مقالات
نتانياهو.. صناعة الفوضى وتعميم اليأس
بقبول وقف إطلاق النار والتهدئة سبيلاً إلى الحوار ، أحبط السوريون بكل أطيافهم، وبمؤازرةٍ من جيرانهم العرب والأتراك والعقلاء الخيِّرين في العالم، نوايا رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الذي ما انفك يحاول الوصول إلى أبعد ما يمكنه في استغلال كل فتنةٍ أو خلافٍ في سوريا وغيرها من البلدان العربية المستقلة وذات السيادة على أرضها، القريبة من إسرائيل أو البعيدة عنها، كذريعةٍ للتدخل السافر في شؤونها بزعم حماية أمن إسرائيل، وهذا على افترضٌ أن حكومته وأجهزته لم تكن في الأساس هي وراء كل تلك الفتن والخلافات.
في الأشهر الأخيرة حشر نتنياهو أنفه بين سوريا ودروزها، بدعوى حماية الدروز اللذين لم يصدِّقوا بعد أنهم تخلصوا من حكم آل الأسد البغيض حتى أطل عليهم نتانياهو بـ (تضامنه) الزائف معهم في قضايا بينية محلية، لا علاقة له بها من قريبٍ أو بعيد.
يتوزع الدروز بين إسرائيل وثلاث دولٍ عربية من حولها، لبنان والأردن وسوريا التي تضم الكتلة الأكبر من هذه الطائفة، لكن نتانياهو لم يتردد أو يتأخر عن استثمار انقساماتها في توسيع الشقة بين مكوناتها في سوريا إلى حد التمادي في جعل أزمة عابرةٍ بين بدو (السويداء) ودروزها مبرراً لإعاقة جهود الحكومة السورية في احتوائها، وليصل به الأمر إلى شن قواته هجماتٍ على مواقع سياديةٍ في دمشق، في مقدمتها مقر هيئة رئاسة أركان الجيش في قلب العاصمة السورية.
وليس بمُستغربٍ اليوم أن يطالب نتنياهو بجعل (كامل الجنوب السوري) منطقةً عازلةً مع مرتفعات الجولان المحتلة في نوع من الاحتلال غير المباشر، وبدعوى فرض الأمن بالقوة، كما قال، دون تفويضٍ له من قِبل أحد، وفي الصدارة أغلب دروز سوريا أنفسهم.
وضع نتانياهو أقرب حلفائه، وهي الولايات المتحدة، في حرجٍٍ من انتهاكاته لسيادة سوريا على أراضيها، أو هكذا يبدو الأمر ظاهرياً، على الأقل، من خلال محاولة واشنطن النأي بنفسها عما يفعله حليفها المدلل، وفق ما جاء في تصريحات البيت الأبيض.
تحفل سيرة نتنياهو بمزيجٍٍ عجيبٍ من غرور القوة وأحلامه التوراتية، ما يجعله يعتقد بعلو إسرائيل على العالم، وبأنها هي من يجب أن ترسم مستقبله، في تصورٍ لم يسبقه إليه أي من زعماء إسرائيل أو سواه من الطغاة في التاريخ الحديث للبشرية.
ولا غرابة في هذا، فمنذ بدأ نتانياهو مسيرته السياسية كمستشارٍ صغيرٍ لوفد بلاده إلى مفاوضات مدريد العربية الاسرائيلية العام 1990 وضع الرجل نصب عينيه هدفاً وحيداً له في الحياة، وهو عدم السماح بقيام دولةٍ فلسطينية، وسار على ذات الدرب إلى أن أصبح رئيساً لأسوأ حكومةٍ تقود اسرائيل، ليقول بعدها إنه لن يسمح بقيام دولةٍ فلسطينية مادام على رأس الحكم في بلاده، وذلك خلافاً لما نصت عليه عشرات القرارات الدولية، ولما يُجمع عليه العالم بضرورة إنها النزاع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين.
يحاول نتنياهو، في نوع نادرٍ من جنون العظمة، تكريس صورته كـ (بطلٍ تاريخيٍ لإسرائيل) حتى لو صبغ هذا التاريخ ببحارٍ من الدماء وشيَّده بجماجم عشرات الآلاف من ضحاياه الأبرياء في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان وسوريا وغيرها.
نتانياهو لا يسعى للحصول على (جائزة نوبل للسلام) كما فعل أسلافه، مناحيم بيجين وإسحاق رابين، لكنه لا يتردد عن ترشيح صديقه في البيت الأبيض، دونالد ترمب، للحصول على هذه الجائزة، مادام أنه هو من يمدُّه بالسلاح وبالدعم السياسي غير المسبوق في تاريخ الولايات المتحدة منذ قيام إسرائيل العام 1948 وحتى اليوم.
من حيث يعلم نتانياهو أو لا يعلم فإنه لن ينجو من المحاسبة والعقاب ذات يوم بسبب جرائم الإبادة التي ارتكبها، وليس فقط لأنه لم ولن يوفر الأمن لإسرائيل وشعبها، بل كذلك لأنه يجر المنطقة والعالم إلى حافة خطر حقيقي، وربما إلى حربٍ عالميةٍ ثالثة.