الفشل الكلوي ينهش الطفولة في اليمن.. أرقام صادمة وواقع مأساوي

لم تتخيّل أم أيمن يومًا أن كسرًا بسيطًا في ساق طفلها سيكون بداية رحلة ألم طويلة، تنتهي به في قسم العناية المركزة، يُصارع فشلًا كلويًا حادًا وسط صدمة تعيش تفاصيلها الثقيلة كل لحظة.

أيمن، البالغ من العمر 10 سنوات، كان طفلًا مليئًا بالحيوية، تعرض لكسر أثناء اللعب، وتلقى العلاج وتعافى تدريجيًا، كما تؤكد والدته. لكن المفاجأة المؤلمة جاءت بعد أسابيع، حين سقط مغشيًا عليه في الشارع، ليبدأ الكابوس الحقيقي.

- تشخيص صادم

في قسم الطوارئ، كشفت الفحوصات أن أيمن لا يعاني من هبوط عابر، بل من فشل كلوي حاد، استدعى نقله فورًا إلى وحدة العناية المركزة.

تقول والدته: "أيمن لم يشتكِ من شيء، والأطباء رجّحوا أن يكون السبب تفاعلًا نادرًا مع أدوية استخدمت أثناء علاجه، أو مرضًا خفيًا لم نكن نعلم به".

- 788 طفلًا تحت الغسيل الكلوي

وبحسب مصدر في وزارة الصحة، فإن عدد الأطفال دون سن 18 عامًا ممّن يخضعون لجلسات غسيل كلوي في اليمن بلغ 788 حالة، بينهم 392 ذكرًا، في رقم يعكس اتساع حجم الأزمة الصحية في البلاد.

وأكد المصدر في حديثه لموقع "بلقيس" أن الوزارة مستمرة في تقديم الرعاية لهؤلاء المرضى، وتسعى لتحسين جودة خدمات الغسيل الكلوي للأطفال، رغم التحديات الكبيرة.


-بين الوراثة والإهمال

قال الدكتور عصام مهيوب دحان المحياء، مدير مركز الكلى الصناعية في مستشفى الجمهوري بتعز، لموقع "بلقيس": "حالات الفشل الكلوي لدى الأطفال لا تزال تظهر بوتيرة مقلقة، وغالبًا ما تعود لأسباب خلقية أو وراثية".

وأضاف: "كثير من هذه الحالات تُكتشف في مراحل متأخرة، بسبب ضعف الوعي الصحي في المجتمع، وعدم الانتباه لأعراض مبكرة كقلة التبول، أو انتفاخ الجسم، أو الإرهاق المستمر".

وتابع: "المؤلم أن بعض العائلات تلجأ إلى العلاج العشوائي دون استشارة الأطباء، ما يؤدي إلى تفاقم الوضع الصحي للطفل، ونضطر أحيانًا إلى تحويل المرضى إلى صنعاء، بسبب نقص الفلاتر والقساطر والمواد الأساسية لغسيل الكلى".

- الالتهابات والإسهالات أبرز الأسباب

من جانبه، قال الدكتور عبدالرقيب محرز، مدير عام الخدمات في وزارة الصحة العامة، لموقع "بلقيس": "تزايد حالات الفشل الكلوي بين الأطفال أصبح قضية وطنية مقلقة".

وأوضح: "الأسباب تشمل التهابات الجهاز البولي، والإسهالات الحادة والكوليرا، والتشوهات الخَلقية كانسداد الحالب أو الكلى متعددة الكيسات، والعدوى المتكررة في المسالك البولية، والاستخدام الطويل أو المفرط لبعض الأدوية؛ مثل المضادات الحيوية والمسكنات، والأمراض الوراثية (مثل متلازمة ألبورت)، واضطرابات التمثيل الغذائي، والجفاف وسوء التغذية، وأمراض مناعية مثل التهاب 'الكبب' الكلوية، وارتفاع ضغط الدم غير المشخَّص، وسوء استخدام الأدوية".

وشدد على أن "التشخيص المتأخر ونقص الوعي يمثلان تحديًا كبيرًا أمام جهود الوقاية"، مؤكدًا أن "الوزارة تعمل على تعزيز برامج التوعية والكشف المبكر".


- التلوث وقلة المياه.. خطر قاتل بصمت

قال الدكتور محمد السماوي، استشاري أمراض الكلى والغسيل الدموي، لموقع "بلقيس": "تلوث المياه والغذاء وسوء التغذية من أبرز العوامل المسببة للفشل الكلوي لدى الأطفال، إلى جانب الأمراض المعدية وعدم شرب الماء بكميات كافية".

وأشار إلى أن "بعض الأطفال يعانون من أمراض خلقية لا تظهر أعراضها إلا في مراحل متأخرة"، مؤكدًا أنه يستقبل يوميًا حالة أو حالتين لأطفال مصابين بأمراض كلوية خطيرة.

وختم السماوي حديثه بالدعوة إلى تكثيف الجهود المجتمعية والرسمية لرفع الوعي الصحي، مشيرًا إلى أن "التدخل المبكر قد ينقذ حياة الطفل ويمنحه فرصة لحياة طبيعية".