تقارير
مليشيا الحوثي تعيد محاكمة الصحفي محمد دبوان المياحي مع تشديد العقوبة
لم تكتفِ مليشيا الحوثي بالحكم الذي أصدرته بحق الصحفي محمد دبوان المياحي، بل رفعت دعوى استئناف جديدة بعد أشهر من صدور حكم يقضي بسجنه عامًا ونصف وتغريمه خمسة ملايين ريال، بذريعة أن الحكم “قليل” وأن المياحي “يستحق عقوبة أشد”، وتُعدّ هذه الخطوة سابقة خطيرة وجريمة ممنهجة بحق الصحفيين.
استدعاء جديد وجلسة مؤجلة
أُبلغ المياحي، مساء السبت 1 نوفمبر 2025، بضرورة حضوره إلى المحكمة صباح اليوم التالي لعقد جلسة جديدة ضمن مسار الاستئناف، غير أنه، ومع حضور هيئة الدفاع وأسرته، تأجلت الجلسة بسبب غياب القاضي، ما أثار التساؤلات حول نية المليشيا في إطالة أمد القضية أو استخدامها كورقة ضغط نفسي جديدة ضده.
تقول زوجته يسرى المياحي لموقع بلقيس: “حضرنا جميعًا إلى قاعة المحكمة، وأُحضر محمد من السجن، وانتظرنا ساعات، ثم قالوا إن الجلسة تأجلت لأن القاضي لم يحضر، القرار جاء مفاجئًا وصادمًا لنا بعد كل ما مرّ به محمد من ظلم.”
انتهاكات مستمرة
رغم مرور أكثر من عام على اعتقاله، لم تتوقف الانتهاكات بحق الصحفي محمد دبوان المياحي، ومنذ لحظة احتجازه على يد المليشيا في صنعاء، في 20 سبتمبر 2024، تعرّض المياحي للتعذيب النفسي والحرمان من التواصل مع محاميه، كما مُنع في أوقات كثيرة من الزيارات العائلية، بحسب أسرته.
وخلال جلسات المحاكمة السابقة، واجه المياحي سلسلة من الاتهامات الملفقة أبرزها “النشر ضد الجماعة والتحريض الإعلامي”، وهي تهمٌ ينفيها تمامًا.
وأكد أمام القاضي أنه كاتب وليس كما يدّعون، موضحًا أن المواد التي استخدمتها النيابة كأدلة ضده “ملفقة”، وكتبها مجهولون على الأرجح باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لإثبات اتهامات كاذبة.
وقال المياحي حينها أمام القاضي: “النصوص لا تشبه لغتي، وهي خالية من أدوات الربط وتفتقر للأسلوب الأدبي. إنها نصوص صناعية أُنشئت لتبدو كأنها كتاباتي.”
محاكمة خارج الاختصاص القانوني
يؤكد محامو الدفاع أن قضية المياحي تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون اليمني، إذ تُحاكم أمام المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب بدلًا من محكمة الصحافة والمطبوعات المختصة قانونًا بالنظر في قضايا النشر.
ويقول محامي المياحي، عمار الأهدل، لموقع بلقيس: “رفضت المليشيا تحويل القضية إلى محكمة الصحافة رغم وضوح الاختصاص. من غير المقبول قانونًا أن يُحاكم صحفي في محكمة معنية بالإرهاب، لكن القضاء الخاضع للحوثيين لا يحترم أي مبدأ قانوني.”
ويرى مراقبون أن الإصرار على إبقاء القضية ضمن القضاء الجزائي يهدف إلى تجريم العمل الصحفي وتصويره كفعل أمني أو تخريبي، وهو ما يعكس توجهًا واضحًا لتكميم الأفواه وإخضاع الإعلام لرقابة صارمة.
حكم جاهز من الهاتف
واحدة من أكثر الوقائع غرابة في محاكمة المياحي تمثلت في قراءة منطوق الحكم من هاتف القاضي. ففي الجلسة الأخيرة، بحسب شهادة المحامي الأهدل، لم يُقرأ الحكم من محضر الجلسة أو من مسودة مكتوبة، وإنما من شاشة هاتف. ووصف محامٍ آخر الواقعة بأنها “فضيحة قضائية”.
وقال الأهدل لموقع بلقيس: “الحكم كان معدًا مسبقًا وجاهزًا، تمت قراءته من الهاتف دون الرجوع لما دار في الجلسات أو النظر في أدلة الدفاع.”
ويؤكد خبراء قانونيون أن هذا التصرف يعكس الطبيعة الشكلية للمحاكمة، ويثبت أن الحكم صدر بتوجيه سياسي منذ البداية.
استئناف مفاجئ
رغم تنفيذ جزء من الحكم السابق، فوجئت أسرة المياحي ومحاموه بقرار محكمة الاستئناف رفع دعوى جديدة تطالب بتشديد العقوبة.
وتقول يسرى المياحي لموقع بلقيس: “بعد عام من المعاناة داخل السجن، كنا ننتظر الإفراج عنه، لكنهم قرروا استئناف الحكم والمطالبة بعقوبة أكبر. هذا ظلم مضاعف ومحاولة لكسر إرادته.”
ويرى حقوقيون أن هذا الاستئناف يمثل انتهاكًا لمبدأ عدم محاكمة الشخص عن الفعل نفسه مرتين، ويؤكد استخدام القضاء كأداة انتقام سياسي ضد الصحفيين.
ويُعدّ محمد دبوان المياحي أحد أبرز الأقلام الشابة في اليمن، عُرف بكتاباته الأدبية والإنسانية ومقالاته التي تناولت قضايا المجتمع والواقع اليمني.
اختطفته مليشيا الحوثي في 20 سبتمبر 2024 من داخل منزله في صنعاء، واقتادته إلى السجن، حيث تعرّض لسوء معاملة وحرمان من أبسط حقوقه القانونية.
وبينما تتمحور التهم الموجهة إليه حول “التحريض الإعلامي”، يرى حقوقيون أن سبب اعتقاله الحقيقي هو منشور انتقد فيه زعيم المليشيا الحوثية.
الحريات الصحفية تحت الحصار
وتأتي قضية المياحي ضمن سلسلة الانتهاكات الواسعة ضد الصحفيين في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، إذ توثق منظمات دولية استمرار احتجاز عدد من الصحفيين، بعضهم منذ أكثر من ثماني سنوات، بتهم تتعلق بحرية الرأي والتعبير.
ووفق تقارير “مراسلون بلا حدود”، تُصنف اليمن كإحدى أسوأ الدول في العالم في حرية الصحافة، فيما تُعتبر المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي الأكثر قمعًا، حيث تُمارس سلطاتها الاعتقال التعسفي والملاحقة وإغلاق المؤسسات الإعلامية.
عدالة مؤجلة وصمت دولي
وتتواصل قضية الصحفي محمد دبوان المياحي كإحدى صور الانتهاكات التي تطال الكلمة الحرة في مناطق سيطرة المليشيا، وسط صمت دولي مقلق وتراجع واضح لدور المؤسسات الحقوقية في الضغط من أجل الإفراج عن الصحفيين المعتقلين.