مقالات

وماذا بعد أيّها اليمن العنقاء!

09/05/2025, 07:56:14

لم تَعُدْ كلُّ الكتابات السياسية، والتحليلات، والتنبؤات، ونشرات الأخبار، والتقارير، وهلمَّ جرًّا، تعني شيئًا لليمن المتشظِّي، المفتَّت، والمقسَّم، والممزَّق بين ميليشيات باغية في كل زواياه، وجباله، وسواحله الممتدّة.

يسافر اليمني بعدّة وجوه، ويتقلّب بين أمزجة وشعارات الميليشيات وأهوائها ونقاطها الأمنية، والمظالم تُلاحقه أينما توجَّهت ركائبه.

لا أمن، لا أمان، لا استقرار. اليمني حاله كحال وطنه، فقيرٌ في حلّه وترحاله، في صَحوِه ومنامه؛ فلا أمنَ غذاء، ولا أمنَ دواء، وعاجزٌ عن استنشاق عبير الحريّة، وروائح العبودية والطغيان تُطارده في شمال اليمن وجنوبه وشرقه وغربه.

وما من بصيص ضوء في آخر النفق، ولا أمل للشعب والوطن بالخلاص من هذه العبثيّات التي تضرب اليمنَ أقوى من الزلازل والبراكين والفيضانات.

الجميع يعرفون أنَّ وجهة اليمنيين هي الهاوية السحيقة، وما من رجلٍ رشيدٍ في هذه البلاد، أو لعلَّه لم يَعُدْ فيها كما يظنّ البعض.

لكن اليمن ولّادة.

وفي البلاد التي يُفترَض أن تكون جارة، أو دول جوار، لم يَعُدِ الأمن الإقليميُّ متاحًا بجوار بحار النفط والتريليونات.

الجميع ينظرون إلى اليمن كمناطق نفوذ وغنائم، ولا يحترمون أحدًا، ويتعاملون مع كل اليمنيين باعتبارهم قابلين للبيع والشراء، وقد وجدوا ضالتهم في “الثمانية”، وتاسعهم يعيث فسادًا ونهبًا وتدميرًا وتجريفًا لكل مقدّرات البلاد والشعب.

 

لا أعتقد أننا بحاجة للتذكير بخسائر اليمن خلال يومين.

ماذا سيكتب التاريخ عن هذا الذي يحدث في اليمن؟

لا أشكّ لحظةً واحدةً أنَّ التاريخ يعجز عن استيعاب ما يحدث في اليمن من أبنائه أولًا، ومن جيرانه ثانيًا، ومن العالم الذي يدّعي الحريّة والديمقراطية، هذا العالم الجبان، الذي لا يلبث أن يعود إلى حقيقته الاستعمارية المتوحّشة.

كم تحتاج اليمن لتتعافى ممّا ألمَّ بها من حروب وتشظٍّ وفساد وميليشيات؟

لقد مرّت حتى اليوم عشر سنواتٍ عجافٍ للغاية.

في اليمن اليوم جيلٌ جديد نشأ وترعرع تحت القصف، والمسيّرات، والعنف، والدم، والدموع، والجوع، والجهل، والأميّة، والأمراض، وكلّ مساوئ التاريخ القديم والجديد.

ماذا بعد؟ وماذا عدا مما بدا؟

كلُّ التنظيرات والتحليلات تنتظر الحلول من الدويلات الناشئة والدول الاستعمارية، وأنا أراهن أن التغيير لن يكون إلّا من الداخل، ومن بين أفراد الشعب.

الشعب وحده هو الذي سيقول كلمته في المحصّلة النهائية لهذا العبث الحاصل، لكن متى؟

عندما يعود الجميع إلى الوطن يحدوهم الأمل بالخلاص، وتتضافر جهود الجميع.

لكن ما يحدث منذ عشر سنوات هو تمزيق اليمن بحيث لا تقوم له قائمة.

ونحن نعلم يقينًا أن كلّ حركات التحرر التي قامت في اليمن كانت تُساند بعضها البعض، فلا يمكن للشمالي أن يتحرر من الكهنوت دون دعم إخوانه في الجنوب، والعكس صحيح.

أمّا إذا استمرّ تقسيم اليمن إلى كانتونات، وإمارات، وممالك، وعودة إلى حكّام وملوك الطوائف كما كان في الأندلس، فلا بدّ أنَّ المستقبل سيتمخّض عن موحّدين جدد، ينتفضون من تحت تراب الوطن، كما ينتفض طائر العنقاء من تحت الرماد.

اليمن يشبه العنقاء: تحترق لكي تقوم، وتُوغِل في تحليقها عاليًا، ثم تشيخ، وتقع على النار، لكي تُوغِل في البعيد ـ البعيد المتناهي البُعد ـ حتى تتدلّى أضواؤه فيبدو قريبًا من القُرب، وبعيدًا على الأقرب، إلى أن يتمخّض حمله عن مولد خامس أو سادس، حسب الطقوس.

ما هذا الذي يُولَد مرارًا؟ كلُّ شيء تتعاقب عليه الرياح الهِيف، إلى أنْ يملأ مناخه، فيُسدّ منافذ الرياح.

قال شاعر:

نموت كما مات آباؤنا

ويبقى الزمان على ما ترى

نهارٌ يُضيء، وليلٌ يجيء

ونجمٌ يغور، ونجمٌ يُرى..

اليمن طابقت تسميته “زُحل” من جانب، و”الزهرة” أو “عشترون” من جانبٍ آخر.

وما أتى العصر الوسيط، بل ما يزال العهد القديم.

وللقِدَم جلال، وللحديث صبىً يسعى، ثم يطير، ثم يزحف من طيرانه، ولا يجيء العصر الوسيط، لأنَّ قِدَمه نما من ذاته ـ في ذاته.

فكلّما طال عليه الزمن، زاد تعتّقًا، كالرحيق، الذي يختمر منه ـ فيه، لكي يظلّ معبودًا، يحلو على صدره الموت، لأنَّ القبور مَهَادُ مواليد.

هل عرفنا الذي وُلِدَ مرّات، وما يزال يُزيّنه القِدَم، وتَرِفُّ عليه حداثة الصبا؟

إنه اليمن..!

مقالات

أزمة مجلس القيادة الرئاسي في اليمن وانعكاساتها السياسية

تشهد الساحة اليمنية منذ أسابيع تصاعدًا ملحوظًا في حدة الخلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي، الذي شُكّل في أبريل 2022 بدعم سعودي–إماراتي، ليكون مظلة سياسية وعسكرية لإدارة المرحلة الانتقالية ومواجهة التحديات الأمنية والعسكرية، غير أن تضارب الأجندات الإقليمية وتباين مصالح القوى اليمنية المشاركة سرعان ما انعكس على أدائه، لتتحول مؤخرًا إلى أزمة تهدد تماسك المجلس نفسه.

مقالات

ثلاثُ ليالٍ بقيتُ ضيفًا على جُنودِ المظلّات

كنتُ صباح كلّ يومٍ أذهب إلى الكليّة الحربيّة لأداء امتحانات القبول، وقبل إعلان النتائج بيومين كان المبلغُ الذي جئتُ به من الحُديدة قد تسرَّبَ من جيوبي. حتّى إنني في صباحِ اليومِ الذي ذهبتُ فيه لمعرفةِ النتيجة، ذهبتُ وأنا بلا عشاءٍ ولا صَبوح.

مقالات

الإمامة هي المشكلة والجمهورية هي الحل

قديماً، في زمن كل الحروب: حروب العرب والإسلام والصليبيين والمغول والتتار وغيرهم، كان المنتصر فيها هو من يكتب التاريخ، وتصبح جرائمه وانتهاكاته وحتى مذابحه ملاحم وبطولات وأمجاداً يورِّثها لمن بعده ومن يليه ولأحفاده بعده، ولم تكن هناك رواياتٌ مغايرة لما جرى إلاَّ لماماً ونادراً، طالما تعرَّض أصحابها لضرب الأعناق وجزِّ الرؤوس وهدم البيوت وحرق الكُتب ومحو كل أثرٍ لأصحابها، ولا داعيَ لذكر المزيد.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.