مقالات

معيار قوة الإيمان

02/04/2024, 10:51:42

أقيس قوّة إيمان الإنسان، بدرجة محبّته لغير المؤمنين، بتعاطفه الأصيل مع كلّ من يظنّهم مذنبين ورغبته الصادقة بتحريرهم من ثقلّ الشعور بالخطأ. أين هو رجل الدين الحقيقي، حامل الشعلة ومنير الدروب. أين هي العظمة الكاملة، تلك الشخصية القدسية، من تتجلى مسحة الألوهية بكل تفاصيلهم. أين الروح الخارقة للمؤمن وهي تبث اليقين ملء الحياة.  الروح الواسعة وهي تفتح ذراعيها للجميع؛ لتفيض بالشفاء على كلّ النفوس التائهة. 

الحياة مليئة بالشكوك، الناس حائرون وقد فقدوا أي يقين يتمسكون به. بل وفقدوا القدرة على إمتلاك اليقين. أمام هذه الهاوية، حيث كل الأراضي مهتزة، كل الأفكار محاطة بالريبة، ولم يعد هناك تصوّر للحياة يتمتع بحصانة أمام العواصف. لا يكفي أن تُشهر أمامهم دين أو عقيدة وتقول لهم أنها حاملة لليقين وطريقهم المضمونة نحو دروب آمنة. إنّهم عاجزون عن تسليم وعيهم لأي تصور أحادي، مهما بلغت قوة برهانه وقدرته على الإقناع. 

لم يحدث أن كانت الحياة، أكثر حاجة لإيمان حقيقي، كحاجتها في هذا الزمن. غير أنهم يحتاجون أولًا لنماذج إيمانية هي نفسها برهان على فاعلية أي تصور للإيمان. يبحث الناس عن مؤمن حقيقي، يمنح الفكرة قوة إقناع تتجاوز دلالتها، يبحثون عن روح تتمتع بفائض ثراء، أشبه بمصدر إشعاع يخترق الضباب المحيط بالأجواء، ويجلب معه آفاق جديدة للبشر. 

لدينا مؤمنين أشد فقرًا في الروح من غيرهم. أنوارهم خافتة ولا تتعدى حدود شخصياتهم، وربما أنّ نورهم لا يكفي ليضئ نفوسهم. أين هو الإيمان السخي. رجل الدين ذو المنابع الروحية الثرية، ذلك الذي يتجول باحثًا عن الأخر، يتوسلهم أن يقبلوا عطاياه. مغتبطًا وهو يعطي أشد من فرحه بالأخذ. 

كلّ الناس يبحثون عن الإيمان، لا أحد متمسك بالشك كمنهج حياة، مهما كان مناهضًا لأي منطق إيماني. يبحث الناس عن شخصية عظيمة واحدة، روح لانهائية؛ كي ينتموا إليها، يصادقوها، ويتجاوزون قيودهم معها. إنسان واحد يقترب من المثال، نموذج يختزل كلّ طباع العظمة في شخصيته. رجل يقطع بهم الشوط سريعًا. يُقنعهم بخلاصته عن الحياة والعالم. ويسمو بهم نحو مدارات جديدة. لكنهم لم لا يجدوه بعد. وربما أنه غير موجود. أو هكذا يعتقدون. 

لدينا رموز دينية كثيرة. رجال دين، مؤمنون مبدعون، وعاظ ملهمون، مثقفون جذابون. رؤوس كثيرة تتزاحم بداخلها أفكار وسرديات وكلمات لا تنتهي. لكنك لا تكاد تجد روح واحدة، هي تجسيد باهر للحكمة العليا. شخصية واحدة، هي في جوهرها الحي أكبر مما تقوله، أثرى مما تحمله. إنسان مؤمن بالله أو حتى مؤقن بالحجر، المهم أن يكون حقيقيًا وحاملًا لحقائق جديدة وقادر على قدح الشرارة في الأرواح المنهكة ومنحها قوة، فرح وعافية جديدة. 

يا إلهي" إنّ تاريخ الإنسان عار في عار يا أخوتي" الآن أفهم صرختك يا زرادشت. كيف تبدو الحياة فقيرة وجائعة لهذا النوع من المؤمنين الكبار. لماذا لا يكون الإنسان في الواقع، جذاب ويوازي أفكاره، كيف نحمل أفكارًا عليا ونبدو رخيصين في أعماقنا؛ بل يكاد الجميع يكونون أصغر مما يبدون عليه. إن ما هم عليه في جوهرهم أقل مما هي عليه أفكارهم. يا للخيبة، وقد صرنا بهذه الضآلة، حد عجزنا عن التطابق مع ما نتفوه به. لكأن ما نقوله ونكتبه لا ينتمي إلينا، لكأنّ رؤوسنا مزيفة وألسنتنا مستعارة. ولا شيء حقيقي فينا. 

أين هو ذلك الفرد المزدهر. القريب من الكمال، بحيث لو قُدِّر لك أن تُعاينه من كلّ واجهاته، لن تجد فجوة واحدة في كامل شخصيته. إنّ ما يدّخره أكثر مما هو ظاهر منه. رجل كهذا هو المؤمن الحق ومصدر الخلاص، يقف في الظهيرة، يفتح الطرقات وينجب جيلًا جديدًا من البشر. فرد لديه صلة حقيقية بالقوة الإلهية المُحررة. يتحدث ويمنح الغد وعدًا بالفتح. يقف ويعيد للأرض ثباتها، وللنفوس براءتها الأولى. ذلك أن سمة الروح المؤمنة، تكمن في القدرة على منح الطهارة. تتجلى في ميولها للهبوط نحو المستنقعات وتنقيتها. الرغبة بمد جسورها تجاه المنحدرات وتسوية الطرقات المعوجة. 

هذا هو مؤشر الإيمان كمصدر للطاقة الروحية العليا. حيث المؤمن واهب للفضيلة، يعمل بتفاني ليسمو بالأخر، ينجز مهمته بتواضع تلقائي وربما بشعور عميق بسمو الأخر، أكثر من نفسه. أين هو..؟ رجل، يقول بملء فيه: نعم للحياة، بكل ما فيها. إنها جديرة بالعيش. انظروا إليه، وجوده اليومي، وجوده المباشر، حيويته الفائقة، برهان على صدق ما يتحدث به. عند حالة كهذه، سيقول الناس: يا لسحر الإيمان ويا لغبطة المؤمنين. هذا ما يتطلع إليه الناس وما يفتقدوه. 

مقالات

ما بعد غزة وما بعد إيران

في إعلان الحرب على غزة حَدَّدَ نتنياهو الهدف الرائس: القضاء على حماس، وعودة الرهائن. كان القضاء على حماس مَطلوبًا، إلا أنَّ الهدف مِنْ وَراء ذلك هو القضاء على غزة بحرب إبادة يشنها عبر القصف المتواصل، والحصار القاتل. وَمَنْ لم يُقْتَل بالقصف والتجويع تَقتلهُ «المساعدة الإنسانية»: الإسرائيلية الأمريكية!

مقالات

حرب إيران وإسرائيل.. حقائق صادمة ومفارقات متضاربة

بصرف النظر عن نتائج الضربات الجوية الماحقة التي شنتها القوات الأميركية على معظم منشآت إيران النووية، وما إذا كانت سوف تغير من مجريات الصراع في المنطقة، إلاَّ أن أكثر ما استرعى انتباه ودهشة المراقبين، قبل ذلك، هو سلسلةُ المفاجآت اليومية التي كشفت عنها الحرب الإيرانية- الإسرائيلية المباشرة. أولها أن الصواريخ البالستية والمسيَّرات التي زودت بها إيران أذرعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن لم تكن، في أفضل حال، سوى أدواتٍ لتجريب أسلحتها ذات الفاعلية العسكرية الكبيرة، على غرار ما شهدناه في مواجهتها الراهنة مع إسرائيل. لكن المؤسف أن تلك التجارب لم تفد إيران، ولم تلحق أي ضررٍ بإسرائيل، بل كلفت بلدان تلك الأذرع استباحة أراضيها من قبل جيوشٍ عالميةٍ كبرى يستحيل كسرها، وأدت إلى سلب إرادة شعوب، وانتهاك سيادة دولٍ لم يكن بالإمكان التعدي عليها لولا التدخلات الإيرانية في شؤونها، فضلًا عن تدمير بناها التحتية الأساسية، وعودتها عقودًا من الزمن إلى الخلف يصعب تعويضها.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.