تقارير
غارات واشنطن في اليمن تثير تساؤلات صعبة لحلفائها في الخليج
يتيح إعلان وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين، في الخامس من شهر مايو الجاري، في اليمن وفي البحر الأحمر، لكلا الطرفين كسب الوقت وسط المصاعب، إلا أنه لا يوقف الأسئلة التي أثارتها الحملة الجوية الأمريكية التي استمرت ثمانية أسابيع في اليمن.
ففي الواقع، لم تُعزّز العملية الجوية الأمريكية أمن دول مجلس التعاون الخليجي. إذ تبدو القدرات العسكرية للحوثيين في منأى عن التدهور، حيث لا تزال العواصم العربية في الخليج عرضة للهجمات المحتملة بالصواريخ والطائرات المسيّرة.
وبشكل أوسع، يتدهور الوضع الأمني على طول سواحل البحر الأحمر (اليمن، السودان، الصومال)، ويظهر الفاعلون المسلحون غير الحكوميين في المنطقة تعاونًا متزايدًا، مدفوعًا بتهريب الأسلحة.
في هذا السياق، لا تزال السعودية تسعى للحصول على ضمانات أمنية من واشنطن، بينما تركّزت رئاسة ترامب على بناء دفاع غير مباشر لدول مجلس التعاون الخليجي من خلال صفقات دبلوماسية (مثلا مع إيران)، وشراء المعدات (مثل توفير الأسلحة)، حتى الآن.
- "عملية راف رايدار": ثلاثة أسئلة إشكالية في اليمن
أثارت الحملة الجوية الأمريكية ضد الحوثيين والمعروفة ب"عملية راف رايدار" بعض الأسئلة الإشكالية لتحالف الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي.
والسؤال الأول هو: هل يمكن أن تشكل الغارات الجوية الأمريكية نقطة تحول في اليمن؟ إذ لم تنجح الحملة في قلب ميزان القوى العسكري على الأرض، ومن المحتمل أن يكون لهذا الأمر- لدى للجانب الأمريكي- دور في وقف إطلاق النار.
في واقع الأمر، أطلقت الجماعة المدعومة من إيران أكثر من عشرين صاروخًا بالإضافة إلى طائرات مسيّرة على إسرائيل بعد تاريخ 15 مارس (حيث ضربت منطقة مطار تل أبيب، وأطلقت صافرات إنذار حتى في حيفا في البداية)، وأسقطت الجماعة، على الأقل، سبع طائرات مسيّرة أمريكية من طراز "إم كيو 9 ريبر" كانت تحلق فوق اليمن.
والسؤال الثاني هو: هل لدى الولايات المتحدة حقًا إستراتيجية في اليمن؟ كانت "عملية راف رايدار" تبدو وكأنها استعراض للقوة في فراغ إستراتيجي. فقد كانت تصريحات ترامب والإدارة توضح أغراض الغارات الجوية المتنوعة، التي تراوحت بين استعادة حرية الملاحة إلى "سحق الحوثيين تمامًا".
وساهم ذلك في إرباك الرأي العام، والحلفاء في الخليج، بشأن الهدف النهائي للعملية.
السؤال الثالث هو: إلى أي مدى ستكون الولايات المتحدة مستعدة لدعم الشركاء اليمنيين وحلفائها الخليجيين في مواجهة الحوثيين؟
ففي محاولة للاستفادة من الغارات الأمريكية، كانت القوات اليمنية والقوات المدعومة من الإمارات تتبنى فكرة القيام بهجوم بري لاستعادة، على الأقل، الحديدة وتعز، في ظل كافة المخاطر التي تنطوي عليها ذلك.
لن يكون الهجوم ممكنًا دون توفير غطاء جوي من الخليج، الذي يفضل أن يكون من الولايات المتحدة، فضلا عن القيام بتدريب وتجهيز.
غير أن الولايات المتحدة بدت مترددة حيال ذلك، أيضًا بسبب غموض السعودية.
ومع ذلك، فإن الموقف الحذر الذي اتخذته الرياض اعتمد أيضًا على عدم وجود ضمانات أمريكية في حالة حدوث انتقام: كيف سيرد البيت الأبيض على أي هجوم حوثي ضد المملكة العربية السعودية و/أو الإمارات العربية المتحدة؟
ففي عام 2019، عندما أدى هجوم إيراني إلى تقليص إنتاج النفط لشركة أرامكو السعودية إلى النصف لمدة أسبوعين، شعرت الرياض بأنها تُركت بدون دعم من ترامب، الذي لم يتفاعل لأن المصالح الأمريكية المباشرة (المراكز العسكرية، الجنود) لم تكن مستهدفة.
- دفاع ترامب غير المباشر: الصفقات والمشتريات، وليس اتفاقيات الدفاع
مع أن تأثير صدمة 'أرامكو' لا يزال حيا في الذاكرة، فإن التأثير العسكري للحملة الجوية الأمريكية في اليمن يمثل أهمية لدول الخليج العربي، لأنه، في الأثناء، لم تتطور الأمور إلى مستوى الحاجة لضمانات أمنية.
وإضافة إلى ذلك، لقد ربطت الإدارة الأمريكية الحالية بشكل متزايد "قضية الحوثيين" بـ "الملف الإيراني" من حيث الإستراتيجية والاتصال.
وتمثل هذه أخبار سيئة لدول الخليج، التي تستثمر سياسيًا في العلاقات الدبلوماسية مع طهران للنأي بدول الخليج عن التوترات الإقليمية: إذ تخاطر بالانتقال إلى واقع غامض في حال انهارت المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران.
وفي هذه المرحلة السياسية، ترى العواصم العربية في الخليج أن ترامب يمكنه أن يقدِّم شكلين غير مباشرين من الدفاع وهما: الصفقات الدبلوماسية، ومشتريات الأسلحة.
فالدِّفاع من خلال الصفقات هو الشكل السياسي لاتفاقيات إبراهام (2020)، التي شملت الإمارات العربية المتحدة والبحرين.
ومع ذلك، فإن التطبيع مع إسرائيل أصبح الآن غير مطروح على طاولة المملكة العربية السعودية، على الأقل على المدى القصير، بسبب الحرب في غزة، وخطة "الريفييرا" (خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المثيرة للجدل للسيطرة على قطاع غزة)، التي يراها البيت الأبيض، وتدعمها الحكومة الإسرائيلية الحالية.
كما يمكن اعتبار الممر الاقتصادي الهندي - الشرق أوسطي - الأوروبي مثالًا على الدفاع من خلال الصفقات: فهذه البنية التحتية متعددة الأوجه (السكك الحديدية، الموانئ، الكابلات الكهربائية، خطوط الأنابيب للهيدروجين الأخضر) سيكون لها - وقد كانت لها بالفعل- دلالة أمنية كبيرة.
وبالإضافة إلى ذلك، ستحتاج هذه الدول إلى شبكة أمنية منسقة بين دول الأعضاء لحمايتها بفعالية، بما في ذلك من التهديدات غير المتكافئة.
غير أنه دون التطبيع السعودي- الإسرائيلي لا يمكن تطوير الممر الاقتصادي الهندي - الشرق أوسطي - الأوروبي كما هو مخطط له أصلاً، إذ يجب أن يتصل ربط السعودية بإسرائيل عبر الأردن.
الانفاق الدبلوماسي الرئيسي المطروح حالياً هو اتفاق نووي جديد بين الولايات المتحدة وإيران.
الطريق وعر، ومع ذلك، فإن انتشار الصواريخ والطائرات المسيّرة ودور الفاعلين المسلحين غير الحكوميين في المنطقة ليست جزءاً من المفاوضات.
لذلك، مع أو بدون التوصل لاتفاق نووي، فإن القضايا الأمنية المتعلقة بإيران التي تهدد أمن دول مجلس التعاون الخليجي لن يتم تناولها.
إذ من المحتمل أن يكون الدفاع من خلال صفقات المشتريات، أي عقود الأسلحة، هو الخيار الرئيسي الذي سيختاره ترامب لأن يستمر، على الأقل، على المدى القصير، لدعم أمن دول مجلس التعاون الخليجي، في ظل ولايته الأولى.
وقد اختارت إدارة بايدن "تسميات الدفاع" (مثل قطر كشريك رئيسي غير تابع لحلف الناتو، 2022؛ الإمارات العربية المتحدة كشريك رئيسي في الدفاع، 2024) والاتفاقيات (الصفقة التي لم تُنجَز مع المملكة العربية السعودية) لتقليل الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط مع تهدئة حلفاء الخليج، ومحاولة احتواء الاختراق التكنولوجي الدفاعي الصيني في دول مجلس التعاون الخليجي.
من ناحية أخرى، قد ترى إدارة ترامب أن الاتفاقيات الدفاعية التي تُكرس الضمانات الأمنية هي التزام قوي للغاية بالدفاع الإقليمي الآن، بسبب الغموض الإقليمي الكبير ووجود العديد من مسارح الصراع المترابطة؛ طمثل اليمن.
- الفشل في اليمن يعني الفشل في البحر الأحمر.
بالنسبة لواشنطن، فإن الإنجازات العسكرية غير المرضية ضد الحوثيين قد ترسل إشارة سيئة لمستقبل الاستقرار في منطقة البحر الأحمر الأوسع، حيث نفذت الولايات المتحدة بالمثل غارات ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال.
تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أن الأمن في البحر الأحمر جزء لا يتجزأ من أمن الخليج.
وحالياً، تُعتبر اليمن مركز انعدام الأمن: حيث إن الشراكات المدفوعة بالأعمال بين الحوثيين والعناصر المسلحة غير التابعة للدولة في المنطقة الفرعية (القاعدة في جزيرة العرب، الشباب، داعش)، المدعومة بتهريب الأسلحة من شبكات إيرانية، تُشكّل خريطة مستقبل عدم الاستقرار.
يعد اليمن حاليًا مركزًا لانعدام الأمن: فالشراكات المتزايدة القائمة على الأعمال التجارية بين الحوثيين والجهات المسلحة غير الحكومية في المنطقة مثل (تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وحركة الشباب، وداعش)، التي يعززها تهريب الأسلحة من الشبكات الإيرانية، هي من تشكل الخريطة المستقبلية.
فسيناريو الأمن البحري يتدهور بسرعة، وليس فحسب في الحديدة، الميناء الرئيسي الذي يسيطر عليه الحوثيون.
فالهجمات الأخيرة بالطائرات المسيّرة في ميناء بالسودان من قِبل قوات الدعم السريع السودانية، التي تُعد الأولى منذ عام 2023، وبدء القاعدة في جزيرة العرب باستخدام الطائرات المسيَّرة في شرق اليمن، بالقرب من البحر العربي، تضفي متغيِّرات جديدة من انعدم الأمن إلى المشهد القائم.
ومن هذا المنطلق، يجب على التحالف الأمريكي مع دول مجلس التعاون الخليجي التركيز على تعزيز قدرات الدفاع الجوي، وتمتين التصدي للطائرات المسيَّرة، على أن تعالج الواقع المتعدد الأبعاد (الجوي؛ البحري) للتهديدات الحالية.
يجب أن تشمل هذه الجهود الأبعاد العسكرية (القدرات المتكاملة) والسياسية (الضمانات الأمنية)، بحيث يستهدف إعادة إنشاء الردع سواء في دول الخليج أو في منطقة البحر الأحمر.
ستكون طريقة تعامل الولايات المتحدة مع قضية الحوثيين حاليا، بالإضافة إلى الأجوبة التي ستقدمها إدارة ترامب على الأسئلة الإشكالية التي أثارتها "عملية راف رايدار" في اليمن، حاسمة لفهم الاتجاه المستقبلي لتحالف الولايات المتحدة مع دول مجلس التعاون الخليجي.