطبيع تزيد من عزلة الانفصاليين في أوساط الشعب اليمني وتحديدا في الجنوب، حيث يرفض معظم المواطنين مشروع الانفصال للعديد من الأسباب.

وفي الوقت نفسه، فإن سمعة إسرائيل تلطخت وصارت مكروهة في معظم دول العالم بسبب جرائمها الوحشية في قطاع غزة طوال سنتين، وبالتالي فإن انفصال جنوب اليمن ووعود التطبيع تظل مجرد رهان خاسر على ورقة محترقة، كما أن مشروع الانفصال يفقد كل يوم جزءا من زخمه الشعبي المتواضع أصلا، في حين تفقد الإمارات قدرتها على تسويقه خارجيا في ظل التحولات الإقليمية والدولية الراهنة.

علاوة على ذلك، فإن محاولة ربط القضية الجنوبية بمشروع التطبيع مع الكيان الإسرائيلي تجعل الانفصال يبدو وكأنه أداة لخدمة أجندات خارجية لا تمت بصلة لتطلعات أبناء الجنوب الحقيقية، الذين يطالبون بالعدالة والتنمية والكرامة قبل أي شيء آخر. 

ولذلك فإن رهان الإمارات وحليفها المجلس الانتقالي على التطبيع "كورقة شرعية" للانفصال لا يعدو كونه وهما سياسيا جديدا سيرتد عليها وعلى حلفائها بمزيد من الرفض الشعبي، خصوصا مع تصاعد الوعي الشعبي بخطورة تحويل قضايا الوطن إلى مشاريع نفوذ مرتهنة للخارج.

- الانفصال كخدمة مجانية لإيران والحوثيين

بدأت إيران منذ وقت مبكر بدعم مطالب انفصال جنوب اليمن بالتزامن مع دعمها لمليشيا الحوثيين، لأن الانفصال سيربك النظام الحاكم في صنعاء وسيخفف الضغوط على الحوثيين. ويمثل مشروع الانفصال حاليا خدمة لإيران والحوثيين أكثر من أي وقت مضى، لأنه سيمهد لإقامة دويلة حوثية بنسخة إيرانية بحتة وربما أكثر عنفا وإيذاء لجوار اليمن الإقليمي، وستظل هذه الدويلة تحظى بالدعم الإيراني دون التعرض لأي قيود أو فرض عقوبات عليها.

كما أن الحوثيين يعتقدون حاليا أن مشروعهم لن يُكتب له النجاح إلا إذا تحقق مشروع الانفصال، لأن ذلك سيجعلهم أكثرية مهيمنة في شمال اليمن بدلا من أن يكونوا أقلية غير مؤثرة في اليمن الكبير والموحد، وسيكون مصير تلك الأقلية إلى زوال في حال صودر سلاحها ولم تتمكن من الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع.

تعود بداية العلاقة بين الحوثيين والانفصاليين إلى حرب صيف 1994، عندما أيد حسين بدر الدين الحوثي انفصال الجنوب. وبعد انطلاق الاحتجاجات في بعض المدن الجنوبية للمطالبة بتسوية أوضاع الموظفين المدنيين والعسكريين المحالين إلى التقاعد على خلفية حرب صيف 1994، وتحولها إلى المطالبة بالانفصال، وركوب علي سالم البيض موجة الاحتجاجات من الخارج، بدأت إيران بدعم الحراك الانفصالي تحت غطاء حقوقي، ضمن ما سميت خطة "يمن خوشحال" (اليمن السعيد)، وهي خطة كُشف عنها عام 2009، تهدف إلى إشعال الفوضى في اليمن، وتمكين المليشيات شمالا وجنوبا.

وفي العام نفسه، رحب علي سالم البيض بالدعم الإيراني علنا. وفي عام 2010، أطلقت طهران من الضاحية الجنوبية في بيروت قناة "عدن لايف" الفضائية، بإشراف حزب الله، لتكون منبرا للحراك الجنوبي والترويج للانفصال. وفي عام 2012، أعلنت الحكومة اليمنية ضبط خلية تجسس إيرانية تنسق بين الحوثيين والانفصاليين، كما كشفت وثائق "ويكيليكس" عن اتصالات مباشرة بين طهران والبيض.

وفي عام 2012، ضُبطت شحنات أسلحة إيرانية متجهة إلى الحوثيين والحراك الجنوبي الانفصالي، أبرزها سفينة "جيهان1". كما تم تدريب مئات المسلحين الانفصاليين في إيران وجنوب لبنان على القتال وصناعة المتفجرات، باعتراف قاسم عسكر (أمين عام الحراك الجنوبي).

وبعد اندلاع عملية "عاصفة الحزم" عام 2015، تراجع نفوذ علي سالم البيض، وصعد عيدروس الزبيدي ليقود مساعي الانفصال، وأُعلن في 11 مايو 2017 تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الزبيدي. وبالرغم من دعم الإمارات للمجلس الانتقالي، فإن صحيفة "الأخبار" اللبنانية المقربة من حزب الله كشفت، في عام 2019، عن علاقات تنسيق ودعم متبادل بين قيادات في المجلس الانتقالي وحزب الله، وعلى تفاهمات غير معلنة مع الحوثيين برعاية إيرانية.

مثل هذا التعاون الذي يعكس رغبة إيران في تحقيق انفصال جنوب اليمن، كون ذلك سيمهد لقيام دويلة حوثية في الشمال تكون تابعة لها، وفي الوقت نفسه يكون لها علاقة مع الانفصاليين، لتوسيع نفوذها وترسيخه، يقتضي أن يلتف اليمنيون ودول الجوار حول الوحدة الوطنية، كضمانة لاستقرار اليمن والإقليم، وأيضا استقرار الملاحة الدولية عبر الأحمر ومضيق باب المندب.

غير أن الإمارات تنتهج خيارا مغايرا دون التفكير في عواقبه الكارثية، لاعتقادها بأن انفصال جنوب اليمن سيكون لمصلحتها، بينما سيبقى الشمال مسرحا للحوثيين وإيران، وترك الحوثيين يراكمون مزيدا من القوة لاجتياح الجنوب فيما بعد بذريعة استعادة الوحدة الوطنية، وعندئذ لن تجرؤ الإمارات على الدفاع عن الجنوب خشية الصواريخ الحوثية إيرانية الصنع التي ستضرب أهم مدنها وموانئها ومطاراتها، وستحيّدها عن معاودة التدخل عسكريا في اليمن.

- الوحدة ضمانة لاستقرار اليمن والإقليم

صحيح أن السعودية والإمارات كانتا معاديتين للوحدة اليمنية في عقود مضت قبل وبعد إعادة تحقيقها، بيد أن المتغيرات التي تشهدها المنطقة تقتضي الحفاظ على الوحدة لضمان استقرار اليمن والإقليم وإزالة المخاطر التي تهدد التجارة العالمية.

أما دعم انفصال جنوب اليمن من بوابة التطبيع مع إسرائيل، وكأن الأمر سيغري إسرائيل بوجود حليف يمني ضد الحوثيين، فمثل هذا الأمر يعكس مراهقة سياسية دافعها أحقاد غير مبررة على الوحدة اليمنية، فبدلا من القضاء على الحوثيين لاستقرار اليمن والإقليم، يُراد الإبقاء عليهم طرفا فاعلا كمبرر للانفصال، وتبعا لذلك سيظل التوتر قائما.

علما بأنه إذا تم تسليم شمال اليمن للحوثيين، فإنهم سيستغلون الكثافة السكانية العالية لتعزيز قوتهم العسكرية، وسيجدون حلفاء كثر من الجنوبيين الرافضين للانفصال ولعيدروس الزبيدي، وسيكون من السهل عليهم اجتياح الجنوب المعروف بمساحته الواسعة، والتي ليس بإمكان المجلس الانتقالي توزيع مقاتليه عليها بالكامل للدفاع عنها، بسبب قلة عددهم.

تاريخيا، لم يشكل اليمن خطرا على جيرانه إلا في زمن التشطير، فحين كانت البلاد منقسمة إلى شطرين شمالي وجنوبي، كانت التوترات الشطرية تستجر معها صراعات المعسكرين الشرقي والغربي في مرحلة الحرب الباردة، وفي الوقت نفسه كانت تمتد إلى خارج الحدود، فمثلا النظام الشطري في عدن دعم جبهة ظفار اليسارية في سلطنة عمان، واندلعت حرب الوديعة عام 1969 مع السعودية، فضلا عن الحرب الدعائية والنفسية ضد دول الخليج والتلويح باجتياحها لتغيير أنظمة الحكم "الرجعية" فيها إلى أنظمة يسارية تقدمية.

أما بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، فقد عاش اليمن وجيرانه أطول فترات الاستقرار النسبي، ولم تصدر منه أي تهديدات أمنية أو أيديولوجية، لأن الوحدة أغلقت باب التدخلات، وخلقت توازنا يمنع القوى الخارجية من اللعب في الداخل اليمني، بما يضر البلاد والإقليم.

وبالتالي فإن العودة إلى الانفصال اليوم تعني العودة إلى المربع الأول، بل وسيكون الأمر أسوأ مما كان عليه قبل الوحدة، فبالإضافة إلى أن الانفصال سيجعل الحوثيين أكثرية مهيمنة في الشمال لصالح إيران، فإن الجنوب نفسه منقسم، وتتعدد الولاءات فيه، مما سيجعل أي كيان ناشئ هشا ومتوترا، كما أن الانفصال والانقسامات البينية في الجنوب ستوفر المبررات للتدخل الأجنبي، وتفتح الباب لتحالفات واختراقات خارجية جديدة، وستتحول الساحة إلى صراع وتنافس إقليمي دائم.

وهذا سيمنح إيران مكسبا إقليميا جديدا لم تكن تحلم به، لأنها ترى في تمزق اليمن وتفتيته فرصة ذهبية، فكلما تكاثرت الدويلات، سهل عليها التمدد والتأثير. أما اليمن الموحد، سيجعل من الحوثيين أقلية محدودة داخل إطار وطني واسع، وستتحلل حتى تنتهي، وهو ما يفزع إيران، التي تعتاش وتتمدد على الانقسامات والحروب.

تقارير

غياب إصلاح جاد لمجلس القيادة الرئاسي يترك اليمن لمصير الوضع القائم

تحليل لمركز "ميدل إيست فورم أوبزرفر" الأمريكي، كتبه الخبير في الشأن اليمني فرناندو كرفخال، العضو السابق في لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، يقول إن غياب إصلاح جاد لمجلس القيادة الرئاسي يترك اليمن لمصير الوضع القائم، وإن "المستقبل يبدو قاتمًا في ظل تفشي الخلافات السياسية ومعاناة ملايين اليمنيين جراء انقطاع الرواتب والخدمات الأساسية".

تقارير

اتفاق السلام في غزة.. بداية لنهاية الحرب أم مقدمة لسلام هش تتربص به اتفاقات عابرة؟

اتفاق السلام في غزة يفترض أنه يضع حدا لحرب استمرت زهاء عامين هي الأشد في تاريخها وفق المرحلة الأولى من الاتفاق، حيث بدأت صباح اليوم الاثنين عملية تبادل الأسرى الفلسطينيين والمحتجزين الإسرائيليين ضمن اتفاق وقف اطلاق النار في غزة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.