تقارير
الانقلاب الحوثي: عقد من الظلام.. عقد من الدمار
عشر سنوات منذ اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء، أعادت خلالها المليشيات القادمة من كهوف الجهل والتخلف إحياء ميراث ألف عام من الفتن والحروب، والحكم بالغلبة من خلال هياكل ومؤسسات ومكتسبات عقود الجمهورية، التي أصبح حالها كحال النصب التذكاري في ميدان السبعين، حيث يرقد جثمان القيادي في الجماعة، صالح الصماد، فوق ضريح الجندي المجهول، الرمز الوطني لكل شهداء الثورة اليمنية، وتحت الأعمدة الستة لأهداف ثورة الـ٢٦ من سبتمبر 1962، وضعت قبور مرافقي الصماد الستة، في سعي حثيث لتزوير التاريخ، وتجريف الهوية اليمنية، وفرض "الهوية الإيمانية" على الطريقة الخمينية الإيرانية، والعودة بنمط الحياة إلى زمن الرهينة، لتمضي عشر سنوات من عيش الناس في الجوع والقهر بقوة السلاح، كفصل في الجحيم.
- نقيض تاريخي وموضوعي لثورة 26 سبتمبر
في صنعاء أنين مكتوم، ومعاناة صامتة، لقد أنفق الناس مدخراتهم خلال عشر سنوات من الجائحة الحوثية، يقول أصحاب العقارات إنهم لا يحصلون على كامل الإيجارات؛ لأن المستأجرين لا يستطيعون الدفع.
ويعتمد الناس بشكل متزايد على التعاطف فيما بينهم، وما يرسله الأقارب المغتربون والمهجرون قسراً في الخارج.
لقد عادت الموشّحات الدّينية التي تفزع ليل صنعاء، من قبل حلول الفجر بساعة، بألحان جنائزية تبعث على الكآبة، والشعور بالغربة، وتنعش أدعية "الصحيفة السجادية" للإمام زين العابدين بن الحسين ذاكرة كبار السن بالمشاهد والصور العالقة من سنين الجوع، والجراد، والقمل، والكتن في زمن حكم أسرة بيت حميد الدين.
وبين زمنين، بدأت حياتهم بالجوع والحرمان، ويختمونها مع الفقر والإذلال، فالحوثية متحور فرعي جديد لفيروس الإمامة، وانقلابهم في 21 سبتمبر 2014 أقبح نقيض تاريخي وموضوعي لثورة 26 سبتمبر المجيدة.
تتفاقم محنة اليمنيين، الذين يعيشون تحت سطوة هذه الجماعة، فالوضع الاقتصادي مزرٍ، ومعدلات سُوء التغذية في تزايد، وحقوق المرأة في تقلّص، والهجرة والنزوح الداخلي مستمران، ونظام الرّعاية الصحية في انهيار، والتعليم مدمَّر. المشهد يبدو كغلي ضفدع، وهذا ما يحدث.
- تجارة وتهريب المخدرات
تحت مظلة "الهوية الإيمانية" والتدين الزائف للحوثيين، انتعشت تجارة وتهريب المخدرات في صعدة، وعمران وحجة، وهي المحافظات التي لم تكن تعرف هذه المحرمات إلى ما قبل مجيء هذه الجماعة، لتعبر شحنات "الحشيش" و"حبوب الكبتاجون" أسبوعياً، إن لم تكن يومياً من هذه الجغرافيا، وصولاً إلى "الرقو" في مديرية حيدان، و"آل ثابت" في مديرية قطابر على الحدود السعودية حيث مخيمات الأفارقة التي أنشأها الحوثيون لإكمال عملية تهريب المخدرات إلى الداخل السعودي لزعزعة استقرار المملكة، والحصول على الموارد التي يحتاجونها لمواصلة حربهم على الشعب اليمني.
- الشعبوية الرديئة
تقابلك مظاهر الفوضى، والجدران الملطّخة بالشعارات الطائفية، وصور القتلى في حروب الحوثيين، وفي سبيل أطماعهم، في كل الشوارع والأزقّة والأحياء.
الحياة هنا أشبه بمستنقع لا يمكن العيش فيه. فمليشيا الحوثي تكرِّس الشعبوية الرديئة، وتتعامل مع السكان كـ"مزرعة الحيوان"، حيث تعيد إنتاج الطبقية ليعتلي "السادة" قمة الهرم الاجتماعي، فالإمامة في مذهبها حقاً شرعياً في "البطنين"، وعدم المساواة هو الشيء الطبيعي، وكل ما يقوله عبدالملك الحوثي على حق فهو "القرآن الناطق"، وشقيقه المؤسس "قرين القرآن"، وهكذا يفرضون رؤيتهم الملوثة للحاضر والمستقبل.
تحكم مليشيا الحوثي بقوة السلاح، وتجرف مسيرتها تنوع المجتمع وثقافته وتعليمه ومؤسساته، وكل ما يتصل بالتعايش، وينتمي لروح العصر.
الحوثيون يحكمون دون تكلفة تُذكر، أيديهم في جيوب الناس، يأخذون أموال الزكاة، ويجمعون الضرائب، ولا يقدِّمون أي خدمات، ولا يدفعون رواتب.
وعندما تتألم من الجوع والقهر، وتحتج أو ترفع صوتك، ستتعرّض للخطف، والسجن، والقتل خارج إطار القانون، فهذه المليشيا نشأت على الإرهاب والإجرام، وهذا هو الوجه الحقيقي للحوثيين.
- مصير أسود
مشاهد الإذعان والرضوخ لسطوة مليشيا الحوثي في الشارع العام تخفي خلفها مشاعر انتقام وثارات مؤجلة، تؤكد على مصير أسود ينتظر قيادات الحوثيين، وكل من تورط معهم في القتل والنهب والاختطاف، والتعذيب، وتفجير المنازل.
لقد فجّرت مليشيا الحوثي مئات المنازل في مسيرتها المجنزرة من صعدة إلى عمران إلى صنعاء، وصولاً إلى حدود سيطرتها، بالديناميت والرصاص في البيضاء، وتعز، ومأرب، والضالع.
كما قامت بمصادرة ممتلكات المعارضين لها، والتصرف والعبث بها من خلال "الحارس القضائي"؛ أداة هذه المليشيا لنهب أملاك وأموال خصومها.
- خطاب طائفي
في كل المناطق، التي تحت سطوتها، أزاحت مليشيا الحوثي كل إمام وخطيب مسجد لا يحمل فكرها ولا يعتنق مذهبها، وقامت بفرض أئمة وخطباء من أتباعها وخريجي حوزاتها، يصعدون إلى المنابر كل جمعة، والكثير منهم يحمل بندقية على كتفة، يفرغون خطبتي الجمعة على أسماع المصلين بمضمون واحد يتسلمونه عبر "واتس"، مساء كل خميس.
تمضي الخطبة الأولى والمساجد لا تزال شبه فارغة، فمن يحضر في الغالب هم من أتباع الحوثيين، وفيها يسمعون خطابا طائفيا لم يكن مسموعاً من قبل مجيء هذه الجماعة، بمفرداته ومروياته، وقصصه، وشخصياته: من سيرة الإمام الهادي إلى سيرة الإمام زيد، إلى وصية الإمام علي لمالك الأشتر.. تحريض طائفي وتشنيع بالأمويين ومعاوية ويزيد، وتكريس لمزاعم "الولاية"، وتحفيز المصلين على القتال، ورفد جبهات المليشيات الحوثية.
أما الخطبة الثانية في الجمعة فتُخصص لحصاد الأسبوع الإخباري، وكأنك تستمع إلى قناة "المسيرة"، ومع اقتراب إقامة الصلاة يتوافد المصلون الذين يفضلون الجلوس في مؤخرة المساجد وباحاتها الخارجية، ويلتزمون الصمت عند ترديد "الصرخة"، الشعار الذي أطلقه الإمام الخميني في العام 1979.
ومع انقضاء الصلاة، تبدأ مشاهد تُدمي القلب، نساء ورجالا، شبابا وشيوخا، يتوسلون للحصول على قُوت يومهم.
الناس تتساقط من الجوع، فيما الحوثيون مشغولون بصرف المليارات على مناسباتهم الطائفية.
- الحياة أصبحت سجنا كبيرا
عشر سنوات على "انقلاب الحوثيين"، عشر سنوات من الظلام، عشر سنوات من الدمار؛ الحياة أصبحت سجناً كبيراً. فائض السلاح، الذي يملأ الشوارع، يهدد كل من يحلم بحياةٍ أفضل.
هذه المليشيات لا تبني بل تدمِّر، ولا تزرع الأمل بل تزرع الخوف، وتعيد عقارب الساعة إلى الوراء، إلى زمنٍ مظلم، حيث يسود القمع والاستبداد.
وفي هذا الواقع المرير، يتحول الإنسان إلى كائنٍ بائس، يبحث عن لقمة العيش، ويشعر بالغربة في وطنه.