مقالات

ممَ يخاف الحوثي..؟

13/08/2023, 06:48:42

ثماني سنوات ونحن نقاتل عصابة مسلحة، يُفترض بالجميع أنهم توصلوا لحقائق نهائية حول هذه الجماعة المرَضية. لكن طول الاشتباك مع السلالة الحوثية، لربما لم يضاعف وعينا التام بها. الراجح أنه أوهمنا بصلاحية طريقتنا في مجابهتها، وأفقدنا القدرة على تجديد وسائلنا. لهذا كانت النتيجة أننا بعد هذه السنوات، نخرج لنكرر أن الحوثي يسرق رواتب الموظفين. ولدينا ثقة أننا نحرجه بتنديد كهذا. 

لا أعرف جماعة في التاريخ اليمني تشكلت لديها مناعة مخيفة من الفضيحة مثل جماعة الحوثي. لكأن كل أصناف الفجور باتت لديها عديمة الأثر، ولا يمكن تعديلها مهما برعت في تشخيص حقاراتها الأخلاقية. إننا نداوم على تكثيف استخدامنا للسلاح الذي بات عاجزاً عن خلخلتها. سلاح الكلام، والحملات الإعلامية المتواترة؛ كي نذكر أنفسنا والآخرين بأنها جماعة لصوصية ومجرمة. 

لقد تجمّدت الحرب ضد الجماعة الحوثية، وصرنا نقف على أرضية متجمّدة. ونناوش جماعة صارت محصَّنة ضد كل أنواع الكلام. الكلام بذاته أمر مفيد، لكننا، وبعد سنوات من حربنا مع هذه الجماعة، نبدو كما لو أننا قلنا كل شيء عنها، ومع هذا لم نقل شيئا. هنا تتساوى الأضداد، وتبدو هذه الوسيلة ضيئلة الأثر واقعيا، وغير مجدية لزحزحة الكابوس المقيم على صدور الناس. 

لا يكفي أن يكون الحوثي جماعة همجية وخصومه عقلانيين؛ كي ننتصر عليه. لا يمكنك أن تهزم خصما طبيعته مماثلة للبنية الحوثية، لمجرد النقد العقلاني ومواجهة عبثيته بالمنطق. يبدو المنطق هنا عاجزاً عن استعادة المسار الطبيعي للحياة، وتحتاج إلى التفتيش عن وسيلة أخرى. 

نحن أمام جماعة ذات بنية معقدة، خليط من الأوهام والخرافات والطبائع السفلية والعناصر ذات التكوين النفسي المشوّه. هذه الكتلة المدفوعة بعماء كوني رهيب، من العسير التعويل على فاعلية الاعتراض العقلاني عليها والتوّهم بقدرتنا على خلخلتها لمجرد تقويض سلوكها، وكشف سفالة سياساتها. 

أتابع حملات التنديد ضد سرقة جماعة الحوثي رواتب الموظفين، وأستعيد آلاف الحملات المماثلة ضد الجماعة. أتساءل: ماذا يترك نشاطنا هذا من أثر..؟ هل يدفع الحوثي إلى التفكير، ولو مجرد تفكير، بضرورة أن يوقف لصوصيته المتعمدة، أم أننا نكتفي بتفريغ عادة يومية، نكيل فيها الغضب ضد الجماعة وننام متخففين من المسؤولية. 

يمكننا أن نستمر في مراكمة الإدانات الصارخة ضد الجماعة الحوثية وتكرارها لغرض إبقاء الوعي العام مستحضرا فداحة وجودها؛ لكن علينا وعي ذلك في إطار النشاط المعنوي والعمومي. فيما يجدر بنا عند كل جريمة ترتكب آنية، أو مستديمة، البحث عن مداخل عملية لزعزعة وجود الجماعة. بوضوح أكبر، تفعيل سلوك الرفض العملي والتصدي الواقعي لها من قِبل الناس، ولو في مساحات جزئية هنا وهناك. بهذا سنبقي الجماعة في قلق مفتوح، ونستنزفها من النافذة التي تلسعها بشكل مباشر. نافذة الواقع الذي تعتقد الجماعة أنها أمّنته للأبد. 

مرة أخرى: لا بأس من مواصلة توعية الناس بمدى بشاعة السلالة الحوثية، وبقائهم ساخطين ضدها. لكن هذا لا يتعدى كونه دورا شكليا، يكفي أن يقوم به الناس بجهد عادي؛ لكنه جهد ذو أثر تنفيسي. ولا يصح اعتباره نضالاً منهجياً يحتمل أن يدفع الجماعة إلى مراجعة سياساتها والشفقة على الموظفين العاملين تحت سيطرتها. والحل الوحيد هو التدابير الواقعية. فلا شيء يثير انتباه جماعة عمياء سوى لكزها في كتفها مباشرة. 

الخلاصة: لقد تحوّل النضال ضد الجماعة الحوثية من نشاط يهدف إلى تقويض حكمها إلى نضال هدفه تفريج كربة المناضلين أنفسهم، نواصل الصراخ ضد الحوثي؛ كي نؤنس نفوسنا المستوحشة وشعورنا أن كل الطرق مسدودة، وأننا عجزنا عن إشعار الجماعة بالتهديد، ولم نتمكن من تكوين أدوات مدافعة فعالة، قادرة على أن تبقي الجماعة في حالة من القلق الدائم.

نحن أمام جماعة لا تخاف من شيء أبدا، كل وسائل البشر في لجم الشرور ضد بعضهم لا تجدي مع هذه الجماعة المغلقة. فالحوثي يمثل جزيرة معزولة، مجاميع يفصلها جدار حاجز عن القطاع الأعظم من الشعب اليمني، وكل ما نقوله، ليس فقط لا يمثل ضغطا فعالا عليها، بل ربما الجزء الأكبر مما نقوله، لا يصل إليها. فلا نحن في حالة تداخل حقيقي معها وقادرة على أن تفزع الجماعة، ولا تمكنا من اختراقها بالقوة؛ كي نُحجم وجودها على الأرض. ألقينا السلاح جانباً، وضاعفنا من سخطنا ضدها بالكلام. سنستمر بالصراخ وستواصل الجماعة تكثيف أدواتها في اختطاف مصيرنا، نحو غد مفتوح لا نعلم أي نافذة ستضع حدا له.

مقالات

حكاية غرام

كان الوقتُ عصراً، حين انتهى أعضاء فريق المشي وتسلّق الجبال من تناول طعام الغداء في مخيمهم، الذي أقاموه عند منابع المياه الدافئة في "عيون سردد" بمحافظة المحويت.

مقالات

عبد الودود مقشر وتاريخ تهامة

عبد الودود مقشر أستاذ أكاديمي جليل، وباحث مجتهد وقدير. رسالته للدكتوراة «حركة المقاومة والمعارضة في تهامة 1848- 1962م» أول دراسة علمية شاملة وجامعة عن تهامة.

مقالات

الوجود كصُدفة..تأملات عن الحرية

كلّ شيء يؤكد أنّ وجودنا مجرد صُدفة. ولدنا دون تخطيط، ولا أهداف محدّدة. كان يُفترض أن تستمر حياتنا مدفوعة بالمنطق البرئ نفسهض. لكنّنا تعرضنا لخديعة وجودية مرعبة، تورطنا في قبول تصورات أولية جعلت وجودنا مقيّدًا للأبد.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.