تقارير
نتيجة لجفاف المراعي.. المزارعون بين خياري نفوق المواشي أو البيع البخس
بعد صمود طويل، استسلم محمد شمسان للأمر الواقع، وباع آخر بقرة بقيت في القرية بعد أن عجز عن إطعامها، واستنفد كل سبل التمسك بها، وبدأت ملامح الجوع تظهر على جسدها، وتجرّها نحو الهلاك.
شمسان، الذي يعيش في قرية جبلية ببلاد الوافي بمديرية جبل حبشي بتعز، انتظر طويلًا هطول المطر خلال فصلي الربيع والصيف، وتشبّث بكل أمل للحفاظ على بهائمه، لكن امتداد فترة الجفاف الطويلة جعل المراعي تتحول إلى صحارى وأماكن قاحلة، وعانت المواشي من مجاعة شديدة جعلتها تقترب من الموت كل يوم.
ركيزة اقتصاد أسرية
تلعب الثروة الحيوانية دورًا هامًا في رفد وتدعيم الأسر الريفية، وتعتمد عليها كثير من الأسر بشكل رئيسي في توفير الاحتياجات الأساسية وتحسين مستواها المعيشي، حيث تحتل المركز الثاني من الناتج المحلي الزراعي بعد الإنتاج النباتي بنسبة تتراوح ما بين 20% إلى 23%، مما يجعلها تمثل عمودًا فقريًا للعديد من العائلات.
وعلى الرغم من أنه لا توجد إحصائيات دقيقة حول حجم الثروة الحيوانية في اليمن، إلا أن تقارير إدارة الإحصاء الزراعي تشير إلى تأرجح أعداد الماشية في اليمن وتراجعها في السنوات الماضية نتيجة للتغيرات المناخية وتبعات الحرب التي أثرت على أنشطة التلقيح ومكافحة الأمراض.
وبحسب تقارير الإحصاء الزراعي، فإن حجم الثروة الحيوانية في اليمن قُدّر في العام 2014 بحوالي 21 مليونًا و296 ألف رأس، فيما تناقص العدد إلى ما يقارب 19 مليونًا و392 ألف رأس في العام 2018.
فقدان الاستقرار المعيشي
لا تعد الحيوانات المجترة مجرد وسيلة لتحسين مستوى العائلة الريفية فقط، وإنما صكوك نقدية ومدخرات مالية تستخدمها الأسرة في حالات الطوارئ وتلبية متطلبات الأعياد والدراسة وغيرها، ويمثل فقدانها تهديدًا لأمن الأسرة واستقرارها المعيشي وخسارة للورقة الأخيرة التي تحافظ على توازنها.
ومن وجهة نظر المزارع شمسان، يبدو العام الحالي مختلفًا عن كل السنين السابقة، ولم تشهد اليمن حالة من الجفاف مشابهة طوال عقود مضت، حيث دمّر ما كافحت من أجله الأسر لسنوات ماضية.
وعلى الرغم من أن شمسان لم ييأس من رحمة الله طوال الأشهر الماضية، إلا أنه يؤكد أن الحفاظ على الحيوانات في مثل هذه الظروف مستحيل، وأن تأخر المطر حتى انقضاء الموسم لم يترك له ولأغلب الأسر الريفية خيارًا سوى بيع مواشيهم بأي ثمن قبل أن تموت.
وكالمزارع شمسان، اضطرت أم محمد إلى بيع أغنامها بعد أن وصل الحال بأصحاب القرية إلى تقاسم ماء الشرب بعدد جالونات محدودة لكل بيت، كان نصيبها منها خمس دِبَب في اليومين، لن تكفي لاستخدام البيت والبشر فيها، ناهيك عن الحمار وتسعة أغنام تمتلكها الأسرة.
تقول أم محمد: اضطرت إلى بيع جميع الغنم بأسعار زهيدة قبل أن تموت من الجوع والعطش، مع معرفتنا بأننا لن نستطيع تعويضها عندما يسقط المطر.
تطرف مناخي
ما بين الجفاف الشديد والسيول الجارفة التي اجتاحت الكثير من المحافظات خلال الأعوام السابقة وأدت إلى نفوق عشرات الآلاف من الماشية، حيث تضرر حوالي 279,400 رأس من الحيوانات المجترة، معظمها من الأغنام والماعز، وذلك خلال الموسم المطري للعام الماضي 2024، في الأشهر ما بين يوليو إلى سبتمبر، بحسب مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية.
كما دمّرت السيول الجارفة خلال نفس الفترة نحو 98,726 هكتارًا من الأراضي الزراعية، وتضرر 24,257 هكتارًا أخرى، وهو ما يمثل تقريبًا 30% من إجمالي المساحات الزراعية الفعلية في اليمن، والتي تمثل مصدر غذاء للإنسان والحيوان، حسب تقديرات منظمة الزراعة والأغذية.
ويعلّق المهندس الزراعي محمد الهلالي على حالة الجفاف للعام الحالي بأنها مدمّرة، وستؤثر على الإنتاج الزراعي في القطاعين النباتي والحيواني لسنوات قادمة، وسيحتاج المزارعون إلى دعم حكومي ودولي لإعادة ترميم وضعهم.
ويرى أن شحّة الأمطار في أغلب المحافظات اليمنية سيمثل عبئًا كبيرًا على قطاع الرعي، حيث إن الأسر لا تمتلك المخزون من الأعلاف والزرع الذي تدّخره للحيوانات من فترة الحصاد لتطعم الحيوانات في فصل الشتاء الذي يمتاز بالجفاف.