مقالات

"يوم داروين" للاحتفاء بإنجازات علم الأحياء

12/02/2023, 08:05:37

في الألف سنة الماضية، كان العلماء قد تأثروا بشدة بالأديان، وأكثر من أي وقت مضى، وكان الناس في القرن التاسع عشر أكثر تأثراً واقتناعاً بقصصها، كان القرن ذاته أيضاً مناسبة لمولد أعظم عالم في الأحياء (١٢ فبراير)، وأحد أنبغ العقول البشرية، التي غيرت نظريته فهمنا لنشأة الحياة وتطور الكائنات الحية، وهو تشارلز داروين، فإلى ذلك الوقت كان الناس يعتقدون أن كائنات ذكية ما ورائية وكلية القدرة هي المسؤولة عن خلق الطبيعة وأنواعها الحية. 

كان والده الثري يتوق لأن يراه طبيباً متديناً، داروين كان خجولاً، خاملاً بلا اتجاه، وغير متشكك لإيمانه بالرب. اهتمامه بالطبيعة كان لاحقاً، وبالتالي من الصعب عليه التفكير خارج فكرة وجود كائن خارق للطبيعة مسؤول عن خلقه وخلق الكائنات. كانت الحكايات المقدسة والأسطورية تسرد قصتها عن خلق الكائنات والبشر، وتهيمن على العقول بتلك الروايات.

كان داروين -مثل غيره- في القرن التاسع عشر يعتقد بأن اليد الإلهية هي المسؤولة عن التنوع، كان فهمه يعتمد على أطن الخصائص التي سمحت للإنسان وللكائنات الاخرى أن تمتلك أسلافا، ولها هذه الصفات  يحركها خالق ما. ولكن نظريته -بعد ذلك- ذهبت أبعد من معتقداته، فقد وجد الألاف من العلماء شيئاً مختلفاً في نظريته، لا يطابق معتقداته.. فمن خلال اكتشافاته لأوجه التشابه بين الأنواع المختلفة هدم معتقداته بنفسه، وخلص في نهاية المطاف إلى أن جميع الأنواع سلفها مشترك، ولاحظ أن التطور الطبيعي هو سبب وجود العديد من الأنواع.

ففي العام 1859، تحدى تشارلز داروين كل تلك المعتقدات القديمة، ومقدماً إلى البشرية "نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي"، وبناءً على قدر هائل من البحث والملاحظة والتدوين. 

‏‎ومن ثم طور نظرية أصل الأنواع بمرور الوقت، أشار إلى أن التكيف مع البيئة المتغيرة سبب ذلك. ومع ذلك، وبالنسبة للكائنات، التي فشلت في التغيير والتكيف، فقد انقرضت تدريجياً.

‏‎كان وضع فكرة راسخة ومثبته علمياً تشرح أن الأنواع تطورت من خلال الطبيعة بداية اختراقاته العلمية وأساس بناء نظريته، التي سوف تقلب العلوم الطبيعية راساً على عقب، ومن ثم تعيد تشكيل الطريقة التي نفكر بها عن الكائنات وسبب وجودها.

إنجاز داروين هو تقديم تفسير علمي معقول ومقنع لكيفية تطور الأنواع، وذلك التفسير ساعد بعد ذلك علوم ثورية مبنية على التطور على دراسة أصل الحياة وتتبَّعها، وتفسيرها بشكل دقيق.

اليوم، وعلى الأقل، في جميع الديمقراطيات الليبرالية، يتم تعليم الأطفال عموماً من قبل معلمي علم الأحياء مفهوم نشأة الحياة من منظور دارويني، وذلك التعليم العلمي الحديث أحد أهم أسباب تفوق المجتمعات الليبرالية الحديثة عن نظيراتها في المجتمعات الدينية التقليدية، والملفت كذلك، وبالرغم من مرور أكثر من ١٥٠ عاماً على تقديم النظرية، استمرار رفضها في الأوساط الدينية، وفي مجتمعات العالم الثالث تحديداً، لا تزال النظرية وبالنسبة إلى قطاع واسع لا يتسامح مع العلم وبشكل غير مبرر وموجه ضد المعرفة والتقدم البشري، وبطريقة ممنهجة لا تعبأ الاعتراف بالحقائق العلمية، ولحسن الحظ أن ذلك الرفض وعدم التسامح لم يعق النظرية عن إحداث ثورة في التاريخ العلمي البشري.

وبعد مرور ما يتجاوز قرن ونصف على نظرية داروين،  يثبت التطور أن هناك الكثير في هذا العالم، وأكثر مما يمكن للإنسان أن يراه. ولكن داروين رأى جزءا منه وصنع منه شيئاً  ثورياً. لقد تغيرت البشرية بعد بحثه، أعاد تشكيل المعرفة البشرية ووعيها بذاتها. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أسست النظرية الأرضية العلمية لاكتشاف الأدوية، وعولجت الأمراض، وبالإضافة إلى كل ذلك تغيرت طريقة رؤية العلماء والعامة للكائنات، فقد وضع داروين معرفة فريدة امتدت إلى تطور هائل في مختلف العلوم، وبالتالي منهجاً علمياً وطريقة جديدة في التفكير البشري، وأثبت أن هناك دائما سببا بديلا لوجود شيء ما على ما هو عليه، وفي الوقت نفسه أن الحكايات والأساطير القديمة خاطئة.

‏‎يوصف داروين في الكتابات الغربية بأنه صاحب ثورة أكملت الثورة الكوبرنيكية لتأسيس ما نسميه اليوم العلم الحديث من خلال استخلاص مفهوم الطبيعة كنظام تحكمه القوانين الطبيعية، ومن ثم يفسر السمات التكيفية للكائنات الحية كنتيجة لعمليات وقوانين طبيعية خالصة ومعقدة، ودون اللجوء أو الحاجة إلى المصمم الذكي.

في يوم داروين، الذي يخصص للاحتفاء بإنجازات علم الأحياء وفروعه، يمكننا القول بيسر:

"سيظل تشارلز داروين إلى الأبد أحد أعظم علماء الأحياء في التاريخ".

مقالات

حكاية الكافرة شجون ناشر (1-2)

في "سنة الجُدَري"، شاع الخبر في "قرية العكابر" بأن شُجُوْن ناشر كفرت بربّها، ودخل الشك إلى قلبها، وتوقفت عن الصلاة، وبدلاً من أن تصلي صارت تغنِّي، وأصبح الغناء صلاتها.

مقالات

العليمي: مأرب بوابة النصر القادم

بعد الهجمات الحوثية على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، أصبح من الواضح للجميع، سواءً على الصعيد الإقليمي أو الدولي بما في ذلك القائمون على مشاريع السلام الدولية في اليمن، بأنه بدون مأرب قلعة الصمود والاستبسال والاستعصاء فإن الحوثيين لن يتوقفوا حتى يصلوا إلى آخر نقطة على حدود عُمان.

مقالات

اغتصاب مدينة!

للمدينة ذاكرة لا تمحو ولا تُمحى؛ ذاكرة المكان والزمان والناس والأشياء والمشاعر والألسنة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.