تقارير
الدراسات العليا.. سوق مربح للحوثيين
ما يزال "عاصم" يتردد على جامعة صنعاء على فترات متفرِّقة، منذ قرابة العشر السنوات، ليس لأنه صار موظفا في إحدى كلياتها، أو ليواصل برنامج الدراسات العليا، لكن ليحافظ على مقعده في دراسة الماجستير الذي حرمته الرسوم الكبيرة من إنجازها.
بدأ عاصم دراسة مرحلة التمهيدي في كلية الإعلام، قبل انقلاب مليشيات الحوثي على السلطة، واجتياح العاصمة صنعاء نهاية العام 2014، إلا أنه ما يزال معلقا في عنوان الرسالة، في حين أكمل رفاقه الذين التحقوا معه، في العام نفسه، بالدراسات العليا دراسة الدكتوراة.
يقول عاصم لـموقع "بلقيس": "مع سيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة، ومنها جامعة صنعاء، فرضوا رسوما خيالية على الدراسات العليا، في ظل ظروف اقتصادية متردية، وهذا ما أجبرني على التوقف عن الدراسة لبعض الوقت".
- تعليق الدراسة
كافح عاصم للوصول إلى مرحلة اختيار عنوان الدراسة البحثية، حتى لا تذهب دراسة التمهيدي إدراج الرياح، وليضمن بقاء ملفه ضمن الدراسات العليا بعد أن عجز عن دفع تكاليف الإشراف على الرسالة التي تزيد عن 350 ألف ريال، علاوة على رسوم جلسة المناقشة، وحفل التخرج، وغيرها من الرسوم، واضطر إلى ترك الأمر معلقا، على أمل أن تستقر الأوضاع يوما ما، ويعود ليواصل.
لم يمتلك الباحث في دراسة الماجستير "ناصف الصوفي" صبر عاصم في تعليق الدراسة، والبقاء على أمل العودة لإنجازها يوماً ما، ومع توجه جامعة صنعاء لرفع الرسوم، تخلى عن المرحلة التمهيدية، التي اجتازها قبل الحرب بتقدير جيد جدا. وطوى صفحة التفكير بالدراسة نهائيا.
درس الصوفي سنة التمهيدي، في العام 2010، برسوم رمزية تقدر بـ8 آلاف ريال، واضطرته الظروف العائليةإلى التوقف، ومع اندلاع الحرب توقفت الدراسات العليا في الجامعة عدة سنوات، لتعود بعدها بآلية جديدة، وبتكاليف يعجز الطالب العادي عن سدادها، والمبلغ الصغير الذي دفعه للتمهيدي، صار يزيد عن 200 ألف ريال.
عاصم والصوفي ليسا إلا نماذج من عشرات الباحثين، الذين اضطروا إلى توقيف الدراسات العليا، بعد أن حوَّل الحوثيون الجامعات الحكومية إلى استثمارات تُدِر عليهم المليارات من نفقات التعليم بنظام النفقة الخاصة لمرحلة البكالوريوس، وبرنامج الدراسات العليا.
- مبالغ خيالية
الرسوم، التي كانت رمزية للمقبلين على الدراسات العليا قبل انقلاب مليشيا الحوثي، صارت مبالغ ضخمة، جعلت العشرات من الطلاب يحجمون عن الدراسة، ويبقون عالقين في منتصف المرحلة، ويعجزون عن استكمال إنجاز الرسائل العلمية.
وتختلف رسوم الدراسات العليا من كلية إلى أخرى، وتتراوح في الماجستير ما بين 5 آلاف دولار - ما يساوي مليون و250 ألف ريال، بالسعر القديم للدولار "250" ريالا- إلى 7 آلاف دولار أمريكي (1750000) كما في تخصص المحاسبة، ويتضاعف المبلغ أكثر عند الالتحاق بالدراسات بكلية الطب والهندسة والتخصصات العلمية، بحسب مصدر في رئاسة جامعة صنعاء لـموقع "بلقيس".
يضيف المصدر أيضا: "كانت الدراسات العليا، قبل الحرب، تكلف 150 ألف ريال شاملة كل الرسوم، لأن الدولة كانت تتحمل النفقات، أما حاليا فيتحملها الباحث، وتصل تكلفة دراسة الدكتوراة إلى 20 مليون ريال فما فوق، ولا يستطيع الالتحاق بها إلا الأغنياء فقط".
وتبرر الجامعة بأن هذه المبالغ أُُقرت وفقا لدراسات وحسابات دقيقة، تقوم على تكاليف برامج الدراسات العليا، وليست عشوائية، ولم تفرضها بهدف التكسب، أو لوضع عقبات أمام الراغبين في الالتحاق بالدراسة.
وعلى الرغم من تخصيص مبالغ مالية للمشرفين على البحوث، إلا أن الجامعة ترفض تسليم الطالب الرسوم للمشرف العلمي أو الكلية التي يدرس فيها، وتفرض التسديد عبر مكاتب البريد لحساب الجامعة، حتى تتمكن من خصم الضرائب، واجتزاء جزء من المبلغ المحدد له.
ويؤكد المصدر أن الجامعة وضعت هذه الآلية لضبط العملية، ومرور كل الرسوم عبرها يهدف إلى تنظيم العملية الدراسية، وجعلها تقوم على ضوابط ولوائح، ولا تكون فوضوية، وأشبه بعملية بيع وشراء بين الطالب والأكاديمي.
- تكييف البحوث
وبهدف زيادة الاستثمار في التعليم العالي، فتحت مليشيا الحوثي برامج الدراسات العليا في جميع الكليات والتخصصات الإنسانية والعلمية بجامعة صنعاء وجامعات المحافظات الأخرى، بعد أن كانت الدراسات العليا محصورة في بعض الكليات الإنسانية، من دون وضع معايير علمية، ورحيل كثير من الكفاءات التي كان يقوم عليها التعليم العالي.
ومع استتباب الأمر لجماعة الحوثي، لم تكتفِ باستثمار التعليم العالي والبحث العلمي في الجانب المالي وحده، وكلفت مشرفين تابعين للميليشيات لإجازة عنوانين الرسائل، وتكييف الدراسات لخدمة توجهها، وتمجيد رموزها، وتعظيم مذهبها، مما جعل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ترفض قبول الأبحاث العلمية الصادرة من الجامعات الخاضعة لسيطرة الحوثيين، قبل أن تتراجع عن القرار لاحقا.