مقالات

لماذا لا تريد أمريكا إنهاء الحوثيين؟

10/05/2025, 09:27:01

- قراءة في حسابات واشنطن وتل أبيب

بينما تتوالى الضربات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية على مواقع الحوثيين في اليمن، يتصاعد في أوساط الرأي العام اليمني والعربي سؤال محيّر: لماذا فشلت تلك الحملة العسكرية المشتركة ضد الحوثيين في إزاحتهم من المشهد اليمني، رغم القوة العسكرية الهائلة التي تمتلكها واشنطن؟ وهل هذا الفشل مقصود، أم أن هناك مصالح استراتيجية تجعل بقاء الحوثيين خيارًا مفضلًا لواشنطن وحليفتها إسرائيل؟

يتطلب الإجابة على هذا السؤال الغوص في شبكة المصالح الجيوسياسية التي تمتد إلى ما هو أبعد من اليمن، حيث يظهر أن الحوثيين ليسوا مجرد جماعة متمردة، بل أداة متعددة الوظائف في لعبة النفوذ الإقليمي والدولي. فيما يلي تحليل للأسباب التي تجعل واشنطن غير معنية بإنهاء الحوثيين، مدعومًا بوقائع وأحداث موثقة حيثما أمكن.

- ورقة ضغط استراتيجية على الخليج


بقاء الحوثيين كتهديد للأمن الخليجي يضمن بقاء السعودية والإمارات تحت مظلة الحماية الأمريكية. هذا الوضع يتيح لواشنطن فرض شروطها في ملفات النفط والتطبيع. على سبيل المثال، هجمات الحوثيين على منشآت نفطية سعودية في 2019، مثل هجوم أرامكو، عززت اعتماد الرياض على الأسلحة والدعم الأمريكي، مما أدى إلى صفقات أسلحة بمليارات الدولارات. كما أن استمرار التهديد الحوثي يدفع الخليج إلى قبول شروط واشنطن في مفاوضات التطبيع مع إسرائيل، كما رأينا في اتفاقيات إبراهيم 2020.

- استنزاف محسوب لإيران

الحوثيون ذراع إيرانية في اليمن، لكن وجودهم لا يشكل تهديدًا مباشرًا لأمريكا، بل يتيح لها استنزاف طهران عبر حرب بالوكالة. وفقًا لتقرير الأمم المتحدة (يناير 2020)، فإن إيران زودت الحوثيين بصواريخ وطائرات مسيّرة، مما يجبرها على إنفاق موارد مالية وعسكرية كبيرة. هذا يتماشى مع استراتيجية أمريكية لإضعاف إيران دون مواجهة مباشرة، كما أشار إليه وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت جيتس في 2010 عندما تحدث عن "حروب الاستنزاف غير المباشرة".

- تثبيت واقع التجزئة اليمنية

دولة يمنية موحدة وقوية قد تشكل تحديًا للنفوذ الأمريكي والخليجي. بقاء الحوثيين في الشمال، إلى جانب الانقسامات في الجنوب، يضمن استمرار حالة "اللادولة". تقرير معهد بروكينغز (2021) أشار إلى أن اليمن المجزأ يخدم مصالح القوى الخارجية التي تفضل إدارة الصراع على إنهائه، مما يتيح التدخل عند الحاجة دون مواجهة دولة مركزية قوية.

- مبرر دائم للوجود العسكري في البحر الأحمر

تهديد الحوثيين للملاحة الدولية، كما في هجماتهم على السفن في البحر الأحمر (2023-2025)، يبرر الوجود العسكري الأمريكي في هذا الممر الحيوي. البحرية الأمريكية أطلقت عملية "حارس الازدهار" في ديسمبر 2023 لتأمين الملاحة، مما عزز حضورها في مواجهة الصين وإيران. تصريح القائد الأمريكي تيم هوكينز (2023) أكد أن هذا الحضور يهدف إلى "ضمان حرية الملاحة"، لكنه يخدم أيضًا السيطرة على أحد أهم الممرات البحرية عالميًا.

- إعادة صياغة التحالفات الأمنية

يُستخدم التهديد الحوثي لدمج إسرائيل في ترتيبات أمنية إقليمية. في 2022، أُعلن عن نقل مسؤولية الأمن الإقليمي لإسرائيل من القيادة الأوروبية إلى القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، مما سهل التعاون الأمني مع دول الخليج. الحوثيون، كجزء من "المحور الإيراني"، يشكلون ذريعة لهذه التحالفات، مما يعزز مشروع التطبيع دون الحاجة إلى تسوية القضية الفلسطينية.

- ترويض الحلفاء بدل تمكينهم

واشنطن لا تريد تمكين حلفائها الخليجيين بشكل كامل، بل إبقاءهم في حالة اعتماد. هجمات الحوثيين على الإمارات في 2022 دفعت أبوظبي إلى طلب المزيد من الدعم الأمريكي، بما في ذلك أنظمة باتريوت. هذا يضمن بقاء واشنطن صاحبة اليد العليا في المعادلات الأمنية والسياسية.

- خصم يمكن التنبؤ به

على الرغم من خطاب الحوثيين العدائي تجاه أمريكا، فإنهم يظلون خصمًا يمكن إدارته من خلال قنوات التفاوض غير المباشرة، مثل الوساطة العمانية التي أدت إلى هدنة بين الحوثيين والسعودية في 2023. هذا الانضباط الأيديولوجي والقدرة على التنبؤ بسلوكهم يجعلهم أقل خطورة من قوى وطنية مستقلة قد تتبنى مواقف غير متوقعة. تصريح لمسؤول أمريكي نقلته رويترز (2023) أشار إلى تفضيل واشنطن "إدارة الصراع" مع الحوثيين بدلاً من تصعيده إلى مواجهة شاملة.

- فزّاعة لضبط الطموحات الإسرائيلية

بقاء الحوثيين يخدم واشنطن في إدارة علاقتها المعقدة مع إسرائيل. مع صعود اليمين الإسرائيلي وتغلغل اللوبي الصهيوني في السياسة الأمريكية، تحتاج واشنطن إلى أدوات لضبط طموحات إسرائيل التوسعية. التهديد الحوثي يُشغل إسرائيل بملفات أمنية إقليمية، مما يقلل من تركيزها على مشاريع اختراق سياسي في الغرب. تقرير لمجلة فورين بوليسي (2023) أشار إلى أن واشنطن تستخدم تهديدات إقليمية لـ"إعادة توجيه" حلفائها.

- من واشنطن إلى تل أبيب: الدور الإسرائيلي


بينما تشكل الحسابات الأمريكية العمود الفقري لاستراتيجية إبقاء الحوثيين، فإن إسرائيل، الحليف الاستراتيجي لواشنطن، تلعب دورًا موازيًا يعزز هذه الرؤية. المفارقة أن تل أبيب، رغم كونها العدو المعلن للحوثيين، تستفيد من بقائهم في عدة أوجه.

- التهديد الإيراني المُدار لصالح إسرائيل

وجود الحوثيين كذراع إيراني يُستخدم لتبرير سياسات إسرائيل التوسعية. تقرير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (2023) وصف الحوثيين بأنهم "تهديد إقليمي" يبرر تعزيز التحالفات مع الخليج، مما يعزز شرعية إسرائيل كشريك أمني دون تقديم تنازلات في القضية الفلسطينية.

- تعزيز النفوذ في البحر الأحمر

التهديد الحوثي للملاحة يتيح لإسرائيل التوسع الأمني في البحر الأحمر. في 2021، أُفيد عن وجود تعاون إسرائيلي مع إريتريا لمراقبة الملاحة، تحت ذريعة مواجهة التهديدات الإيرانية. هذا يعزز نفوذ إسرائيل في القرن الأفريقي واليمن.

- تشويه خطاب المقاومة


شعارات الحوثيين مثل "الموت لإسرائيل" تُستخدم لتصوير حركات المقاومة كطائفية ومتطرفة. إعلام إسرائيل استغل هجمات الحوثيين على السفن (2024) لربط المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، مما يضعف الشرعية الأخلاقية للقضية الفلسطينية في الغرب.

- خلاصة المصالح المتشابكة

بعد استعراض الأبعاد الأمريكية والإسرائيلية، يتضح أن الحوثيين يمثلون أكثر من مجرد تهديد إقليمي؛ إنهم أداة جيوسياسية تخدم مصالح واشنطن وتل أبيب على حد سواء.

الحوثيون كأداة جيوسياسية متعددة الوظائف
الحوثيون ليسوا مجرد جماعة متمردة، بل أصبحوا أداة استراتيجية في يد واشنطن وإسرائيل:

ورقة ضغط على الخليج لضمان التبعية.

أداة استنزاف لإيران دون تكلفة أمريكية مباشرة.

ذريعة لتثبيت التجزئة اليمنية وبقاء القوات الأمريكية.

فزّاعة لإعادة صياغة التحالفات وضبط طموحات إسرائيل.

وسيلة لتشويه خطاب المقاومة وتبرير النفوذ الإسرائيلي.

طالما أن الحوثيين يخدمون هذه الوظائف المتعددة، فإن إنهاءهم لن يكون هدفًا أمريكيًا حقيقيًا. السؤال لم يعد "لماذا لا تُنهي أمريكا الحوثيين؟"، بل "هل يُسمح بإنهائهم أصلًا؟".

مقالات

واحسرتاه على اليمن!

بالأمس، تسمَّر اليمنيون أمام الشاشات يحدوهم أمل كبير بأن يكون لليمن حضور في زيارة ترامب للسعودية وقطر والإمارات، والقمة الخليجية، لكن وبكل أسف ظهرت خيبة اليمنيين جميعاً، وأسفرت عن كتابات لبعض الأقلام المميزة، التي صبَّت جام غضبها على الشرعية الفاسدة التي أوصلت نفسها بفسادها إلى هذا الواقع المزري والبائس، حيث لا وجود لوجودهم، وأوصلوا اليمن ليكون نَسْياً منسيّاً. لم يتحدث أحد عن ميليشيا الانقلاب، لأن أمرهم مفروغ منه تماماً، وهو أن وجودهم وبقاءهم مرهون بفساد الشرعية وغياب الرؤية عند دول الإقليم، وأطماع وأحقاد الإمارات التي لا تريد أن ترى يمناً موحداً، وألاعيب الغرب الرأسمالي الوقح.

مقالات

أبو الرُّوتي (35)

كان الطلاب في كلية "بلقيس" ينقسمون عند كل دعوة للتظاهر إلى قسمين؛ قسم يعارض الخروج في المظاهرة، ويقول إن الدراسة أهم وأكثر فائدة من الخروج، وقسم يرى أن الخروج في المظاهرة أهم من الدراسة. وكان هؤلاء يخوِّنون الطلبة والمدرِّسين الذين يعترضون على خروجهم، ويخوِّفونهم، ويتهمونهم بأنهم إما جبناء أو عملاء.

مقالات

مستقبل الشرعية اليمنية إلى أين؟

في خضم الأحداث والتحولات التي يمر بها اليمن حالياً، كسائر دول المنطقة، جاءت إقالة أو استقالة رئيس الحكومة اليمنية السابق (أحمد عوض بن مبارك) لتكشف، ليس فقط عن أزمة بنيوية مركبة تعانيها جميع مؤسسات “الشرعية”، أي القيادة والحكومة، بل لتوضح عمق تلك الأزمة، سواء على مستوى الأداء السياسي أو المالي والإداري، أو على صعيد تعثّر محاولات معالجة الوضع الاقتصادي، الذي يشهد تدهوراً ملحوظاً يتمثل في شُحّ واردات الدولة من قيمة النفط والغاز بعد استهداف جماعة الحوثيين لموانئ التصدير والتهديد بمهاجمة الناقلات القادمة إليها، والتراجع الحاد لسعر العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، وما يترتب على ذلك من غلاء في معيشة المواطنين وحصولهم على قدر مقبول من احتياجاتهم الضرورية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.