مقالات

مؤتمر الباحثين والخبراء في إسطنبول... شمعة في وجه العتمة

13/10/2025, 13:06:14

تابعت جلسات مؤتمر الباحثين والخبراء في إسطنبول الذي انعقد مؤخرًا بمشاركة نخبة متميزة من الباحثين والخبراء اليمنيين من الداخل والخارج، الذين اجتمعوا على كلمة واحدة عنوانها الإخلاص للعلم وخدمة الوطن، فكانوا صورة مشرفة للعقل اليمني الباحث عن الحقيقة والمبادرة في زمن التشتت والصراعات.

لقد تابعت جلسات ونقاشات المؤتمر وما دار فيها من نقاشات ثرية وأفكار بناءة، فوجدت نفسي أمام تجربة فريدة تستحق الإشادة والتقدير، إذ جسد المؤتمر فكرة “إشعال شمعة” في زمن تميل فيه كثير من المؤسسات إلى الاكتفاء بالشكوى والتوصيف، بينما جاء هذا الملتقى ليقدم نموذجًا عمليًا على أن الفكر اليمني ما زال قادرًا على الإسهام الفاعل في بناء المستقبل.

لقد أثبت المؤتمر أن اليمنيين في الداخل والخارج ما زالوا يحملون الوعي والمسؤولية تجاه وطنهم، وأنهم يمتلكون من الكفاءات والخبرات ما يؤهلهم لتقديم رؤى علمية ومخرجات بحثية قادرة على المساهمة في معالجة التحديات التي تواجه اليمن في مجالات السياسة والاقتصاد والتنمية والتعليم والفكر.

ويستحق المنظمون كل الشكر على رؤيتهم الثاقبة وجهودهم الدؤوبة في إخراج هذا العمل إلى النور، كما يستحق الداعمون التقدير على إيمانهم بقوة الفكرة ودعمهم المادي والمعنوي الذي جعل هذا المشروع العلمي والوطني واقعًا ملموسًا، أما المشاركون من الباحثين والخبراء اليمنيين فقد أضفوا على المؤتمر زخمًا معرفيًا ومكانة فكرية تليق بتاريخ اليمن وحضارته.

هكذا تُبنى الأمم: عندما تلتقي العقول وتتشابك الأيدي في سبيل العلم والعمل، وحين يتحول الفكر إلى مبادرة والمبادرة إلى مشروع، يصبح المؤتمر أكثر من فعالية علمية، بل خطوة في طريق النهضة الوطنية المنشودة.

إن ما تحقق في إسطنبول يستحق أن يُبنى عليه، وأن يُستثمر في تأسيس شبكة فكرية يمنية تجمع الكفاءات في الداخل والخارج، لتبادل الخبرات، وتنسيق الجهود، ودعم مراكز الدراسات الوطنية المستقلة، وإعادة الاعتبار للبحث العلمي كأداة من أدوات الإنقاذ والبناء.

وبحسب ما نشرته قناة بلقيس الفضائية، فقد تضمن المؤتمر عددًا من المحاور الرئيسية التي شكلت بنية النقاش العلمي والعمود الفقري للمداولات، ومن أبرزها:

الهوية الوطنية وتحولاتها
في إحدى الجلسات المعنونة “الهوية الوطنية وتحولاتها” تم استعراض كيف تغيرت مفاهيم الهوية اليمنية بفعل الحروب، والنزوح، والتأثيرات الثقافية والإقليمية، والتكنولوجيا الرقمية، مع دعوة لإعادة صياغة هوية جامعة تراعي التنوع وتشجع الانتماء.

الطاقة والسياسات المرتبطة بها
المحور الخاص بالطاقة كان من المحاور المهمة في البيان الختامي للمؤتمر، حيث تم التأكيد على ضرورة إقرار سياسة وطنية شاملة للطاقة، تقوم على مراجعة اتفاقيات الغاز والنفط، والتوسع في مشاريع الطاقة المتجددة، واستغلال الفرص التي تتيحها التكنولوجيا والتحول الأخضر.

التعليم والبحث العلمي
ضمن التوصيات التي أوردتها قناة بلقيس في مخرجات المؤتمر، تم التشديد على ضرورة إصلاح التعليم الجامعي والبحث العلمي ليواكبا متطلبات التنمية المستقبلية، مع خلق بيئة تعليمية تدعم الهوية الوطنية وتحقق العدالة في الوصول إلى التعليم.

الصحة والخدمات الصحية
من المحاور التي تلقت تركيزًا في المؤتمر ما يتعلق بتوسيع نطاق الخدمات الصحية لتصل إلى المناطق الريفية وتحسين التمويل الصحي، مع تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، وإدخال الرقمنة والذكاء الاصطناعي في النظام الصحي.

الاقتصاد والتنمية / إعادة الإعمار
تناول المؤتمر الاقتصاد كواحد من التحديات الكبرى، داعيًا إلى توجيه الجهود لإرساء سلام مستدام كأساس لنمو اقتصادي، وتوحيد المؤسسات الاقتصادية، وإنشاء صندوق وطني لإعادة الإعمار، وتعزيز دور القطاع الخاص والاستثمار المحلي والدولي.

السياسة والدولة المدنية
تناول المؤتمر موضوعات مثل الثوابت الجمهورية، والوحدة، والديمقراطية، ونزع السلاح المسلح وإعادة دمج المقاتلين، وترسيخ دولة القانون، ومكافحة خطاب الكراهية والإقصاء، والتركيز على العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.

البيئة والاستدامة
كما ورد في بيانات المؤتمر أن من بين التوصيات اقتراح سياسة وطنية لحماية البيئة، تشمل إدارة المخلفات، والتقليل من التلوث، وتشجيع الممارسات الصديقة للبيئة في المؤسسات والمجتمع.

الدعوة إلى شراكة جديدة مع الدول الصديقة
في مداخلات المؤتمر وبيانه الختامي عبر المشاركون عن ضرورة أن تُبنى العلاقة مع الدول الصديقة على أساس الشراكة لا التبعية، مع احترام المصالح المشتركة، وأن تكون هذه العلاقات مساندة لمسار التنمية والبناء لا أداة للتبعية.

ومن خلال قراءتي المتأنية لما دار في الجلسات، يمكن القول إن هناك بعض التداخل بين المحاور والذي أربكني قليلًا: مثلًا، كيف تؤثر الهوية الوطنية على سياسات التعليم أو على الانفتاح الاقتصادي؟ وما دور الطاقة في التنمية المتوازنة التي لا تهمش البعد البيئي أو الاجتماعي؟

الأولوية الزمنية والتدرج: من المفيد أن يُناقش أي من هذه المحاور ينبغي البدء فيه أولًا، هل تبدأ بإصلاح التعليم أم بتأمين الطاقة أم بالصحة؟ وذلك بناء على إمكانيات التنفيذ والواقع المعيشي وميزان القوى.

المخاطر والمعوقات: مثل الانقسامات السياسية، وضعف البنى التحتية، ونقص التمويل، والفساد، والتدخل الإقليمي، وهي تحديات تستدعي حلولًا واقعية تتكامل فيها الجهود الوطنية.

دور اليمنيين في الداخل والخارج: بما أن المؤتمر ركز على الحضور اليمني، فقد برزت ثنائية الداخل والخارج بوضوح، حيث قدم المغتربون والأكاديميون في الداخل تجارب متكاملة تعكس عمق المعاناة وصدق الرغبة في التغيير، ما أكسب الطرح مصداقية وواقعية نادرة.

آليات التنفيذ والمتابعة: ليس كافيًا أن تُطرح التوصيات، بل المطلوب هو تحويلها إلى آليات عمل، عبر إنشاء لجان وطنية ومراكز بحثية مستقلة مرتبطة بالمؤتمر، مع رصد مؤشرات أداء تقيس مدى التقدم في تنفيذ المخرجات.

الربط مع السياق الخارجي والتجارب المقارنة: يمكن لليمن أن يستلهم من تجارب عربية ودولية في قضايا التعليم والطاقة والمصالحة، لتكيف بما يتناسب مع واقعه، دون نسخ أو تبعية فكرية.

فليكن هذا المؤتمر بداية متجددة، وشعلة يمنية مضيئة تذكر الجميع بأن طريق الخلاص يبدأ من فكرة صادقة، وأن الكلمة الواعية المخلصة قادرة أن تغير الواقع إذا وجدت من يحملها بعزم وإيمان وإخلاص.

فاليمن لا ينهض إلا بعقله، ومؤتمر إسطنبول أعاد إلينا الثقة بأن هذا العقل ما زال حيًا وقادرًا على الإبداع والبناء.

مقالات

الانتقالي والتطبيع.. مسار يعيد إنتاج الارتهان وينسف شرعية 14 أكتوبر

منذ انطلاقتها في 14 أكتوبر 1963، رفعت الثورة اليمنية في الجنوب هدفا استراتيجيا واضحا تمثل في انتهاج سياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، انسجاما مع روح حركات التحرر الوطني التي سعت إلى بناء دول مستقلة القرار، بعيدة عن الاستقطابات الحادة بين المعسكرين الرأسمالي الغربي والشيوعي الشرقي.

مقالات

الرابع عشر من أكتوبر وعد المستقبل

يتذكر اليمنيون -بكل الاعتزاز والفخر- مناسبة العيد الثاني والستين من ثورة الرابع عشر من أكتوبر. الفخر والاعتزاز يغمرهما فيض عميم من التعاسة والحزن على ما أصاب اليمن وثورتيها: سبتمبر، وأكتوبر.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.