مقالات

أفكار ضد التيار

16/05/2022, 08:07:31

منذ سنيّ شبابي الباكرة، كنت فضولياً جداً لاقتحام المناطق الغامضة والمواقع المشبوهة، حتى إن اقتحامي الأماكن والمواقف الخطرة لم تكن يوماً من منطلق الشجاعة قط، إنما فضول خالص! 

حشريّتي هذي دفعتني إلى كل مكان وموقف، فوجدتني اقتحم البارات وغُرَز الحشيش، وتعرفت إلى أخطر رجال العصابات.. إلاَّ أنني ظللت دائماً أنفر من المواخير. 

حتى حين ألحَّ عليَّ صديقي الحميم "ع" لمرافقته إلى أحد المواخير الشهيرة يومها في بعض ضواحي عدن، وكنا يومها في أواخر سبعينات القرن الماضي، ذهبت معه إلى أن وصلنا إلى باب الماخور، لكنني فجأة وجدتني مرتعد الفرائص، وأعود القهقرى.

صديقي هذا - وبعد أكثر من ثلاثين سنة على هذه الواقعة - رُشّح للوزارة، برغم أنه حصل يومها على منصب أدنى. ويومها سُئلت للتعليق على ترشيحه هذا، فقلت: من اعتاد دار الدعارة، سيرتاد دار الوزارة!

ترقّى صديقي "ع" في عالم المواخير، من المواخير الجنسية إلى المواخير السياسية، ومن السيسبان إلى الرياض. ورأيته مؤخراً يبتسم في الصفوف المتقدمة من زريبة المشاورات التي انعقدت هناك.

إن الدخول إلى أي ماخور سياسي لن يكون ناجحاً بالضرورة، إلاَّ إذا سبقه ارتياد وتجريب مواخير العواهر. فالذهاب إلى الرياض وأبوظبي وغيرها من مواخير السياسة، تبدأ من السيسبان وأشباهه أولاً وثانياً وعاشراً.

*  *  *

درسْنا كثيراً، وقرأنا أكثر، واجتهدْنا وبالغْنا في الكَدّ. وكنا - في ذلك كله - نحلم بأن يكون الغد أجمل بكثير من اليوم الذي كنا فيه.

كنا فقراء إلى المال، وأغنياء في الكذب على أنفسنا، كتلك الأُمّ البائسة التي كانت تُحرِّك الأحجار في قِدْرٍ ليس فيه غير الماء لتخدع أطفالها الجوعى فيغلبهم النعاس وهم يعتقدون أن العشاء سيجهز بعد قليل!

لهوْنا في الحارات بألعابٍ من صُنع أيدينا، فلم تكن ألعابنا تأتي يومها - ونحن على تلك الحال - من المصانع اليابانية أو الأمريكانية. وكانت كرة أقدامنا مُحاكة من بالي جواربنا. أما دراجة الهواء فكان من يملكها كمن يملك لكزس أو مرسيدس هذه الأيام.

ولكننا كنا نحلم بحجم السماء، ونضحك ملء البحر. فقد كان إيماننا ساطعاً بأن الغد سيكون أفضل بكثير. إيماننا بأننا سنحصل على فُرص حياة مُرفَّهة، وأن العلم هو السبيل إلى تحقيق هذه الغاية. وكلما ثابرنا واجتهدنا وسهرنا وتعبنا، كنا نرى ذلك الغد الجميل على مرمى حصاة.

غير أننا لم نعتقد يوماً بخديعة القَدَر وسخريته التي فاقت سخرية الشيطان. كانت عبارة "خياركم في الجاهلية، خياركم في الإسلام" - مثالاً - تتردَّد كثيراً على مسامعنا، ولكن على نحوٍ مقلوب تماماً. 

فإذا بنا نجد أغبياءنا في المدرسة، حُكَّامنا في الدولة!

كان هؤلاء الأغبياء يضربوننا داخل المدرسة وخارجها، فإذا بهم لازالوا يضربوننا حتى هذه اللحظة. 

ولعمري أنهم ليسوا بأغبياء، إنما اتّضح أننا نحن الأغبياء. وإلاَّ لماذا صاروا هم الحُكَّام والأغنياء، ونحن المحكومين والمُعدَمين؟

قرأتُ يوماً عبارة لأحدهم - لا أتذكَّر اسمه - يقول فيها ما معناه إن من كان متفوقاً في دراسته يلتحق بالجامعة ليتخرَّج مهندساً أو طبيباً أو قاضياً أو أديباً، أما من كان مُتعثِّراً في دراسته فيلجأ إلى الكلية العسكرية ليحكم أولئك جميعاً.

 

ومؤخراً، أُضيفت النسخة اليمنية إلى تلك العبارة الخالدة، فصار من يغدو شيخاً يحكم هؤلاء وأولئك معاً!

كان أجدادنا يحرصون على تعليم أبنائهم السباحة والرماية وركوب الخيل. بعدها انقلب بعض آبائنا على أجدادنا، فعلّموا أبناءهم الحَرْف والحِرْفة. غير أن آخرين كانوا أشطر بكثير، فوضعوا المسدسات في أيدي أبنائهم وكتاب ميكافيللي في مخادعهم!

* * *

قرأتُ مرةً حواراً بين صحافي ووزير اِعلام، كلاهما "عربي".

وفي الحوار، كشف الصحافي - الذي كان والوزير زميلين في جريدة واحدة - أن زميله هذا كان يمقت الرقابة على الصحافة، قبل أن يصير وزيراً فيراقب الصحافة، بل ويشدّد الرقابة!

والحكاية قديمة ... ولاتزال مستمرة.

ولازال بعضنا يتذكر ويتندّر بحكايات عن "بعضهم" بين عهدين: سابق، رفضوا فيه التعاطي مع قاموس القمع.. ولاحق، أضافوا فيه إلى هذا القاموس، بل أصدروا منه طبعة مزيّدة ومنقّحة!

يكاد المرء يعتقد بقوة، باستحالة بقاء المثقف على موقفه السليم - ثابتاً - إثر انتقاله من موقع السفود إلى موقع النفوذ!

وقد عرفتُ شخصياً عدداً من الزملاء والأصدقاء شهدوا منازل القمر - على هكذا منوال - فاذا بالمقموع ينقلب قامعاً، وإذا بالسجين يغدو سجاناً!

مقالات

دستور طارق!

ربما ليس علينا الآن تذكير اليمنيين بطارق صالح، مدرب قناصة الحوثي والقائد الميداني ذي الوجه الشاحب الذي كان يقاتل، بإخلاص، كتفاً بكتف مع مجرم الحرب أبو علي الحاكم تحت قيادة عبدالملك الحوثي.

مقالات

وسائل التواصل الاجتماعي .. كيف شوَّهت صورة اليمن أمام العالم؟

بعد أن لم يعد لدى اليمن برلمانٌ واحدٌ ينعقد بانتظامٍ لمناقشة أحوال البلاد وقضاياها المصيرية، ولا صحافة تتمتع بقدرٍ معقولٍ من الحرية والاستقلالية، لا بأس من أن تصبح بعض المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي ساحةً لتناول تلك المسائل والهموم.

مقالات

طارق صالح: من عبء على الحوثي إلى عبء على الشرعية

حين استولى الحوثيون على العاصمة صنعاء عام 2014، بدت الحاجة إلى أدوات صالح العسكرية والبيروقراطية ضرورة مرحلية. كان كمن يفتح لهم أبواب القلعة التي سيتحول لاحقًا إلى أسير داخلها. بقيت الحاجة لصالح إلى أن نجحت العصابة الحوثية في تجريده من أوراقه، وإلحاق أدواته بها، وإعادة تكييف أتباعه داخل الجهاز الإداري والعسكري للدولة، وربط مصالحهم بها مباشرة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.