تقارير
صفقة ديسمبر.. هل كان رأس علي عبدالله صالح ثمنًا لعودة أسرته إلى السلطة؟
أعاد الفيلم الوثائقي الذي بثته قناة "العربية" مساء أمس السبت، تحت عنوان "المعركة الأخيرة"، علي عبدالله صالح إلى واجهة الجدل السياسي، بعد ثماني سنوات من مقتله على يد مليشيا الحوثي في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2017.
لكن هذا الظهور لم يكن محض توثيق، بقدر ما أعاد طرح أسئلة حساسة بشأن توقيت الفيلم ودوافعه، والأهم: هل كان مقتل صالح هو الثمن السياسي لتمهيد الطريق أمام عودة عائلته إلى المشهد من جديد؟
الفيلم، الذي روّجت له "العربية" بحملة دعائية واسعة، قدّم رواية بديلة عن اللحظات الأخيرة في حياة صالح، أكدت ما كان يُتداول في السابق من أنه قُتل أثناء محاولته الفرار إلى قريته في سنحان، في تناقض واضح مع الرواية التي ظل أنصاره يروّجون لها حول "استشهاده في منزله وهو يقاتل الحوثيين حتى اللحظة الأخيرة".
وقد جاءت هذه الرواية الجديدة على لسان نجله "مدين صالح"، الذي أكد أن والده قُتل أثناء توجهه إلى قرية الجحشي القريبة من حصن الثنية في مديرية سنحان، مسقط رأس علي عبدالله صالح.
هذا الطرح أثار ربما صدمة في أوساط الموالين للرئيس الراحل، الذين كانوا يعتبرون تمسكهم برواية "المواجهة حتى النهاية" جزءًا من معركة سياسية ضد الرئيس السابق عبدربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر، اللذين طالما اتُّهما بالفرار وترك الساحة للحوثيين.
- إشارات سياسية
ورغم أن الفيلم لم يأتِ بجديد من حيث المعطيات الميدانية، بحسب ما تداوله ناشطون ومراقبون، إلا أن توقيت عرضه، ومصدره الإعلامي، حملا دلالات سياسية أعمق.
فقناة "العربية"، التي كانت لسنوات تصف صالح بـ"المخلوع"، وتحمّله مسؤولية سقوط صنعاء وتحالفه مع الحوثيين، تبدو اليوم وقد غيّرت نبرة خطابها تجاهه، في ما رآه البعض انعكاسًا لتغير سعودي في التعاطي مع تركة صالح السياسية.
هذا التحول، وفق محللين، قد يكون تمهيدًا لإعادة تقديم شخصيات من عائلة صالح، مثل نجله أحمد أو مدين وغيرهما، كلاعبين محتملين في أي تسوية سياسية قادمة، بعد سنوات من التجميد الإعلامي والسياسي.
سبق بثّ الفيلم، ظهور يحيى محمد عبدالله صالح، القائد السابق لقوات الأمن المركزي، في بودكاست تابع لقناة "العربية" لأول مرّة، حيث أكد أن علي عبدالله صالح لم يقاتل الحوثيين، بل لم يفتح النار إلا عندما وصلوا إلى منزله.
ونفى أن تكون أحداث ديسمبر 2017 ثورة كما يُروّج لها من قِبل أنصار صالح، وإنما كانت -بحسب تعبيره- مجرد دفاع عن النفس بعد أن حاصر الحوثيون منزل صالح ومنازل أفراد أسرته.
وكذّب نجل شقيق صالح في هذا التصريح السردية التي ظل أنصار صالح يتغنون بها بشأن انتفاضة ديسمبر، كذكرى تؤكد -في نظرهم- توبة علي صالح من خطيئة تحالفه مع الحوثيين وانقلابهم على الدولة في سبتمبر 2014.
- تجاهل متعمّد أم رسائل مبطّنة؟
اللافت في الفيلم كان تجاهله الكامل لدور العميد طارق صالح، قائد قوات "حراس الجمهورية"، وكذلك غياب أي تفاصيل تتعلق بملابسات مقتل الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام، عارف الزوكا.
وهو التجاهل الذي أثار تساؤلات جديدة: هل قُتل الزوكا في مواجهة مسلحة؟ أم جرى تصفيته أثناء أسره؟ أم أنه قُتل وهو يحاول الهروب برفقة صالح؟
هذه التساؤلات بقيت بلا إجابة، ما دفع البعض للتشكيك في نوايا الفيلم، واعتباره جزءًا من سردية جديدة تُكتب خلف الكواليس، تُبقي ما هو مطلوب وتقصي ما لم يحن وقته بعد.
- دور السعودية
طرح الفيلم مجددًا ملف العلاقة المعقّدة بين صالح والمملكة العربية السعودية، حيث يربط كثير من المراقبين بين مقتله وإعادة تقديم عائلته على طاولة السياسة، ويذهب البعض إلى أن ما جرى كان بمثابة "صفقة صامتة": رأس صالح مقابل إعادة تدوير أسرته سياسيًا.
التوتر بين صالح والرياض لم يكن وليد اللحظة، فبحسب تسريبات موقع "ويكيليكس" في 2010، نقلت وثائق عن الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز أنه "لا يثق بعلي عبدالله صالح"، ما أثار حينها حفيظة الأخير، ودفعه إلى استقبال نائب الرئيس الإيراني "حميد بقائي" في صنعاء، وتحديدًا في نوفمبر 2010، في خطوة وُصفت بأنها تحدٍّ واضح للرياض، ورسالة بأن صالح يملك أوراقًا أخرى.
اللافت أن تلك الزيارة الإيرانية جاءت بعد أسابيع من استضافة اليمن لبطولة "خليجي 20"، التي روّجت لها حكومة صالح بوصفها خطوة لتعزيز التقارب مع دول الخليج، لكن الواقع أظهر انفتاحًا غير مسبوق على طهران.
وفي هذا الإطار، نقل موقع "ويكيليكس" عن الأمير محمد بن نايف حينها، اتهامه لصالح باستخدام ورقة التمدد الحوثي أداة لابتزاز دول الخليج، بعد أن سمح عن قصد بتوسع النفوذ الحوثي في شمال البلاد؛ ليبقى شوكة في خاصرة جيرانه الخليجيين، ويدفعهم إلى تقديم الدعم المالي، الذي كان -وفق الوثائق- يتجه بسرعة إلى حسابات في بنوك سويسرا.
إجمالًا، يطرح فيلم "المعركة الأخيرة" أسئلة أكثر مما يقدّم إجابات؛ لكن المؤكد أن المعركة حول إرث صالح لم تنتهِ بمقتله، بل ربما بدأت فعليًا بعده، فهل كان رأسه هو الثمن الذي فُتح به الباب لعودة أسرته إلى السلطة؟ سؤال قد لا يُجاب عنه الآن، لكن ملامحه بدأت تلوح في الأفق.