مقالات

تجنباً للمزيد من المقابر

18/09/2024, 09:58:22

كل لحظة تضيع تحت هيمنة مليشيا الحوثي تمثل هدراً فادحاً من مستقبل اليمنيين. 

ليس جديراً بهذا الشعب، الذي انتفض في وجه الإمامة في زمن العُزلة، أن ينحني في زمن أصبح فيه الاتصال في أي بقعة بأقصى الكوكب رهن ضغطة زر.

هذا الإطباق المليشياوي على حياة اليمنيين، مسنوداً برغبة إقليمية ودولية لإدامة متاعب البلد، من المفترض أن يثمر جهوداً مضاعفة للتخلص من هذا الكابوس.كلما تمعنت في معنى أن تختطف هذه المليشيات بلدنا وتعيد صياغة تفاصيل يومياتنا وفقاً لأيدلوجيتها الطائفية أشعر بالاختناق.

من المناهج التعليمية إلى السيطرة على النشاط الاقتصادي ومراقبة الحياة الخاصة، لن يتوقف مسلسل تخريب حياة هذا البلد  والاستحواذ عليه عند نقطة معيّنة.

ما من خط نهاية في مضمار مسيرة القتل والاحتراب والجهل والخرافة والفقر والمرض والشرذَمة باعتبارها متلازمة الحوثية.

كل طرق الحياة الطبيعية الممكنة في عهد هذه المليشيا مسدودة إلا طريق الأوبئة والأمراض الاجتماعية الفتاكة والموت مفتوح بأفق ومدى لا نهائي.

لطالما كان الصراع على السلطة هو مصدر التأزم والتناحر في اليمن.

وحين يديم البعض النظر في مأزقنا التاريخي، ثم يعيده كرة متأملاً في استقرار دول الجوار، ربما يفكر البعض هكذا: لماذا لا ننهي كل دورات العنف والصراع، ونخضع لحكم ملكي يحصر الرئاسة في عائلة؟

حدث هذا في قلب المعركة مع الحوثيين قبل سنوات، وربما لايزال يخامر بعض المهووسين بالعبودية "للعائلة"، ثم سمعنا "جمهوريين" يقولون بذلك مغازلة للجوار!

هذه الأفكار السوداء هي رجع صدى للأطروحة الإمامية، لكن بصيغة أخرى، أو شرعنة لها. 

تجربتنا التاريخية تقول إن حصر الحكم في سلالة، مشفوعاً بميراث من الخرافات الدينية والتلفيقات والتأويلات، كان يشيّد من جماجم اليمنيين المقابر.

لم تكن الإمامة وحصر الحكم في البطنيين -وفقاً للمذهب الهادوي الذي تخلل حقبة زمنية طويلة من حياة اليمنيين- مدخلاً للاستقرار، بل باب مفتوح إلى جهنم، وسلسلة لا نهائية من الصراعات والاقتتال وأنهار الدم.

رغم أن هذه الإمامة العنصرية وجدت في الصراع الداخلي اليمني مدخلاً للهيمنة -وقتها- بمزاعم دينية، فقد أضافت إلى صراعات اليمنيين خميرة قاتلة سلبت اليمنيين السكينة التي يبحثون عنها، وجردتهم من بلادهم.

ربما كانت مقولة "الحجر من القاع والدم من رأس القبيلي" أهم عبارة مكثفة اختزلت فيها الإمامة نظرتها لليمني، وعبّرت عن استهانتها بحياته، وتحقيرها لشأنه في مضمار سعيها الدؤوب لتحقيق طموحاتها السياسية.

تقاتل أولاد مؤسس الإمامة في صعدة، الهادي إلى الظلال، ولم يكد يمضي على وفاته سوى بضع سنوات، ودارت طاحونة القتل والدمار بعد ذلك تاريخاً أحمر بين الأخ وأخيه، وأحياناً الأب وابنه طمعاً في السلطة والحكم.

الثابت في هذا التاريخ أنه لم يكد أحدهم يعلن نفسه إماماً قائماً حتى نازعه آخرون يدّعون أحقيتهم بالحكم.

تخيل أن هذه الوتيرة من الصراع تخللت تاريخ بلد لأكثر من 1200 عام، وكان دم القبائل اليمنية هو وقود دورات هذه الحروب والمعارك والأطماع!

طيلة تاريخها، منذ مجيء الرسّي، كان اليمنيون بالنسبة للإمامة إما مجرد مقاتلين لإخضاع بعضهم ببعض لإنفاذ حكمها، أو مصدراً للمكوس والنهب والجبايات والمصادرة، لتتنعم طبقة الحكم السلالية وحدها بخيرات البلاد.

وكم هو مخجل أن يقف اليمني اليوم مشدوهاً وهو يشاهد التاريخ الذي حجبته عنه حقبة الجمهوريين المزيفين، وقرأ عنه بصورة محدودة في الكتب، مجسداً أمام عينيه في مليشيا الحوثي بعد قرابة ستين عاماً من الثورة.

وهذه المليشيا ليست من ذلك النوع الذي يأخذ شيئا ليعطيك مقابل، مجرد سلطة ثيوقراطية عنصرية مطلقة لنهب خيرات اليمنيين وسرقة قوتهم ومصادرة حياتهم.

الأكثر كارثية أنها تعيد صياغة هويتهم، سالبةً البعض عقولهم بقطرنة خضراء في عصر ما عاد يحتمل هذا النوع من الخرافة والدجل.

أما المستقبل فهو وعود بالحرب والدمار. في أحشاء الحركة الحوثية تختمر دورات صراع وعنف لن تنتهي، فالتنافس بين أفراد عائلة الحوثي وداخل الدائرة الهاشمية عموماً يضطرم مكتوماً حتى قبل أن تضع الحرب أوزارها مع الحكومة مع أعدائها المحليين.

وإذا ما افترضنا جدلاً أن هيمنة المليشيا ستمتد على البلاد بفعل تفاهمات مع الإقليم، ضمن صفقة دولية، فإن معركة اليوم التالي ستكون داخل دئرة الحكم الإمامي نفسه، وما أكثر المتطلعين والطامحين.

إذا عنى ذلك شيئا، فهو يعني أن صنعاء وصعدة لم تشهد حتى الآن المعركة الكبرى، وأن أسوأ أوقات الحرب لم تأتِ بعد!

يضاف إلى قائمة وعود الدم المقبلة وتاريخ الاقتتال الإمامي، تدخل إيراني يتغلغل في الديمغرافيا بمليشيات متعددة الجنسيات، ويعيد صياغة كل شيء على مذهب الولي الفقيه بصوره المدمرة اجتماعياً، ما يعني أن كلفة استرداد البلد -كلما تأخرت- ستتضاعفت أكثر.

إن البحث عن السلام في ظل وجود هذه المليشيات مجرد تأجيل للمعارك والحروب الداخلية، التي ستشتعل بوتيرة أكبر مما شاهدناه سابقاً، وإذا كان هناك فاعل يجب أن يتحرك في هذا الوقت قبل أي طرف آخر فهو زعماء ورؤساء القبائل الكبيرة.

يتوجب على اليمنيين الدفع نحو جمع هؤلاء ليقولوا كلمتهم مسنودين بيمنيين متحررين من أي وصاية خارجية.

إن ما يتوقاه اليمنيون اليوم، والقبيلة اليمنية في المقدمة، سيدفعونه غداً أثماناً باهظة وكأنهم في بداية المعركة.

لا أظن أحداً من هؤلاء لا يعرف صعدة، ولا مقابرها، كأهم "ميراث" خلفه تاريخ الإمامة كحلقات صراع لا تتوقف، أما مقابر الحرب الأخيرة فهي شاهدة على الموت الذي جلبته المليشيا الإمامية إلى كل محافظة.

مقالات

واحسرتاه على اليمن!

بالأمس، تسمَّر اليمنيون أمام الشاشات يحدوهم أمل كبير بأن يكون لليمن حضور في زيارة ترامب للسعودية وقطر والإمارات، والقمة الخليجية، لكن وبكل أسف ظهرت خيبة اليمنيين جميعاً، وأسفرت عن كتابات لبعض الأقلام المميزة، التي صبَّت جام غضبها على الشرعية الفاسدة التي أوصلت نفسها بفسادها إلى هذا الواقع المزري والبائس، حيث لا وجود لوجودهم، وأوصلوا اليمن ليكون نَسْياً منسيّاً. لم يتحدث أحد عن ميليشيا الانقلاب، لأن أمرهم مفروغ منه تماماً، وهو أن وجودهم وبقاءهم مرهون بفساد الشرعية وغياب الرؤية عند دول الإقليم، وأطماع وأحقاد الإمارات التي لا تريد أن ترى يمناً موحداً، وألاعيب الغرب الرأسمالي الوقح.

مقالات

أبو الرُّوتي (35)

كان الطلاب في كلية "بلقيس" ينقسمون عند كل دعوة للتظاهر إلى قسمين؛ قسم يعارض الخروج في المظاهرة، ويقول إن الدراسة أهم وأكثر فائدة من الخروج، وقسم يرى أن الخروج في المظاهرة أهم من الدراسة. وكان هؤلاء يخوِّنون الطلبة والمدرِّسين الذين يعترضون على خروجهم، ويخوِّفونهم، ويتهمونهم بأنهم إما جبناء أو عملاء.

مقالات

مستقبل الشرعية اليمنية إلى أين؟

في خضم الأحداث والتحولات التي يمر بها اليمن حالياً، كسائر دول المنطقة، جاءت إقالة أو استقالة رئيس الحكومة اليمنية السابق (أحمد عوض بن مبارك) لتكشف، ليس فقط عن أزمة بنيوية مركبة تعانيها جميع مؤسسات “الشرعية”، أي القيادة والحكومة، بل لتوضح عمق تلك الأزمة، سواء على مستوى الأداء السياسي أو المالي والإداري، أو على صعيد تعثّر محاولات معالجة الوضع الاقتصادي، الذي يشهد تدهوراً ملحوظاً يتمثل في شُحّ واردات الدولة من قيمة النفط والغاز بعد استهداف جماعة الحوثيين لموانئ التصدير والتهديد بمهاجمة الناقلات القادمة إليها، والتراجع الحاد لسعر العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، وما يترتب على ذلك من غلاء في معيشة المواطنين وحصولهم على قدر مقبول من احتياجاتهم الضرورية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.