مقالات

الرياض في صنعاء

16/10/2022, 16:56:07

ثماني سنوات، جرّبت السعودية كل حيلها، وفي كل مرّة تطرق كل المداخل، ثم تؤوب نحو خيار التفاوض مع الحوثي، سرّاً وعلانية، حواراً محدوداً أو تفاوضاً مفتوحاً.

ثماني سنوات، وخيار التفاوض ظلّ حاضراً. كانت تحاربهم أو في فترات تهدئة معهم، لم تطرد هاجسها هذا طوال الخط. 

ليست المشكلة في بقاء خيار المفاوضة كمبدأ أساسي، فما من حرب إلا وتنتهي بهذا المخرج، غير أن خوضك الحرب يستدعي تجميدا شاملا لأي حديث مع الآخر، حتى تتمكّن من خلق مساحة حوار مهيأة لنقاش جديد. 

أما أن تدفع بالدبابة لقتال خصمك، ثم يظل ملاحظاً توقك للحديث معه، فتلك طريقة لا تنبئ عن حكمة بقدر ما تخصم من صرامتك أمامه، وتضاعف من تمنّعه عن التنازل لك. 

بالمقابل، ظلت سياسة الحوثي تتخذ طابع القوّة، حتى وهو في لحظات ضعف، إنك لا تكاد تلحظ عليهم أي ارتخاء في لغتهم، على امتداد سنوات الحرب. هذا النهج هو أفضل طريقة يمكن لجماعة حرب أن تسلكه؛ كي تتمكن من حصد أرفع مكاسب ممكنة، وبما يتجاوز قوتها الفعلية. ويكون هذا مجديا أكثر، حين يكون خصمك طرفا مثل السعودية. 

فالأخيرة، تخوض الحرب وهي تفتقد لمنطق "إرادة الحرب"، تخوضها وعينها على السلام. وتلك سياسة قد تبدو جذابة ب"منطق حقوق الإنسان"، وليس بمنطق الحرب، وما تستدعيه من لغة وتكتيك مختلف. 

وعليه، فوصول وفد سعودي إلى صنعاء، لأول مرّة منذ بداية الحرب، يعني أن السعودية باتت ترى في تعبيد الجو مع الحوثي خيارها المركزي والنهائي لحل المشكلة معه، وليس مجرد خيار موازي أو تقنية طبيعية في نهاية المعركة. حتى لو ترافق وصول الوفد السعودي إلى صنعاء مع وفد حوثي مقابل إلى الرياض، فليست دلالة الحدثين مماثلة. 

فالحوثي يظل جماعة صغيرة وقبوله الذهاب للرياض يكسبه مكانة إضافية، كما يكتسب اعترافاً موازياً بوصول الوفد السعودي لصنعاء. 

فكلا الحدثين تصب دلالتهما لصالح الحوثي، ولا يكتسب خصومه أي معنى يوحي بالقوة أو شيء من التفوّق عليه. 

يمكن القول إننا الآن في بداية الفترة الزمنية لتنضيج الحلول النهائية، كانت الهدنة تمهيداً لهذا، وحتى مع فشلها ظلت الأمور تتحرّك باتجاه تهيئة الجو لعملية سلام، ليس واضحاً أفقها؛ لكن ما هو شبه مؤكد أن الحوثي لن يخرج منها خاسراً، لن يعود كما كان، ولن يفرّط بمكاسب الحرب مهما كان الثمن. 

ما هو غريب، أن السعودية ما دامت قد حسمت أمرها نحو التفاوض مع الحوثي، وقبل ذلك كانت قد أعادت ترتيب السلطة الشرعية، كان يجدر بها أن توازن خيار التفاوض مع الحوثي بتدعيم خطوتها المتمثلة في تقوية السلطة الشرعية، باعتبارها أداة فعّالة لخفض جموح الحوثي، لكنها لم تفعل.

فالواقع يقول إنها ما تزال تتعامل بالصورة المرتبكة والمتراخية نفسها تجاه سلطة المجلس الرئاسي، لدرجة أن تشكّله لم يسهم في أي دفعة نوعية توحي أن المجلس تعبير أكثر قوة وفاعلية من سلطة الشرعية بحاملها السابق. 

الخلاصة: من المفارقات الغريبة، أن دولة تملك كل أدوات التفوّق على خصومها، ومع ذلك لا تنتهي حربها معهم حتى بالتساوي في الربح والخسارة؛ بل تميل الكفة لصالحهم، وتجد نفسها على حواف المعركة، وقد تضاعفت قوة خصمها، وبات أكثر مهابة لديه، ليس لكونه أقوى منها بالفعل؛ بل لارتباكها في خوض المعركة ضده، وعجزها عن توظيف أدواتها. أدوات قوتها صارت بلا أثر فيما هو تمكن من مداراة ضعفه وصولًا لهذه اللحظة، هو يتهيأ لقطف الثمرة. 

فالوفد السعودي يصل صنعاء، ليس ضيفاً على حلفائه الذين جاء لدعمهم؛ بل تلمساً لسلام مع خصومه. 

فيما حلفاؤه يترددون على أبوابه، حائرين ويحاولون إقناعه أن يواصل دعمه لهم، ولا يتركهم فريسة مكشوفة، يتصارعون فيما بينهم. أما هو فبوابته الجديدة لم تعد تقوية حلفائه بل استلطاف خصومه. وتلك خسارة بكل معايير التقييم مهما حاولنا تغليفها بتفسيرات قسرية، فالحكاية واضحة، عنوانها: الرياض تفاوض صنعاء، وليس العكس.

مقالات

ما بعد غزة وما بعد إيران

في إعلان الحرب على غزة حَدَّدَ نتنياهو الهدف الرائس: القضاء على حماس، وعودة الرهائن. كان القضاء على حماس مَطلوبًا، إلا أنَّ الهدف مِنْ وَراء ذلك هو القضاء على غزة بحرب إبادة يشنها عبر القصف المتواصل، والحصار القاتل. وَمَنْ لم يُقْتَل بالقصف والتجويع تَقتلهُ «المساعدة الإنسانية»: الإسرائيلية الأمريكية!

مقالات

حرب إيران وإسرائيل.. حقائق صادمة ومفارقات متضاربة

بصرف النظر عن نتائج الضربات الجوية الماحقة التي شنتها القوات الأميركية على معظم منشآت إيران النووية، وما إذا كانت سوف تغير من مجريات الصراع في المنطقة، إلاَّ أن أكثر ما استرعى انتباه ودهشة المراقبين، قبل ذلك، هو سلسلةُ المفاجآت اليومية التي كشفت عنها الحرب الإيرانية- الإسرائيلية المباشرة. أولها أن الصواريخ البالستية والمسيَّرات التي زودت بها إيران أذرعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن لم تكن، في أفضل حال، سوى أدواتٍ لتجريب أسلحتها ذات الفاعلية العسكرية الكبيرة، على غرار ما شهدناه في مواجهتها الراهنة مع إسرائيل. لكن المؤسف أن تلك التجارب لم تفد إيران، ولم تلحق أي ضررٍ بإسرائيل، بل كلفت بلدان تلك الأذرع استباحة أراضيها من قبل جيوشٍ عالميةٍ كبرى يستحيل كسرها، وأدت إلى سلب إرادة شعوب، وانتهاك سيادة دولٍ لم يكن بالإمكان التعدي عليها لولا التدخلات الإيرانية في شؤونها، فضلًا عن تدمير بناها التحتية الأساسية، وعودتها عقودًا من الزمن إلى الخلف يصعب تعويضها.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.